|
إصرار الخطاب الإعلامي العربي الغالب على أن فصائل المقاومة في المنطقة العربية أدوات لإيران أو وكلاء لها، محاولة إلى سد ثغرة العجز العربي وتبعيته المُهينة للمشروع الصهيوأمريكي، كما أنه يتسق مع حملة الكيان الصهيوني وأمريكا على إيران، ولكنه في الأساس يستبطن وعيا قاراً في ذهن السلطات العربية مفاده أن فصائل المقاومة يستحقون التعريف بالفناء، ولا يبالي هذا الوعي الأرعن بالقضية الفلسطينية ويتجاهل أخطار هذا الكيان الصهيوني المستقبلية وأطماعه التوسعية التي تفصح عنها سياساته العدوانية المستمرة، وما يريد أن يقوله هذا الوعي زيفاً أن وصفة التطبيع السحرية تقتضي القضاء على إيران والمقاومة وثقافتها أولاً، لكي يغدو بعد ذلك السلام والاستقرار في المنطقة ممكناً، ويعم الرخاء والنعيم على المسلمين والعرب ويستطيعوا تحقيق نهضتهم، وبالتالي الخروج من بؤسهم وشقائهم الراهن.
ويغيب عن هذا العقل الذي يستلذ بالتبعية والارتهان، أن لا نهضة من دون إرادات مستقلة، وأحد شروط صناعة هذه الإرادات الدخول في صراع إرادات مع أعدائك أو منافسيك، أي يكون لديك مضمار منافسة في أقل تقدير، وإذا كان خصمك المقابل عدوا، فإن أول شروط هذه النهضة ترسيخ ثقافة المقاومة بهدف إزاحة عدوك والانتصار عليه والترتيب لمشروعك اللاحق وتعبيد مضمار منافسة يكون حافزاً لك على استنهاض إرادات المجتمع من أجل الدخول في مشروع النهضة المرجوة.
إن النهضة والتقدم الاجتماعي لا يتحققان في ظل تبعية وخنوع وقابلية للاستعمار، إنما بالصراع معه، كما أن النهضة ليست عمرانا ومدنا أسمنتية وأبراجا، وإن كانت مظهرا من مظاهرها، بل قدرة على الاكتفاء والاعتماد على الذات في مختلف متطلبات الحياة الاجتماعية والاقتصادية، ولعل أهمها إمكانية حماية نهضتك الاجتماعية من الأطماع، أي لا يمكن أن تحدث نهضة في دولة، بينما هذه الدولة مازالت تعتمد على غيرها في حماية نفسها من الدول القوية.
إن تدجين الإرادات وتكريسها على الخنوع والخضوع لا يمكن لها أن تكون روافع نهضة البتة، هناك كثير من الدول حققت نهضتها بالصراع مع الاستعمار لا بقبوله، الصين قامت كدولة بحرب تحرير ضد الاحتلالين الياباني أولاً ومن ثم الأمريكي، ولم تقبل بوجودهما، وكذلك جمهورية فيتنام خاضت حربين مع احتلالين الفرنسي ومن ثم الأمريكي، وما تشهده الصين وفيتنام اليوم من نهضة اقتصادية نتاج لثقافة مقاومة الاحتلال التي تحولت لاحقاً إلى إرادات استنهاض.
وعليه فإن أول شروط النهضة في منطقتنا العربية الخلاص من الكيان الصهيوني الغاصب وفك التبعية، ولا يمكن تحقيق ذلك من دون دعم ثقافة المقاومة.
* نقلا عن : لا ميديا
في السبت 23 ديسمبر-كانون الأول 2023 07:40:57 م