|
قبل طوفان الأقصى ارتكبت إسرائيل عدداً كبيراً من الانتهاكات في المسجد الأقصى، ومع كل انتهاك كنا نسمع أصواتاً تنادي مقاومة غزة، حماس تحديداً والجهاد وبقية فصائل المقاومة إلى عمل عسكري ضد الكيان الاستيطاني الغاصب.
واليوم وبعد ملحمة طوفان الأقصى التي جاءت رداً على جرائم الكيان الصهيوني اليومية في حق الشعب الفلسطيني، ظهرت أصوات تقول بأن حماس غامرت وأقدمت على خطوة غير محسوبة، وكلا الصوتين القديم والجديد يهدف إلى تثبيط الهمم وزرع الخيبة والانكسار، بعضها بحسن نية والأخرى بسوء نية.
المقاومة ليست حماسة وخوض الحرب فيها ليس على طريقة فروسية عنترة أو تحرك حماستها بيت الشعر الليل والخيل والبيداء تعرفني والسيف والرمح والقرطاس والقلم، بل إنها باتت عملاً كبيراً وشاقاً وإعداداً وتخطيطاً وتراكم قوة، ولن تكون فاعلة وتحقق أهدافها إلا عندما تصل قوتها إلى درجة الردع الاستراتيجي.
ولم يصل لبنان وحزب الله إلى هذا المستوى من القوة والردع الاستراتيجي إّلا من خلال بناء القدرات والتخطيط وحتى أضحى الكيان يُبدي خشيته وخوفه من حزب الله، وبنى قدرات أكبر بعد أن أذاق الكيان مرارة الهزيمة في حرب تموز 2006م، وقدم فيها تضحيات كبيرة وتحمّل شعب لبنان في هذه الحرب التدمير والقصف وضحايا مدنيين ارتكبها الكيان الصهيوني، ودمر الكيان الضاحية الجنوبية واستهدف المباني السكنية والجسور.
ولم يستسلم ويقر بهزيمته إّلا بعد ملّحمة صمود وبطولة المقاومين بعد أن تكبد خسائر فادحة بسبب صواريخ المقاومة، واقتنع باستحالة تحقيق نصر على المقاومة.
ومذاك أخذت المقاومة تواصل بناء وتطوير قدراتها العسكرية وتراكمها، وصار الكيان يخشى ارتكاب حماقة جديدة أو التورط في حرب مع حزب الله، كما لم يستطع الكيان أن يخترق المقاومة أو يحصل على معلومات عن حجم قدراتها العسكرية.
وفي المقابل هناك أصوات بعضها يسخر من حزب الله وبعضها يسخر من أنصارالله والبعض الآخر يسخر من إيران ويتساءل لماذا لم يدخلوا المعركة، ويشكك بقدراتهم وصدق شعاراتهم.
وهؤلاء الساخرون والمستهزئون والمشككين صنفان، صنف يناصب المطبعين والسائرين في ركب المشروع الصهيوأمريكي، أي أدواته المستقرة في الخيبة والهزيمة، الأدوات الإقليمية والمليشيات التي ذاقت الهزيمة في كل ملفات المنطقة، وهؤلاء يظنون بأنهم يستطيعون تعويض خسارتهم من خلال دفع المنطقة إلى الحرب المفتوحة مع أسيادهم وبعد أن تندلع الحرب المفتوحة سيصوبون فوهات مدافعهم وبنادقهم صوب فصائل المقاومة، أي أنهم يبحثون عن دخول المشغلين للمعركة لمساعدتهم فيما عجزوا عنه سابقاً ولا تهمهم لا غزة ولا القضية الفلسطينية.
أما الصنف الآخر فإنه يريد أن تتحرر فلسطين، لكن في نفس الوقت يمني نفسه أن يتم الإجهاز على الكل مقاومة والكيان، مع بقاء نمط الحياة الغربي الأمريكي بلا كيان صهيوني في المنطقة وتتحول المنطقة إلى نمط حياة خليجي، لكن بصورة أوسع أو بمعنى آخر خلجنة العالم العربي كله.
لقد تم بناء فصائل محور المقاومة على قاعدة التحالف وليس التبعية وكل فصيل فيه يعرف مسؤوليته في إطار العمل المشترك، ولن تجد قيادياً فيه يتسول المساعدة أو يبدي تذمره من حلفائه أو يردد اسطوانة خذلونا الحلفاء أو يردد نغمة خيبة أو انكسار، لأنه يدرك ويتفهم ظروف وحسابات الطرف الآخر ويثق بأن حلفاءه لن يخذلوه إذا كان بإمكانهم عمل شيء ويكبر فيهم أي عمل يقومون به مهما كان صغيراً.
وأخيراً ترتفع أصوات بالقول بأن حماس السنية جرى توريطها ولماذا لم تتصدر المشهد حركة الجهاد الإسلامي، مع العلم إذا حدث ذلك لكان الإعلام شغل النغمة المذهبية وجرى اتهام إيران بأنها السبب في زعزعة أمن المنطقة ومنح الدويلات والممالك العربية السنية المطبّعة مبرر الوقوف مع الكيان، خصوصاً أن نغمة استبدال عداوة الكيان بإيران منصة وعي جرى إعدادها منذ وقت مبكر ورددها كثير من النخب وقنوات البترودولار الإعلامية.
وعليه فإن محور المقاومة يدير المعركة بحسابات دقيقة ومدروسة ولا يمنح خصومه ثغرات ينفذون منها…!!
*نقلا عن :الثورة نت
في الإثنين 30 أكتوبر-تشرين الأول 2023 09:09:55 م