|
فَهِم جمال عبد الناصر باكراً أنَّ أنظمة الرجعيَّة العربيَّة حليفةٌ لـ«إسرائيل» وركنٌ أساسيٌّ مِن أركان منظومة الهيمنة الغربيَّة في بلادنا وها هي تلك الأنظمة الآن -ومصر معها بعد أن انتقلت إلى معسكر الرجعيَّة- تخوض مع «إسرائيل» حربها ضدَّنا وتصدُّ صواريخ المقاومين عنها.
حلف قوى الرجعيَّة العربيَّة مع كيان الاحتلال الصهيوني، وتموضعها في صلب منظومة الهيمنة الأمريكيَّة، هما الثابت في المعادلة. أمَّا المتغيِّر فهو أداء هذه الأنظمة، الذي يتشكَّل وفق ضرورة المرحلة.
فعندما كان ميزان القوى مائلاً لصالح كيان الاحتلال بشكلٍ صارخٍ، كان لهذه الأنظمة ترف إصدار بيانات الشجب والإدانة الكاذبة لحفظ ماء الوجه بينما ترك للكيان الصهيوني أن يتكفَّل بالمهمَّة.
أمَّا وقد مال ميزان القوى لصالح قوى المقاومة في المنطقة، وأصبح مصير الهيمنة الغربيَّة وكيان الاحتلال، ومعها مصير هذه الأنظمة، مهدَّداً، فمِن البديهيِّ أن نراها الآن تشارك عسكريّاً وبوضوحٍ مع كيان الاحتلال الصهيوني.
بناءً عليه، وددت أن أقول إنَّي أرى أنَّ تدخُّل أنظمة الرجعيَّة العربيَّة العسكريَّ المباشر مع كيان الاحتلال أمرٌ يدعو إلى الكثير مِن التفاؤل، فهو وإن كان يؤشِّر بشكلٍ مباشرٍ إلى ضعف منظومة الهيمنة الأمريكيَّة في المنطقة، والتي اضطرَّت إلى استخدام «قوات الاحتياط» (جلب القوات والأساطيل إلى المنطقة، إقحام جيوش الرجعيَّة العربيَّة...) ضدَّ قوى المقاومة، إلَّا أنه يخفي وراءه اختلالاتٍ وشروخاً أعمق:
أوَّلها: في منظومة الهيمنة الأمريكيَّة (العامَّة) العالميَّة؛ لأنَّ جلب هذه القوَّات والأساطيل قد شكَّل بالفعل تهديداً لقوَّتين عظميَيْن حليفتين، ما استدعى اتِّخاذ الأخيرتين خطواتٍ عسكريَّةً قد تشلُّ القوَّات والأساطيل المستدعاة وتُفسد هيبتها أمام العالم.
ثانيها: في منظومة الهيمنة الأمريكيَّة (الفرعيَّة) في منطقتنا، لجهة ركن كيان الاحتلال الصهيوني؛ لتأكيده أنَّ وظيفتَيه الرئيستين كمخفرٍ رادعٍ لكلِّ مَن يتوق إلى التحرُّر، وكجدارٍ فاصلٍ يعزِّز تجزئة العرب، قد مُسِحتا تماماً، فالمخفر صار بحاجةٍ لكلِّ جيوش الأرض لتنقذه، والجدار الفاصل قفزت مِن فوقه أربعة أقطارٍ عربيَّةٍ حتَّى الآن لنجدة أهل القُطر المحبوس في داخله.
ثالثها: في منظومة الهيمنة الأمريكيَّة (الفرعيَّة) في منطقتنا، لجهة ركن الرجعيَّة العربيَّة، التي اُقحِمَت في دورٍ عجز عنه كيان الاحتلال الصهيوني ذاك الذي صُمِّم لأجله أساساً، وعجز عنه الأمريكيُّ فوق ذلك، وأصبحت الآن هذه الأنظمة المسكينة التي صمِّمت لأجل احتواء الشعوب العربيَّة وترويضها في كيانات التجزئة بدل ذلك تهيِّج هذه الشعوب وتحرِّضها لكسر منظومة الهيمنة والكيانات والحدود للانخراط في معركة التحرُّر.
رابعها: في منظومة الهيمنة الأمريكيَّة (الفرعيَّة) في منطقتنا، لجهة ركن اقتصاد الريع، الذي خفَّ توزيعه بفعل الحاجات الأمريكيَّة المتزايدة له، وبفعل الحصار الأمريكيِّ، وهو ينقطع نهائيّاً الآن بسبب الحاجة لتمويل هذه الحرب التي تتَّسع رقعتها وتتسارع وتيرتها بشكلٍ يرعبها. وبالتالي فإنَّ صيغة توزيع الريع مِن قِبل «الحضن العربيِّ» لشراء المهادنة والاستسلام مقابل سدِّ رمق العرب (نمط معاش العرب في ظل الهيمنة) قد انكسرت وانقطعت معها سُبُل معاش باقي العرب الذين يحتاجون إلى ثرواتهم، وهذه الثروات ممنوعةٌ عنهم للأسباب المذكورة أعلاه، ولم يبقَ غير طريقةٍ واحدةٍ لاسترجاعها: تحريرها.
ولذلك، فإن كنَّا أجهلَ مِن أن نتنبَّأ بموعد سقوط منظومة الهيمنة الأمريكيَّة في بلادنا كاملةً، إلَّا أنَّ زلزلة أركانها واقتراب انقلابها بعضها فوق بعض كأحجار الدومينو قد صار مرئيّاً بأمِّ العين لكلِّ مَن صفت نواياه ولم تُعْمِ غشاوة الهيمنة بصره وبصيرته، فتفاءلوا كثيراً.
كاتب لبناني
* نقلا عن : لا ميديا
في الإثنين 06 نوفمبر-تشرين الثاني 2023 08:05:35 م