|
علمنا الإسلام الأصيل أن أي موقف نقفه نصرةً لفلسطين، مهما كان عظيماً في آثاره ونتائجه، واجبٌ ديني وإنساني وأخلاقي، لا مجال للتفريط فيه، أو المساومة عليه، لا من قريب ولا من بعيد. ووحدها ثقافة الإسلام المحمدي الأصيل تعيد للإنسان العربي والمسلم اعتباره، وتعطي لوجوده وحركته قيمةً ومعنى؛ إذ تربطه بفلسطين كقضية أولى ومركزية، منها ينطلق، وإليها يعود، فهي القطب والمحور، والأصل والفرع، بها تقاس حرية كل حر، ومن خلالها يتبين الصادق من الكاذب، والشريف من الوضيع، والحر من العبد، والممانع المجاهد المقاوم من المطبع التابع الذليل الخائن.
وعليه فليس هنالك من إمكانية لدى المزايدين والمدلسين والمتلبسين بالإسلام أن يخدعونا كشعوب عربية وإسلامية مجدداً، ويقدموا أنفسهم للشارع العربي والإسلامي باعتبارهم القادة الغيورين على دماء ومقدسات وأعراض الأمة، أو الأبطال الحقيقيين الذين بيدهم الخلاص لفلسطين والقدس من أسر ودنس ورجس العدو اليهودي الصهيوني المحتل، كما فعل المسمى أردوغان بالأمس القريب، معيداً إلى الأذهان مسرحية السفينة التركية بربرة، التي ضمت العديد من كوادر وقيادات الخونج من كل الأقطار، في العام 2008م، الذي شهد عدواناً صهيونياً على غزة قُوبِل بصمود وثبات من قبل الفلسطينيين، شعباً ومجاهدين، منقطع النظير. حينها أراد الخونج استثمار ذلك الصمود والنصر الفلسطيني لصالحهم، وتحويله إلى عنصر من العناصر الأساسية التي يسوقون من خلالها ثقافتهم ومشروعهم، محاولين العودة إلى الواجهة من جديد، لاسيما بعد فشل القوميين، وبزوغ فجر زمن الانتصارات على يد حزب الله، حامل لواء الإسلام المحمدي، والحافظ لماء وجه الأمة، والذي لطالما حاول المستكبر الأمريكي التغطية عليه كنموذج يقتدى به ورجال عزة ونصر يجب التزام خطهم ونهجهم بنماذج مزيفة وأبطال وهميين، بدءاً بأسامة طالبان، وصولاً إلى رجب بني عثمان، وكلهم للتغطية والتعمية والإلهاء، حتى لا تستيقظ هذه الأمة من سباتها، وتعرف مَن هم الجديرون فعلاً بالحفاظ على كرامتها وصون مقدساتها، وتحريرها من كل قوى الهيمنة والاحتلال، وفرض وجودها على كل أراضيها، ورد اعتبار تاريخها وإنسانها.
من هنا نعرف المغزى من إقامة رجب بني عثمان مهرجاناً لنصرة غزة، تزامناً مع معركة «طوفان الأقصى»، المسنودة بمحور الجهاد والمقاومة بكل شيء، والشاهدة لوجود تضامن إنساني من قبل الشارع العالمي؛ إلا أن الواضح هذه المرة هو مدى ارتباط الرئيس التركي بأجهزة الاستخبارات الأمريكية والصهيونية، التي أملت عليه الحديث عن الهلال والصليب، للتفريق بين المسلمين والمسيحيين، ودفع التيارات الداعشية الوهابية إلى القيام بأعمال عدائية ضد الكنائس والأديرة، في الوقت الذي ساوى في خطابه بين المواطن الفلسطيني، والمستوطن المحتل الغاصب اليهودي، وسماهم مدنيين! ولقد كان الجدير برجب بني عثمان إغلاق السفارة الصهيونية، وقطع كافة العلاقات مع كيان الاحتلال، بدلاً من الطنطنات الفارغة، والطرح المشبوه، الذي لم يكن عفوياً، عن كسر الهلال للصليب، وظهوره عليه، وسوى ذلك من الهرطقات الخونجية المعهودة.
* نقلا عن : لا ميديا
في الإثنين 06 نوفمبر-تشرين الثاني 2023 06:36:08 ص