|
في الوقت الذي كانت “السعوديّة” تستجدي “النصرة” ضد من أسمتهم “الحوثيين” عبر القمم الثلاث التي عقدتها في مكة العام 2019.
كان هناك مخطّط مواز بداخل تلك القمم يجري فيه التحضير لتصفية القضية الفلسطينية على قدم وساق يهدف إلى تهجير أبناء غزة إلى سيناء المصرية، وهو ما يجري اليوم.
سأعيد تذكيركم بما جرى في تلك الفترة بالقمم الثلاث، ولكم حرية مقارنتها بالقمم الثلاث الأخيرة التي تم عقدها.
سأورد لكم تفاصيل ما حدث بعد القمم الثلاث الأولى تحت مسمى صفقة القرن، ويمكنكم استنتاج خطر ما يمكن أن ينتج عن القمم الثلاث الأخيرة:
البداية:
مليارات إضافية أنفقتها السعوديّة، لحشد قيادات نحو 165 دولة خليجية وعربية وإسلامية في العام 2019، لتحشيد الرأي العام الإقليمي والدولي، في مواجهة أبناء اليمن، أَو من أسموهم “الحوثيين”، على نحو أكّـد أنهم صاروا “قوة” إقليمية، شكل خطراً يهدّد وجود السعوديّة ودول الخليج واقتصاداتها، حسبما أقرت مضامين البيانات الختامية للقمم الثلاث، وأعلن عنها ناطق التحالف العسكري الذي تقوده السعوديّة والإمارات في اليمن منذ أربع سنوات.
قمم مكة الثلاث الخليجية والعربية والإسلامية، بدت مكرَّسةً لحشد تأييد وتضامن خليجي وعربي وإسلامي مع السعوديّة في مواجهة “الحوثيين”، وظهرت المملكة “ضحية”، لا كقائد تحالف إقليمي ودولي يشن على بلدنا منذ 26 مارس 2015م حرباً عسكرية واقتصادية واسعة، أتت على مقدرات اليمن وبِنيته التحتية، وخلَّفت مئاتِ الآلاف من القتلى والجرحى وملايين النازحين والفقراء المعدمين.
ثلاثةُ بيانات:
البيانات الختامية للقمم الثلاث، المُعدة سلفاً من الديوان الملكي، حسبما أكّـد الرئيس العراقي السابق برهم صالح آنذاك في اعتراضه على البيان الختامي للقمة العربية بإعلانه أن “العراق لم يطلع على البيان أَو يشارك في صياغته”، حَيثُ كُرست البيانات لإدانة “هجمات الحوثيين الصاروخية والطائرات المسيَّرة”، على منشآت سعوديّة وصفتها بالمدنية، لكنها كانت تخفي حقيقة أُخرى أكثر إيلاماً تتمثل بتصفية القضية الفلسطينية بأيد عربية.
مزاد بيع:
مع أن قضية اليمن كانت حاضرة في القمم الثلاث، إلا أنه كان حضوراً ثانوياً بعد “أمن السعوديّة ودول الخليج”، وعلى نحو عزز تجاوز دوافع التحالف العسكري الإقليمي والدولي الذي تقوده السعوديّة والإمارات بدعم أمريكي وبريطاني مباشر راية ما أسموه “دعم الشرعية في اليمن” و”أمن واستقرار اليمن وصون وحدته وسيادته” التي تصدر بها قرارات مجلس الأمن الدولي، لتصل إلى “حماية أمن ومصالح السعوديّة ودول الخليج” أولاً، والتمهيد لصفقة القرن التي جاء بها كاشنر.
ولأسباب تتجاوز ظهور هادي فيها “ناعساً ونائماً” كالمعتاد إلى “منعه من إلقاء خطاب”، كانت “بداية النهاية لإزاحة هادي من المشهد”.
وهو الأمر الذي تم تنفيذه في العام 2022 داخل الرياض حين تم الإعلان عن انتهاء حقبة هادي وتشكيل ما أسموه بالمجلس الرئاسي.
الردُّ اليمني على القمم الثلاث:
كانت هناك دلالة على تزامن توقيت القمم الثلاث التي دعت إليها السعوديّة في شهر رمضان خلال تلك الفترة، مع قرب حلول “يوم القدس العالمي” المعلن تقليداً سنوياً لدى دول محور المقاومة.
وبرز الأمر حينها بنظر كثير من المحللين بأنها متعمدة أكثر منها مصادفة، خُصُوصاً مع استباق القمم الثلاث، بجولة بدأها مستشار الأمن القومي الأمريكي جون بولتون من الإمارات، وجولة مماثلة لـ “الأب الروحي لصفقة القرن”، صِهر الرئيس الأمريكي، جاريد كوشنر، تشمل المغرب والأردن والأراضي الفِلسطينيّة.
في المقابل جاءت ردود صنعاء على تلك القمم، ناقدة بحدة على منطلقاتها، معتبرين أنها “إملاء إرادَة السعوديّة” وفرضها على الأُمَّــة العربية والإسلامية، وصرف اهتمامها عن الأخطار الحقيقية التي تهدّدها جراء تغذية إشعال الحرائق فيها وإذكاء صراعات تفتيتية، مذهبية وطائفية وعرقية، علاوة على ما يتهدّد القضية الفلسطينية بالتصفية، عبر خطة التسوية الأمريكية المطروحة، تحت ما بات يُعرف سياسيًّا باسم “صفقة القرن”.
عبر عن هذا، السيد عبد الملك، في خطاب له ألقاه بمناسبة يوم القدس العالمي حينها، دعا فيه الأُمَّــة الإسلامية إلى “الوقوف بموقف واحد ضد العدوّ الصهيوني؛ باعتباره العدوّ الذي يشكل خطراً على الأُمَّــة”، موضحًا أن “صفقة ترامب” باتت تعتمد على أدوار لأنظمة عربية وحكام عرب يتحَرّكون في اتّجاه تصفية القضية الفلسطينية، وفي المقدمة النظام السعوديّ”.
وقال السيد القائد في خطابه: “مؤتمر البحرين الذي ينوون إقامته أول خطوة عملية ضمن خطوات صفقة ترامب، المنوطة بأطراف من داخل الأُمَّــة، بأنظمة عربية وبحكام عرب يتحَرّكون في هذا الاتّجاه وفي المقدمة النظام السعوديّ، الذي يجعل من آل خليفة في البحرين قفازاً ليبدأ بهم بعض الخطوات المشينة ليتقلدوا هذا العار أولاً ويكسر بهم الحاجز لاتِّخاذ خطوات مخزية تمثل عاراً وخيانة للأُمَّـة وللشعب الفلسطيني وللمقدسات وللإسلام”.
كما علق السيد القائد على قمم مكة حينها بقوله: “اليوم نرى النظام السعوديّ يتجه إلى استغلال مكة بكل ما تمثله للمسلمين الاستغلال السيء للانطلاقة منها في تبني مواقف يريد أن يفرضها على الجميع، وكلها تصُبُّ في إطار حرف بُوصلة العداء عن العدوّ الإسرائيلي إلى الداخل الإسلامي، والتمهيد للتطبيع مع العدوّ الإسرائيلي والدخول في الخطوات العملية؛ بهَدفِ التصفية للقضية الفلسطينية”.
وبشأن مخرجات القمم تلك، قال السيد إنها لن تغادر موقف الخذلان، وأضاف: “جماهير الأُمَّــة وأبناؤها مقيدون من أنظمتهم وحكوماتهم وزعاماتهم التي تبنت موقف الخذلان تجاه القضية الفلسطينية، ما عدا إطلاق مواقف شكلية أشبه بالعمليات التجميلية، في بيانات إدانة أحياناً أَو مساعدات بسيطة، أَو نحو هذا من المواقف الشكلية التي لا ترقى إلى الموقف الداعم والمساند بما تعنيه الكلمة”.
ولعل المتابع الحصيف يستطيع أن يستخرج ببساطة ثبات الموقف اليمني منذ تلك الفترة، ممثلاً بخطاب السيد القائد حينذاك، مقارنة مع ما أورده في خطابه الأخير الذي ألقاه للتضامن مع القضية الفلسطينية.
مخاضات الصفقة:
سبق القمم الثلاث الخليجية والعربية والإسلامية التي دعت السعوديّة إلى انعقادها في مكة، جولة لمستشار الأمن القومي الأمريكي حينها جون بولتون من الإمارات، وجولة مماثلة لـ “الأب الروحي لصفقة القرن”، صِهر الرئيس الأمريكي، جاريد كوشنر، تشمل المغرب والأردن والأراضي الفِلسطينيّة المحتلّة.
زيارة كوشنر للدول الثّلاث كان على رأس وفد ضم المبعوث الأمريكي الخاص للشرق الأوسط جيسون غرينبلات، والممثّل الأمريكي لشؤون إيران براين هوك، حملت أجندتها ممارسة الضغط على كُـلّ من الأردن والمغرب للمُشاركة في مُؤتمر البحرين بمبرّر تطبيق الشّق الاقتصادي من “صفقة القرن”.
الصفقة، هو اسم التسوية الأمريكية المطروحة للصراع العربي الإسرائيلي، والتي تتضمن:
إسقاط حق فلسطين في إقامة دولته المستقلة على أراضيه وفق حدود 1967م وعاصمتها القدس.
وكذا إسقاط حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى فلسطين.
وبدأت مقدماتها بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس ودعوة واشنطن لإلغاء منظمة “الأونروا” للاجئين الفلسطينيين.
مسارات وغايات:
دعوة السعوديّة للقمم الثلاث في مكة تلك الفترة، فُسر ضمن سعيها الحثيث بتدخلاتها المالية والسياسية والعسكرية منذ جائحة ما سمي أمريكياً “الربيع العربي” ومآلاته الكارثية، إلى وراثة مصر المنهكة عقب “الربيع” قيادة المنطقة العربية والإسلامية، وحسم قضيتها المركزية “فلسطين” باتّجاه يتجاوز سقف “مبادرة السلام” المقدمة من الملك عبد الله بن عبد العزيز في العام 2000م والمتبناة من قمة بيروت 2002م؛ لينتهي الأمر حسب رؤيتهم إلى “تصفية القضية” تحت العنوان الأكثر رواجاً باسم “صفقة القرن” في العام 2019م، وهو ما يتم التنفيذ له حَـاليًّا في العام 2023م.
*نقلا عن : المسيرة
في الإثنين 20 نوفمبر-تشرين الثاني 2023 01:01:46 ص