مساندة بسقوف عالية: اليمن يُحاصر “إسرائيل “
يحيى الشامي
يحيى الشامي

|| تقرير – خاص || يحيى الشامي

دون مواربة أعلنت القوات المسلحة اليمنية جاهزيتها لضرب “إسرائيل” حال عاودت عدوانها على غزة، لم يعد الأمر محض تصريحات لإقلاق الكيان المحتل أو إرباكه ضمن خطوات التصعيد التدريجية المطردة التي يتبناها محور الجهاد والمقاومة في المنطقة، بقدر ما هو انخراط كامل في عمليات حربية كامل يعلي فيها من سقوفات تضامنه مع غزة ومناصرته للشعب الفلسطيني.

اتخذ الدور اليمني المناصر لفلسطين أشكالا متنوعة ، من أم الرشراش إلى البحر الأحمر ومضيق باب المندب وخليج عدن، ضمن خريطة، أقل ما يقال انها تسبّب إرباكاً اقليمياً للانتشار العسكري الأميركي المُشارك في العدوان على غزة، ورفع من مستوى التحدي من جانب محور المقاومة، وساهم في اعادة الأميركيين حساباتهم السياسية والأمنية للمشهد الاقليمي برمته، والأهم، ربما، أنه أجبر الإسرائيليين على مراجعة خساراتهم الاقتصادية وأكلاف الحرب على كيانهم. 

حققت الصواريخ اليمنية والمسيّرات أهدافها بشكل دقيق ومباشر داخل العمق الإسرائيلي خاصة في أم الرشراش، جنوب فلسطين المحتلة، أو على صعيد التداعيات المتفاقمة والتي طاولت مجالات مختلفة للجبهة الداخلية الاسرائيلية، ورغم تكتم حكومة العدو على الموضوع و رفضه التعليق، – ولعل إسرائيل تتجنب الإحراج الأمني والسياسي الذي تفرضه العمليات اليمنية من ساحة المساندة البعيدة هذه- إلا أن التقارير الإعلامية الإسرائيلية الأولية الصادرة من مراكز دراسات متخصصة ومعنية -على الأقل- أظهرت حجم الخسائر التي أصابت عصب الاقتصاد الإسرائيلي في مقتل، فإيلات عاصمة السياحة في “إسرائيل” أغلقت تماماً في وجه الحركة السياحية وهي المدينة الساحلية التي كانت تستقبل سنوياً قرابة مليون وسبعمائة سائح، وتدر الملايين على الناتج المحلي للكيان.

فضلاً عن أن مشاهد ضرب أم الرشراش، بالصواريخ والطائرات المسيرة اليمنية يقوض في الصميم الصورة المرتجاة التي تطمح اليها “إسرائيل”، بما في ذلك حركة السياحة الكبيرة التي تحصد منها عائدات كبيرة. لهذا، ولأسباب عديدة، يمكن فهم التكتم شبه الكامل الذي تحيط به “اسرائيل” ما يجري على الجبهة اليمنية القادمة من حيث لم يحتسب الصهاينة ولا يتوقع الأمريكيون.

أمر آخر يتعلق بأكلاف وأعباء حركة النزوح الداخلية، فجُل من تركوا مستوطناتهم في غلاف غزة وشمال فلسطين المحتلة عند الحدود مع لبنان لجأوا إلى جنوب فلسطين المحتلة إلى “إيلات ” تحديداً باعتبارها المناطق الآمنة البعيدة عن الاشتباكات وصواريخ المقاومة لكنهم فجأة وجدوا أنفسهم في دائرة خطر أكبر وأشد وفي مرمى نيران بالستية وطائرات مسيرة، وهو ما نزع الأمن كلياً عن كل شبر داخل كيان الكيان وبات يُشكل هاجساً يؤرق المؤسسة العسكرية الاسرائيلية وعبء كبير يُضاف إلى حكومة العدو المثخنة بالخسائر.

استجابة عالية وذكاء استراتيجي

كان الأمر يقتصر على البالستيات والمسيّرات قبل انعطافة القوات المسلحة اليمنية على جبهة البحر الأحمر، وفي استجابة سريعة لتوجيهات القيادة بما يواكب مستوى العدوان على غزة، فتح اليمنيون جبهة البحر وأغلقوا عملياً الممر المائي في وجه السفن الإسرائيلية، وقد كان لافتاً لمراكز الدراسات والتحليل الشرقية و الغربية اسقاط الدفاعات الجوية اليمنية لطائرة MQ-9 الأمريكية في أجواء المياه الدولية للبحر الأحمر، كبداية للتصعيد وتدشين الجبهة البحرية في وجه “إسرائيل”، أسهبت الدراسات المذكورة في تحليل الخطوة واعتبرتها ذكاء استراتيجي في سياق المواجهة المتدرجة والعازمة على الذهاب إلى أقصى الممكن.

الأمريكي نفسه أدرك الرسالة الذي أبرقها اليمنيون إليه والى “إسرائيل” ومفادها أنه مهما كان حجم ومستوى الحماية الأمريكية لـ”إسرائيل” فإنها لن تُجدي ولن تمنع اليمنيين من الوصول الى المصالح الإسرائيلية في البحر الأحمر، وهو ما رفع عالياً كلفة فاتورة الحرب المتزايدة التي تدفعها “إسرائيل”، ولفهم طبيعة الحركة التجارية من وإلى “إسرائيل” بالأرقام نورد هذا التوضيح المقتبس من مجلة اقتصادية إسرائيلية :

<<عرقلة حركة الملاحة التجارية بين قناة السويس وباب المندب لا تشكل ضغطا على “اسرائيل ” وحدها، اذ تمر من خلال هذا المعبر حوالى 21 ألف سفينة سنوياً تمثل نحو 12% من حركة التجارة العالمية، إلى جانب 6 ملايين برميل من النفط يومياً تعادل 9% من إجمالي كمية النفط المنقول بحريا. 

يربط باب المندب، بهذا المعنى، حركة التجارة بين الشرق الآسيوي وغرب آسيا وأوروبا. وتلعب أم الرشراش (ايلات)، من خلال مينائها المطل على خليج العقبة في أقصى شمال البحر الأحمر، دوراً بارزاً في هذه الحركة التجارية، وفي ربط “اسرائيل” بأسواق الشرق الاسيوي، خصوصا منذ حُوّلت المدينة إلى منطقة تجارة حرة تستفيد من مزايا وإعفاءات الشركات من رسوم الاستيراد عام 1985. وقد تعزز دور هذا الميناء بعد توقيع اتفاق التطبيع مع دولة الإمارات قبل 3 سنوات، عندما تم الاتفاق على نقل شحنات خام النفط الإماراتي إلى أم الرشراش، لنقله عبر خط أنابيب «إيلات – عسقلان»، أي من البحر الأحمر إلى البحر الأبيض المتوسط. 

ولاسرائيل، كما هو معلن، طموحات إقليمية أوسع متعلقة باطلالتها الوحيدة هذه على البحر الأحمر، لتعزيز موقع المدينة ودورها التجاري، بما في ذلك تصورات لـ«السلام» المستقبلي مع المملكة العربية السعودية والربط بالسكك الحديد مع المناطق الداخلية التي تحتلها في فلسطين>>.

خناق الاقتصاد يضيق في وجه “إسرائيل” 

 

آثارُ الهجمات اليمنية على حركة التجارة البحرية لإسرائيل ظهرت من فورها مباشرة من خلال الارتفاع السريع في كلفة النقل، إما بسبب اضطرارها إلى تجنب استخدام البحر الأحمر وباب المندب واللجوء إلى الاستدارة الطويلة حول أفريقيا للوصول إلى آسيا، أو من خلال الاعتماد أحيانا على النقل الجوي الأعلى كلفة، وإما بسبب ارتفاع رسوم شركات التأمين المتعلقة بالسفن الاسرائيلية تحديدا أو التي تنقل بضائع مخصصة لاسرائيل، إضافة إلى زيادة كلفة أجور العاملين على متن السفن، حتى ولو كان تشغيلها يتم من شركات أجنبية

ولتوضيح حجم الخسارة التي يتكبّدها الاقتصاد الإسرائيلي، نورد معلومات بالأرقام عن حركة الاقتصاد الإسرائيلي بين الوارد والصادر :

تقارير البنك الدولي تؤكّد أن حجم تجارة السلع بين “إسرائيل” والعالم يصل إلى 34.6 % من ناتجها المحلي الاجمالي المقدر بـ 522 مليار دولار (صادرات السلع من اسرائيل بلغت عام 2022 نحو 73.8 مليار دولار، أما وارداتها من السلع فبلغت 107.2 مليارات دولار). 

وتعني نسبة الـ 34.6% أن من بينها عشرات مليارات الدولارات من حجم التجارة الاسرائيلية – الآسيوية على الأقل التي ستتأثر مباشرة بنيران الاشتباك الإقليمي في البحر الاحمر.  

وسيضاف انعدام اليقين الإسرائيلي هذا إلى وقائع أخرى، من بينها تراجع المستثمرين عن المخاطرة في إبرام صفقات جديدة، إذ تشير الإحصاءات الرسمية إلى أن هناك تراجعاً حاداً في حجم رأس المال المستثمر بنسبة 70% خلال تشرين الأول – أكتوبر الماضي، من مليار دولار الى نحو 300 مليون دولار فقط.

 

ماذا لو

وتراهن “اسرائيل” في هذه الجبهة على دور إقليمي ودولي يكفيها كلفة المواجهة ظهر هذا من خلال سيل من تصريحات مسؤولين اسرائيليين تذهب إلى أن ما تسميه “تهديدات الحوثيين” لا تقتصر على السفن الاسرائيلية وحسب بل تشمل تهديد الملاحة الدولية وخطوط التجارة البحرية الدولية ،وفي مؤتمر تقييم الوضع على سبيل المثال الذي انعقد قبل اسبوع بمشاركة شركة موانئ إسرائيل (هاني) وهيئة الشحن والموانئ (ريسبان) وممثلي الموانئ رد مسؤول الموانئ الاسرائيلي على سؤال ما إذا كان تهديد “الجيش اليمني” يضر بميناء إيلات ؛ بالقول :
–          “إن تهديد الجيش اليمني يؤثر على جميع السفن، سواء تلك المتجهة إلى البحر الأبيض المتوسط أو إلينا وأضاف المنطقة الخطرة تقع في مصر وباب المندب الذي يقع قبل مفترق الطرق، وهذا يؤثر على جميع السفن القادمة من الشرق الأقصى، من اليابان والهند والصين ويجب عليها أيضًا المرور هناك في الطريق إلى قناة السويس التي تقع عند مفترق الطرق قبل دخول البحر الأحمر.”
في المقابل يجدد المسؤولون في صنعاء التأكيد على أن العمليات تقتصر فقط على السفن الاسرائيلية، وفي إطار مساندة ومناصرة فلسطين في وجه جرائمها الوحشية بحق المدنيين في غزة؛ ويؤكد مسؤولون يمنيون في غير مرّة أن طرق الملاحة البحرية آمنة، وآخرها ما نشره عضو الوفد الوطني عبدالملك العجري وجاء فيه :
“البيانات الصادرة عن القوات المسلحة اليمنية واضحة في أن عملياتها البحرية لا تستهدف إلا السفن الاسرائيلية المعادية ، و أن قواتنا البحرية هي الجهة المخولة بتنفيذ أي عمليات بحرية، ولا تسمح لأي جهة أخرى القيام باي عمليات قرصنة تهدد الملاحة الدولية تحت أي ذريعة سيما في المياه الاقليمية المحاذية لمناطق سيطرة السلطة الوطنية في صنعاء.”

لكن السؤال الذي يشغل بال الصهاينة والأمريكيين وحتى المهتمين هو : ما هي الخطوة التالية التي قد يُقدم عليها اليمن في حال تواصل العدوان الاسرائيلي على غزة؟!
سيما وقد اتسمت خطوات صنعاء حتى الآن بقدر كبير من المفاجأة واللعب خارج توقعات الدوائر الاستخباراتية الأمريكية والغربية عموماً؛ وفي سياق الإجابة عن التساؤل يسأل أحد الخبراء على قناة فضائية عربية: ماذا لو قررت القوات المسلحة اليمنية توسيع الهدف عن طريق منع كافة السفن القادمة والمتوجهة إلى الموانئ الاسرائيلية؟!
وهو سيناريو مرعب وله تداعياته الكبيرة المزلزلة للكيان المؤقت .. كل الاحتمالات واردة وكل الخيارات مطروحة طالما وهي متاحة الإمكانات..قال السيد عبدالملك في خطابه الشهير قبل أسبوع.

الخلاصة هو ما تؤكده تقارير اقتصادية اسرائيلية في معرض تحذيراتها المتكررة أن من المستحيل على الاقتصاد الاسرائيلي تحمل هذه الخسائر المتضاعفة والمتراكمة يوميا، حتى مع الدعم الأمريكي اللامحدود وغير المشروط؛ وهو ما يمثل ضغطا متزايدا وعبئا يصعب التعافي منه حتى بعد الحرب بسنوات وعلى المؤسسة الاسرائيلية التراجع والتأمل للمستقبل المنتظر وتكرر التقارير دعوة حكومة مجرم الحرب نتنياهو الى وقف الحرب على غزة والنزول من شحرة أهدافه مستحيلة التحقق، ولا تخفي هذه الدراسات والاستشارات تفاجأها من جرأة وقوة الاسناد اليمني الأبعد جغرافيا عن “اسرائيل” لكن الأثقل والأبهض من بين كل الجبهات التي تصارعها حكومة المتطرفين الصهاينة، وبسقوف عالية وضمن خيارات مفتوحة الاحتمالات.

*نقلا عن : موقع أنصار الله


في الأحد 03 ديسمبر-كانون الأول 2023 09:09:47 م

تجد هذا المقال في الجبهة الثقافية لمواجهة العدوان وآثاره
http://cfca-ye.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://cfca-ye.com/articles.php?id=11561