الضوء الأخضر للهمجية.!
وديع العبسي
وديع العبسي

التقط الكيان الصهيوني أنفاسه وعاد بقوة لتصفية الشعب الفلسطيني، والنتنياهو وغالانت يطلقان أيدي المستوطنين للقتل والتدمير وإحراق المزارع، ويتضح من ذلك أن زيارة بلينكن لم تكن أكثر من ترتيب ومباركة، خصوصا وأن ما تسرب من لقائه مع رئيس حكومة الاحتلال والقيادة العسكرية إنما كان للتأكيد على حسم الأمر سريعا بحيث لا يكون الأمر مفتوحا لجهة الزمن.
ولا يستثني الإجرام الصهيوني – وفق الرؤية الإسرائيلية – أحداً في الضفة أو القطاع، الضفتان اللتان أقرتهما خديعة أوسلو للشعب الفلسطيني ثم أخذ الكيان بسياسة القضمة ينهش منهما مستوطنات جديدة حتى صار الفلسطينيون يعيشون في مساحات ضيقة يتحكم بها أيضا الكيان.
ولاستمرار كل هذا العمل الوحشي والاستهانة بحقوق الشعب الفلسطيني، جعلت أمريكا وباقي الغرب الدعم الإسرائيلي جزءاً من الموازنة العامة لدولهم فيما الأنظمة العربية، صار القتل والانتهاك اليومي في فلسطين بالنسبة لهم مشاهد مألوفة لم تعد تحرك فيهم أي مشاعر غِيرة من وازع ديني أو عروبي أو إنساني.
معاودة العدوان – في العموم – على غزة وتصعيد جبهة التنكيل بأهالي الضفة ليس مفاجئا، فالكيان وأمريكا جعلا هدفهما الرئيس، السيطرة الكاملة على القطاع، وبعبارة أخرى إعادة احتلاله وإن كان الأمريكي يحاول أحيانا نفي هذا الاستنتاج إلا أنه يعود ويناقضه بتصريحاته حول ما يسميه توحيد الضفة والقطاع تحت قيادة واحدة ترتهن لقرار الكيان ويكون بالإمكان من خلالها تحقيق الطموح الصهيوني الاقتصادي والذي سيكون منه بطبيعة الحال مشروع قناة «بن غوريون»، الرابط بين خليج العقبة والبحر الأبيض المتوسط، بما يعنيه ذلك من تدمير لقناة السويس.
عاود الاحتلال الإسرائيلي عدوانه على غزة، وزاد من القتل والتشريد والتدمير للقطاع، ولا تزال اللجنة المنبثقة من قمة الرياض تجوب البلدان بدعوى تحشيد التأييد لوقف دائم لإطلاق النار، دون حتى أن تكلف نفسها الحديث عن مستقبل القضية الفلسطينية، وقد آن أوان أن ترسو إلى بر السلام وأن يندحر الاحتلال، على الأقل وفق قرارات الأمم المتحدة التي تؤكد أن إسرائيل كيان محتل للأراضي الفلسطينية.
بالتزامن، يستمر معسكر الشر في التأكيد على ما يسميه بحق الكيان في الدفاع عن نفسه، ولتفعيل هذا التحريض لا يكتفي هذا المعسكر – الذي تقوده أمريكا بالدعم المالي والمعنوي – وإنما يذهب الأمر إلى حد قيام البعض بأدوار الناشطين والرد على أي هجوم يمكن أن يتعرض للكيان ولو بكلمة حق، ففي ألمانيا النازية التي لا تزال تعاني ربما من عقدة الذنب تجاه الكيان الصهيوني، سمح مستشارها شولتس بتصنيف حركة «حماس» – وهي رأس حربة المقاومة من أجل الأرض والوطن – بأنها منظمة إرهابية.
العجيب ليس هنا، وإنما في أن ألمانيا في القرن الواحد والعشرين تعطي لنفسها حق تصنيف الآخرين بالطريقة التي تشاء رغم تعارض توصيفاتها مع الواقع، وتنكر على الآخرين القيام بأي شكل من التصنيف، حتى وإن جاء متوافقا مع الواقع.
فتركيا على سبيل المثال – رغم ما فيها من مثالب – حين صنّفت الكيان الصهيوني بأنه محتل للأراضي الفلسطينية فإن ذلك لا يخالف الحقيقة ولا يتجنى على الواقع، مع ذلك ثارت ثائرة ألمانيا ضد هذا الطرح.
مع ذلك لم يشهد تاريخ الصراع العربي الصهيوني وحدة المشاعر الإنسانية لأحرار العالم كالحاصل اليوم، حيث تشهد مختلف الدول بما فيها أمريكا – رأس الفتنة والشيطان الأكبر مسيرات جماهيرية، رافعين الأعلام الفلسطينية ومنادين بالسلام لفلسطين، ومطالبين بإنهاء الاحتلال وقذف الصهاينة إلى المزبلة، وهي أصوات تحدت المنع وتجاوزت التحذيرات ولا تزال تتصاعد مع استمرار العدوان الذي لا يجد له رادع حتى الآن.
ويبدو أن ما يركن عليه العدو الصهيوني في تحاوزه للرفض العالمي، واستمراره في ممارسة الهمجية ضد الشعب الفلسطيني، هو حالة الموات التي تعانيها الأنظمة العربية وبخاصة المطبعة، المعلنة منها وغير المعلنة، والمتمثلة بدول الطوق والدعم.
وفي الإمارات – حيث تزامن مع أول أيام استئناف العدوان – انعقاد مؤتمر عالمي بشأن المناخ، كان من المناسب انتهاز فرصة الجمع لتسجيل مواقف أكيدة لصالح الشعب الذي لا يزال يواجه أعتى عدوان، مع ذلك ظل الصوت العربي غائبا وخجولا، وبدلا عن ذلك، استغل بلينكن الفرصة ليعقد اجتماعه بدول التطبيع من أجل تحديث الالتزام بمواجهة أي صوت أو توجه ضد الكيان حتى الانتهاء من مهمة إنهاء كل مظاهر الحياة في غزة.

*نقلا عن :الثورة نت


في الأحد 03 ديسمبر-كانون الأول 2023 10:46:30 م

تجد هذا المقال في الجبهة الثقافية لمواجهة العدوان وآثاره
http://cfca-ye.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://cfca-ye.com/articles.php?id=11570