بلا عصاً ولا جزرة.. كيف مات “التحالف البحري الأمريكي” قبل ان يولد..!
نصر القريطي
نصر القريطي

في سابقة هي الأولى في تاريخ الامبريالية الامريكية السيئة الذكر فشلت واشنطن في إقامة تحالفٍ دوليٍّ بحريّ في هذه المنطقة الأكثر أهمية من العالم..

الولايات المتحدة التي اعتادت التفرد برسم السياسات الدولية وجر الآخرين لاجنداتها وجدت نفسها هذه المرة عاجزة عن تشكيل تحالفٍ دوليٍّ لإيقاف ما قالت انه تهديدٌ خطرٌ يطال خطوط الملاحة والتجارة العالمية في البحر الأحمر..

لم يسبق ان عجزت واشنطن عن تشكيل هذا النوع من التحالفات التي تصطنع أسبابها وتختبئ خلفها حتى انها نجحت في توريط أوربا في حربٍ غير مدروسة أمام الدب الروسي المتأهب في أوكرانيا..

فشلُ البنتاجون في تشكيل تحالفٍ عسكريٍّ جديد ليس مجرد صدمةٍ لأصحاب اليد الامريكية المجرمة التي تطاولت ولعقودٍ طويلة على هذه المنطقة عسكرياً وسياسياً..

كما انه ليس مجرد عقبةٍ في وجه سياسات الحرب الامريكية المدمرة للدول في ما وراء البحار..

ان عجز الولايات المتحدة عن تشكيل تحالفٍ دوليٍّ أو حتى غربيٍّ صوريّ هو مؤشرٌ على ان زمن “الكاو بوي الأمريكي” قد انحسر ..

قد يرى البعض ان هذه قراءةً انفعاليةً دفعنا للتلويح بها الحماس للانخراط في معركتنا المقدسة مع الامريكان واليهود لكن مجموعة الحقائق الاستراتيجية والجيوسياسية الدولية تؤكد قطعاً أن الامريكان باتوا يشكلون خطراً محورياً على الامن العالمي والاستقرار الدولي..

لا مجال للشك هنا بأن (الفعل اليمني) المرتبط بالتوجه القيادي كان له القول الفصل في هذه المعادلة لكن قبل ذلك يجب ان نستقرأ التحولات في مواقف الدول التي ارادت واشنطن ان تضمها لتحالفها الموءود..

لقد تمكنت الكثير من الدول الحليفة للأمريكان انطلاقاً من مجموعة المتغيرات الدولية التي انتجتها السنوات الأخيرة ان تستقرأ هذه الحقيقة حتى أن أدوات واشنطن التقليدية في منطقة الخليج والدول المشاطئة للبحر الاحمر تجرأت على السير على أضواء هذه الحقيقة..

نجح الامريكان في كل مرةٍ في تشكيل تحالفات دولية دمروا من خلالها العراق مرتين وفعلوا كذلك في أفغانستان وسوريا حتى أن التحالف الذي شكلته السعودية للعدوان على اليمن لم يكن سوى تحالفاً امريكياً تقوده واشنطن وهي من تدير غرف عملياته وتعمل على اطالته وتمديد اسبابه..

لطالما كانت سياسة تشكيل التحالفات منطلقاً لشنّ حروبٍ تدميرية على الدول التي تمردت على المخططات الامريكية لكن واشنطن وجدت نفسها اليوم أمام منعطفٍ تاريخيٍّ لم تحسب له حساباً..

هي المرة الأولى في تاريخ الامبريالية الامريكية التي يفشل فيها البيت الأبيض في تشكيل تحالفٍ متعدد الجنسيات يمرر من خلاله مخططاته الصهيونية والتي عادة ما تتخذ منها الحكومات الامريكية المتعاقبة جبهاتٍ متقدمةٍ للاختباء خلفها من مشاكلها الداخلية..
* * *
ما يزيد في تراجيديا هذا الفشل الأمريكي هو إعلان واشنطن المبكر عن انضمام عدة دولٍ اوربية وشرق أوسطية لهذا التحالف المقيت الذي لم يحصل شيءٌ منه على الأرض بل ان الكثير من حلفاء واشنطن الأوربيين والعرب سارعوا لإنكاره و التبرئ منه..

حتى اولائك الذين انضموا على استحياء لهذا “الحلف الشيطاني” اضروا بسمعة الامريكان اكثر من اعلان الولاء والطاعة لهم..
ما الذي يعنيه ان تشارك دولةٌ مثل هولندا بضابطين اثنين في هذا التحالف في الوقت الذي اكدت فيه انها لن ترسل أي سفنٍ أو بوارج حربية الى البحر الأحمر..

ما الذي يعنيه تظاهر النرويج بأنها حليفٌ دائمٌ للأمريكان فيما رفضت وبشدة ارسال أي دورياتٍ الى المنطقة معلنة مشاركتها بعشرةً ضباط سيعملون مع الامريكان في غرف عملياتهم..

قبل عامين نجحت واشنطن وبخبثٍ في توريط اوروبا وجر معظم دولها للاصطدام المباشر مع الروس في حربٍ ليست حربها لكن ذاك لم ولن يحصل اليوم في البحر الأحمر..

لقد اظهر الموقف الاسباني المتصلب من المشاركة في هذا التحالف ان أوروبا لن تكرر خطيئتها في أوكرانيا ولن تكون جبهةً متقدمةٍ لهروب الامريكان من المواجهة المباشرة مع اعدائهم..

حاولت واشنطن احراج مدريد فأعلنت عن انضمامها لـ”تحالفها البحري الميت” لكن مدريد نفت وبشكلٍ فوريٍّ هذه الكذبة الامريكية الرخيصة واكثر من ذلك استخدم الاسبان حق النقض لمنع دول الاتحاد الأوربي من الانضمام لهذه العملية الامريكية..
* * *
لقد تنوعت مبررات الصحافة الغربية لهذا العجز الأمريكي الذي يمكن وصفه بالظاهرة فتم ربطه احياناً بالشخصية المهزوزة لثعلب البيت الأبيض “العجوز بايدن” كما فعلت ذاك صحيفة “الفانينشال تايمز البريطانية” التي قالت إن استراتيجية الرئيس الامريكي المضطربة حول غزة تظهر الولايات المتحدة وكأنها عاجزة..

فيما فسرت صحفٌ ومراكز أبحاث أمريكية وغربية فشل الولايات المتحدة في تشكيل قوة بحرية مشتركة بأنه مرتبطٌ بالمواقف الدولية المنددة بالانحياز الأمريكي الاجرامي لإسرائيل على حساب الدم الفلسطيني المراق..

ان وصف احدى الصحف الفلسطينية المهاجرة لهذا التحالف الذي تدعو اليه واشنطن في البحر الأحمر بـ”تحالف الراغبين فقط” يؤكد ان لا احد يريد ان ينضم اليه..

الحقيقة ان ما وراء هذا الفشل الأمريكي أعمق من ذلك بكثير فوفقاً لمجلة “نيوز ويك” فإن هذا التحالف سيواجه عقباتٍ كبيرة وسيكون له ثمن باهظ يطال الدول الذي ستغامر بالانضمام اليه ارضاءً للامريكان..

ان الانحياز الأمريكي لإسرائيل في حرب الإبادة الجماعية بحق الفلسطينيين سيكون بمثابة الفاتورة التي ستدفعها واشنطن عن كل جرائمها السابقة بحق شعوب المنطقة وما هذا الفشل والعجز الامريكي في البحر الاحمر الا احد ملامحه المتقدمة..

لقد فشلت واشنطن في الارهاب بالتهديد والوعيد كما فشلت في الاستمالة بالترغيب لحلفها الجديد..

ولكن بالمقابل ايضاً فإن هذا الفشل والعجز الامريكي كان نتاجاً للفعل اليمني الذي ارتبطت فيه النوايا بالاقوال والافعال في البحر الاحمر..

لقد ترددت كل الدول التي طلبت منها واشنطن الانضمام لهذا التحالف الذي لم ولن يرى النور لانها خافت ان تكون هي الهدف القادم للفعل اليمني الحاسم..

ما جاء في خطاب قائد انصار الله وبيانات القوات المسلحة اليمنية تم ترجمته بصورةٍ فعلية في البحر الاحمر وباب المندب وهو ما رصده حلفاء واشنطن الغربيين او في الاقليم وتصرفوا وفقاً لعوامل الحسم فيه..

وفقاً لوكالة رويترز فإن العديد من الدول التي ورد ذكرها في الإعلان الأمريكي سارعت إلى القول إنها ليست متورطة بشكل مباشر في هذا التحالف البحري..

ووفقاً لمصادر الوكالة ذاتها فإن اهم المخاوف لدى تلك الدول هي أن تصبح عرضة لانتقام ‘الحوثيين” في حال المشاركة في هذه القوة البحرية التي تريد امريكا تشكيلها..

بل ان الكثير من السفن والناقلات باتت تعرف عن نفسها بأنها “غير مرتبطةٌ باسرائيل” اثناء مرورها قبالة المياه الاقليمية اليمنية في البحر الاحمر وباب المندب..

تلوح في الأفق مؤشراتٌ كثيرةٌ تفيد بأن ارتدادات العجز الأمريكي عن تشكيل تحالفٍ دوليٍّ يتبنى استراتيجيتها الاجرامية في المنطقة ستفوق بكثيرٍ آثار الزلزال الذي ضرب إسرائيل في السابع من أكتوبر المجيد..

لقد جردت “حرب غزة” الامريكان من كل حلفائهم بما في ذلك ادواتهم الرخيصة في المنطقة وبات حقّاً على كل القوى الصاعدة في العالم ان تنظر للولايات المتحدة على انها “الرجل المريض” الذي يجب ان تتسابق للانقضاض على تركته.

 

* نقلا عن :السياسية 

 
في الأحد 31 ديسمبر-كانون الأول 2023 10:08:43 م

تجد هذا المقال في الجبهة الثقافية لمواجهة العدوان وآثاره
http://cfca-ye.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://cfca-ye.com/articles.php?id=12215