|
لا جدال في أن المقاومة في غزة، وعلى رأسها حماس، قد ثبتت في الميدان، لدرجة يصعب مجرد تصور احتمال تفكيكها والقضاء عليها، بحسب الهدف الذي وضعه الإسرائيليون ومن خلفهم واشنطن، لحربهم بعد عملية السابع من أكتوبر/ تشرين الأول.
راهن الأميركيون والإسرائيليون على عمل برّي لتحقيق انتصار واضح لا لبس فيه، لكن مؤشرات "أيام الهدنة السبعة"، وما سبقها من تفاوض غير مباشر، أوضح أن قدرة المقاومة على القيادة والسيطرة لم يتأثر، بل بقيت متماسكة وممسكة بزمام المبادرة الميدانية ضمن خططها الدفاعية.
ما بعد الهدنة، فتح الإسرائيليون بدعم أمريكي مرحلة جديدة في الميدان، وذهبوا نحو توسيع العملية البرية جنوبًا، مغلقين أبواب التفاوض.
عملت المقاومة، بشكل واضح، على استنزاف جيش العدو عبر إغراقه في حرب شوارع، وهو ما يمكن ملاحظته من كمّ الخسائر المادية والبشرية الكبيرة في صفوفه، ما يعني تعطيل أهدافه السياسية الكبيرة التي لا يمكن تطبيق شيء منها، والمقاومة في غزة لم تتضرر سياسيًا أو عسكريًا.
مع تعميق العمل البري، ثمة خلاصات تقول بأنّ هدف "تفكيك حماس" أكثر من صعب، وبالتالي لا بد من سبل أخرى، منها محاولة إنهاء العملية بزخمها الكبير، والانتقال إلى مرحلة أقل زخمًا مع التركيز على الضربات النوعية، مثل استهداف قادة المقاومة في حماس، ومنهم يحيى السنوار، وهو لا يعدّ نصرًا بمعناه السياسي.
مع الجمود الحاصل ميدانيًا لجهة "إسرائيل" وعدم القدرة على تحقيق منجز، وفي ظل توسع العمل الضاغط في جبهات اليمن ولبنان، والخشية من انزلاق الأمور، عاد الحديث عن طرح مبادرات "هدنة" تشمل تبادل أسرى، ويتخللها الحديث عن سبل لوقف النار.
المعضلة في هذا الصدد تكمن بالتسليم ببقاء حماس، وضرورة البحث عن شريك فلسطيني لها. لذلك؛ عاد الحديث أمريكيًا عن حضور للسلطة الفلسطينية، وهو ما تعارضه "تل أبيب"، لأنّ السلطة أخفقت في الضفة فكيف في غزة؟ وهناك حال شعبية لا تعمل لصالح محمود عباس وفريقه في الضفة، فكيف بغزة؟
ممّا لا شكّ فيه أن هناك تبدلًا في الحديث الإسرائيلي - الأمريكي لجهة أهداف الحرب. يمكن استنتاج ذلك من خلال تصريحات إسرائيلية - أمريكية، منها إعلان رئيس الكيان أسحاق هيرتسوغ الاستعداد لعملية تبادل أسرى، والحديث عن الاستعداد لهدنة ضمن مدة زمنية، كذلك التصريحات الأمريكية، منها ما قاله وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن الذي طالب حماس "بتسليم سلاحها؛ فتنتهي الأزمة فورًا"؛ بحسب قوله.
صحيح أن بلينكن رفع السقف، لكنه سلّم من خلاله بصعوبة القضاء على الحركة سياسيًا وشلّ قدراتها العسكرية، وبالتالي هو رفع سقف هدفه من التفاوض، لأن إكمال الحرب سيعني المزيد من الغرق الإسرائيلي، وسيعني المزيد من التعقيدات لوقف النار، لأن الميدان وفي ظل مساره لا يعمل لمصلحة جيش الاحتلال.
وعليه، ثمة مسارات تفاوض قد بدأت، وثمة أهداف صارت صعبة المنال؛ لأن الرياح في الميدان سارت عكس ما اشتهت مسارها السفن الإسرائيلية - الأمريكية.
في المحصلة، يمكن الاستنتاج أن مرحلة من التفاوض غير المباشر قد بدأت، وعناوينها أكبر من عملية تبادل أسرى، إنما البحث في مرحلة ما بعد الحرب، وفي هذه النقطة للمقاومة موقفها وثوابتها وكلمتها، خصوصًا أنها تخطت مرحلة الضغط العسكري الكبير، وسجلت نقاطًا متقدمة تعزّز موقفها وفرض ما تريده على الطاولة.
* نقلا عن :موقع العهد الإخباري
في السبت 23 ديسمبر-كانون الأول 2023 06:44:02 م