دعوةٌ للتعقل
مجاهد الصريمي
مجاهد الصريمي
طالما حث سيد الثورة (حفظه الله) على تقديم الثقافة القرآنية بصفائها وجاذبيتها وشموليتها وسعة آفاقها، بعيداً عن خط الإفراط والتفريط الذي حكم مسيرة معظم الحركات الإسلامية على طول تاريخنا الحديث والمعاصر، فمعظم هذه الحركات غفلت عن استقراء النص القرآني من خلال فهم الواقع، فكانت آراؤها وتصوراتها في كل مناحي الحياة لا تزيد الإنسان إلا عجزاً وغربةً وضياعا، ثم إنها جعلت من الدين وسيلةً لبلوغ أهدافها الدنيوية، وإحكام قبضتها السلطوية على كل شيء، لذلك نجد الشهيد القائد رضوان الله عليه؛ يؤكد على ضرورة أن يكون العمل أياً كان منطلقاً من منطلق الوعي لمفهوم العبادة لله بمعناها الحيوي والشامل، الذي يعتبر رضا الله هو الهدف من وراء كل الأعمال، وهذا ما يجعل كل التحركات والأفكار والمبادئ والمواقف والتوجهات مضبوطةً بضوابط الرسالة، محكومةً بأحكام الله جل شأنه، حاملةً هم الإنسان، ساعيةً لإصلاحه، وتغيير نمط عيشه ومحيطه، وإعمار الأرض وتشييدها بما ينفع الناس، والمسيرة القرآنية لا تهتم بالشكليات والاستعراضات والدعوات والشعارات الفارغة والجوفاء، وإنما تهتم بالمضامين الرسالية التي من شأنها ترك أثر إيجابي ينعكس على بناء وتطور ونهوض الفرد والمجتمع، ويصنع واقعاً مغايراً لما كان سائداً قبل ظهورها وتمكينها، لذلك نراها تعتبر أي مشروع لا يتحول إلى برنامج عملي؛ مشروعا تخديريا فاشلا، مهما حاول أصحابه تعميم مفاهيمه وأفكاره ومبادئه على المحيط، فالمهم هو التطبيق العملي للمشروع الرسالي، فبه يكتسب المشروع حيويته وخلوده، ومن دونه سيبقى هذا المشروع مهما اتسعت دائرة العلم به، والاستيعاب لكل مقتضياته بين الناس؛ معلقاً بالفضاء، لا يُقدم ولا يؤخر، فوجوده وعدمه سواء بسواء.
صحيحٌ أن الفكر متقدمٌ على العمل، ولكنه لا ينفك عنه، إذ لا قيمة للفكرة في عالم الحقيقة والواقع إلا إذا تم تنفيذها وتطبيقها بشكل دقيق في ساحات وميادين العمل لله وفي سبيله، وبالمستوى الذي يريك أثرها متجلياً على شكل ثورة شاملة، ثورة تحرر الإنسان، وتحقق له حياة كريمة، وتضمن له حقوقه، وتحدد له واجباته، وتبني جسده وعقله ووعيه وإرادته.
جميلٌ أن يتزود مجتمعنا بزاد القرآن، ويتشرب مضامين الهوية الإيمانية من منابعها الأصيلة، ولكن شريطة ألا تظل هذه الهوية مفرغة من الحركية التطبيقية، مكتفيةً بالدوران في دائرة الخطاب والتنظير التبليغي الوعظي، الذي برغم أهميته، لكن أهميته هذه تكمن في كونه محركاً بالأفكار والمفاهيم والقيم والمبادئ إلى ساحات الفعل، ومنتجاً لمشاريع عملية يراها الناس وهي تُطبَق وتُنَفَذ على أرض الواقع، بذلك فقط يلتف الناس حول الرسالة، ويحملون لواءها، ويتحدون تحت رايتها، أما إذا بقي النشاط التبليغي والتثقيفي والوعظي يسير بمعزل عن ساحات الفعل والحركة، وليس له أدنى أثر أو ارتباط بميادين السياسة والاقتصاد والاجتماع وسواها؛ فإنه لن يزيد الناس إلا جهلاً وضعفاً وضياعاً وغربة وشتاتا وفرقة وانعدام وزن. والمرارة الأقسى والأشد على النفس هي حينما نرى معظم المسؤولين والمبلغين لا يلتزمون بأغلب ما يدعون سواهم إليه، ولا يلقون بالاً للمفاهيم والموجهات التي جاء بها مشروعنا، وجرت عليها ثقافة القرآن، إذ يكتفون بسردها في كلماتهم وخطاباتهم، ونقلها حرفياً في حوائطهم وحساباتهم في شبكات التواصل، دون أن نلمسها في ممارساتهم وسلوكياتهم وقراراتهم وعلاقتهم بالمواطن، وهو ما يلتقي مع قوله تعالى: «أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم، وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون» وهذه الآية في غاية الوضوح والصراحة في المقصود من خطابها، والفئة التي تستهدفها، إلى الحد الذي لا يحتاج معه لشرح أو تفصيل، فهل نعقل؟!

* نقلا عن : لا ميديا


في الأحد 04 فبراير-شباط 2024 08:10:29 م

تجد هذا المقال في الجبهة الثقافية لمواجهة العدوان وآثاره
http://cfca-ye.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://cfca-ye.com/articles.php?id=12329