سلسلة روائع الأدب اليمني.."27" الشاعر محمد إبراهيم الرقيحي
حسن المرتضى
حسن المرتضى

سلسلة روائع الأدب اليمني.. (27) الشاعر محمد إبراهيم الرقيحي .. إعداد حسن المرتضى

 مجموعة من روائع الشاعر محمد إبراهيم الرقيحي

(عَلى سَنَن النِّضال) 

إِلى المُقاومةِ الفَلسطينيَّة، "ولا تَهِنُوا في ابتِغاءِ القَوم" ..

أَلا بُورِكَت تِلكَ الأُسودُ الضَّرَاغِمُ    وبُورِكَ شَعبٌ في الهِياجِ مُقَاوِمُ

وبُورِكَ عَزمُ الصَّادِقينَ بِصِدقِهِم    وبالصِّدقِ والإِخلاصِ تَسمُو العَزَائِمُ

تَبارَكَ مَجدٌ صَامِدٌ ومُعَانِدٌ     وعَاشَ كِفاحٌ مُستَفِزٌّ وحَازِمُ

ولَا شُلَّتِ اليُمنَى، وفِي زَندِهَا الرَّدَى    ولَا كَلَّتِ اليُسرَى، وفِيها المَآتِمُ

وأَكرِمْ بِأَغيارٍ مَغاويرَ سُرَّعٍ     إِذا بَرَزُوا كَانُوا وكَانَت مَلَاحِمُ

حَمدتُ لِسانِي أَن يَروحَ ويَغتَدِي     وفِيهِ أَهازيجُ (الفِداءِ) النَّوَاغِمُ

ورَحَّبتُ بِالشِّعرِ الَّذي سَالَ عَندَمًا     زَكِيًّا، وحَيَّيتُ الَّذي لَا يُسَاوِمُ

ومَا الشِّعرُ إِلَّا بَارِقٌ لَاحَ فَاختَفَى     فَلأيًا يُرى حَتَّى يُخيِّلَ وَاهِمُ

وطُوبَى لِقَلبِي أَنَّهُ نَابِضٌ لَكُم      ومَرحَى لِعَينِي والدُّموعُ سَوَاجِمُ

وحَيَّا الإِلهُ الشِّعرَ مِن كَفِّ بَاسِلٍ    أَمامَ قَوافيهِ يُحاوِلُ نَاظِمُ

فَيا فِتيَةَ العَهدِ الجَديدِ تَحِيَّةً      كَرَوضَةِ كَرمٍ إِذ تَصوبُ الغَمَائِمُ

ويَا أَيُّها المُستَنفِرونَ عَلى العِدَا     أَلا لَا عَدَتكُم في العَوادِي العَوَادِمُ

سَلامٌ عَليكُم والجِهادُ قَضِيَّةٌ      بِها دَانَ مَظلومٌ لِيُقهَرَ ظَالِمُ

سَلامٌ عَليكُم والفِداءُ قَصِيدَةٌ     تَخُطُّ نَجيعَ الحَرفِ فِيهَا المَعَاجِمُ

مَعاجِمُ مِن حَسمٍ وبَأسٍ ونَجدَةٍ     لِمُصطَلَحاتِ العِزِّ فِيها تَرَاجِمُ

ويَا أَيُّها المُستَنهِضونَ إِلى الحِمَى    حَمَتكُم يَدُ الأَقدارِ واللهُ عَاصِمُ

لَعَمرِي لَقد جَازَ اليَهودُ وَأَوغَلُوا  فَلا مَبدَأٌ أَو مَذهَبٌ أَو دَعَائِمُ

هُمُ شَرُّ أَهلِ الأَرضِ، لَا الخَيرُ كَامِنٌ     إِذا مَا نَوَوا خَيرًا، ولَا العَقلُ سَالِمُ

أَلا إِنَّ (إِسرائِيلَ) تَسحَبُ حَتفَهَا        كَذاكَ الشَّقَا لِلأَشقِياءِ مُلَازِمُ

أَما إِنَّها لَا تَسحَبُ الحَتفَ عِندَهَا           ولَكنَّها تَبغِي، وذُو البَغيِ نَادِمُ

فَيا بُؤسَ لِلوِردِ الَّذي هِيَ وَارِدٌ            ويَا خُسرَ لِلغُرمِ الَّذي هِيَ غَارِمُ

فَقُلْ لِلأُلى يَستَعبِدُ (العِجلُ) فِكرَهُم           أَفيقُوا، فَما في الدَّهرِ واللهِ نَائِمُ

أَميطُوا لِثامَ الخِزيِ عَنكُم، فَإِنَّهُ         لَأقبَحُ شَيءٍ تَرتَديهِ اللَّوَاثِمُ

وإِنَّ الرِّضا بِالعَارِ أَنكَى طَوِيَّةً     عَلى هَضمِها يَطوِي الأَضالعَ هَاضِمُ

فَهُبُّوا إِلى سُوحِ النِّضالِ وأَمعِنُوا      مُضِيًّا، ولَا يُرهِبْكُمُ المُتَشَائِمُ

ولَا تَهِنُوا، فَاللهُ غَالِبُ أَمرِهِ               ولَا تَركَنُوا، قَد يَخذُلُ العَزمَ صَارِمُ

وسَيرًا عَلى هَديٍ منَ الأَمرِ وَاضِحٍ       ولَا تَخلِبِ الأَلبابَ مِنكُم دَرَاهِمُ

وإِيَّاكُمُ واليَأسَ في أَيِّ مَوقِفٍ         إِذا حُمَّ، إِنَّ اليَأسَ لِلظَّهرِ قَاصِمُ

نَزالِ تَرَوا مِن غَايَةِ المَجدِ رَايَةً     أَمامَ مَعانِيهَا الجُموعُ جَوَاثِمُ

وإِنْ هَالَكُم ما تَنظُرونَ تَذَكَّرُوا  كَمِيًّا سَرِيًّا، والخُطوبُ تُدَاهِمُ

تَرَوا مِن صَبورٍ رَابِطِ الجَأشِ صَولَةً        هِي المَوتُ، بَل مَوجٌ لَهُ مُتَلَاطِمُ

يُلائِمُ بَينَ السَّيفِ والرَّأسِ والرَّدَى        (كَحَيدَرَةٍ) يَومَ (الهَريرِ) يُلَائِمُ

وفِتيانِ صِدقٍ ما تَناسَوا عُهُودَهُم   سَجِيَّةِ وَافِي العَهدِ والعَهدُ قَائِمُ

هُمُ نَسَلَتهُم لِلسَّماحةَ وَالعُلَا           أُصولٌ زَكَت، كَالفَرعِ والأَصلُ (هَاشِمُ)

وهُم أَدرَكَتهُم سُنَّةُ الجُودِ وَالنَّدَى        وهَل تَعرِفُ الأَخلاقَ إِلَّا الأَكَارِمُ

غَذاهُم بِها صِيدٌ كِبارٌ أَطايِبٌ        فَلِلهِ مَاذا أَنجَبَتهُ الفَوَاطِمُ

   جَزى اللهُ خَيرًا مِن بَهالِيلَ صَفوَةٍ

مَسامِيحَ بِالأَرواحِ والشَّرُّ بَاسِمُ

فَأَنتُم سُيوفُ الحَقِّ والسَّيفُ قَاطِعٌ    وأَنتُم دُروعُ الحَقِّ والدِّرعُ سَالِمُ

وفِيكُم لَنا حَامِي الحِمى وَذِمَارِهِ     إِذا عَزَّنا مِن نَبوَةِ السَّيفِ قَائِمُ

ولَا (نَكبَةٌ) إِلَّا وأَنتُم زَعَازِعٌ      ولَا صَفقَةٌ إِلَّا وأَنتُم مَغَارِمُ

ولَا مِحنَةٌ إِلَّا أَتيتُم بِمِنحَةٍ       ولا رازحٌ إلَّا معَ الخُلفِ رَازِمُ

فَلا تَستَسيغُوا العِيَّ فَالدَّهرُ وَاثِبٌ     إِذا لَم يَذُقْ صَدًّا فَسَوفَ يُهَاجِمُ

وجِدُّوا إِذا نَابَت نَوائِبُ جَمَّةٌ         أَخُو الجِدِّ يُبلَى إِذ تَزورُ العَظَائِمُ

خُذُوا عِظَةَ الأَيَّامِ وَهْيَ مَرِيرَةٌ         تَجارِبُها تَعذُبْ وتَحلُ العَلَاقِمُ

ولَا تَسمَعُوا إِلَّا خَبيرًا مُجَرَّبًا         بَصيرًا بِما يَأتيهِ والعَقلُ لَائِمُ

هَبُوا سَنَنَ الإِقدامِ وَعرًا، فَإِنَّمَا         تُراضُ الخَوافِي شِدَّةً، والقَوَادِمُ

بَدارِ إِلى الجُلَّى، نِفارًا إِلَى العُلَى        لَتِلكَ المَعالِي مَجدُكُم والمَعَالِمُ

وأَهلًا بِها مِن كَفِّ أَشوَسَ أَصيَدٍ       تُنازِعُهُ فِيهَا العِدا، وتُخَاصِمُ

بَدارِ إِلى حُرِّ الحَياةِ وَطَلقِهَا       لَقَد آنَ فِيكُم أَن تُحَلَّ التَّمَائِمُ

هُو العَيشُ، إِمَّا وَثبَةٌ وتَوَقُّدٌ    وإِمَّا خُمولٌ بَعدَهُ العُمرُ هَائِمُ

أَلا إِنَّما البُنيانُ صَعبٌ بِنَاؤُهُ      وهَل يَسلَمُ البُنيانُ والبَغيُ هَادِمُ

أَقولُ، وَفي الحَربِ اختِيارٌ مُوَفَّقٌ      إِذا السِّلمُ في بَعضِ الأَحايِينِ آثِمُ

إِذا الحَربُ كَانَت لِلسَّلامِ ضَرُورَةً     فَلا رَأيَ إِلَّا في الصَّواريخِ حَاسِمُ

ولَا بُدَّ أَن يُمنَى الغُزاةُ بِوَقعَةٍ       تُكالُ لَهُم بِالأَلفِ فِيهَا الهَزَائِمُ

ولَا بُدَّ مِن يَومٍ أَغَرَّ مُحَجَّلٍ         يَكونُ بِها نَصرٌ مَدى الدَّهرِ دَائِمُ

نَظارِ، فَيَومُ الخَالِدينَ لِنَاظِرٍ      قَريبٌ، ونَصرُ اللهِ لَا شَكَّ قَادِمُ

أَلا إِنَّ (إِسرائِيلَ) تَركَبُ رَأسِهَا    ومَا هُو إِلَّا أَن تَطيرَ الجَمَاجِمُ

لَقَد جَاءَهَا واللهِ يَومَ ظَلَامِهَا  ولَم يَبقَ إِلَّا أَن تُشيرَ المَظَالِمُ

 

(طُوفانُ الأقصَى) 

قُلْ: إِنَّهُ الطُّوفَانُ يَا طُوفَانُ

يَطغَى، ومَا أَدرَاكَ مَا الطُّغيَانُ

قُلْ: إِنَّهُ الطُّوفَانُ، ثُمَّ انظُرْهُمُ

غَرقَى، وسَاحِلُهُ بِهِم مَلآنُ

غَرقَى، عَلى تِلكَ الضِّفافِ مُجَندَلٌ

وهُناكَ يَسبَحُ في العَميقِ جَبَانُ

مَدٌّ وجَزرٌ، والحُتوفُ رَوَاصِدٌ

مِن فَوقِهِم يَعلُو لَهَا طَيَرَانُ

مَدٌّ وجَزرٌ، والمَنونُ سَوَاحِلٌ

وكَمَا الغُزاةُ تَدينُ سَوفَ تُدَانُ

طُوفانُ (نُوحٍ) ذَاكَ يَجرِفُ سَيلُهُ

أَم تِلكَ ثَاراتٌ بِها ثَوَرَانُ

قُلْ: إِنَّما طَفَحَت غَوائِرُ أُمَّةٍ

تَغلِي، وضَجَّ بِقَلبِها فَوَرَانُ

فتَفَجَّرَت غَضَبًا، وَذا بُركَانُهَا

يَرتَجُّ فِي أَحشَائِهِ بُركَانُ

يَومُ الفِداءِ، ويُومُ عَهدٍ صَادِقٌ

يَومانِ كَم صَهَرَتهُما الأَيمَانُ

وَشَجَتهُما أُمُّ الدِّماءِ بِطُهرِهَا

فَزَكَا، وزَكَّى نُبلَها الشُّجعَانُ

في كُلِّ قَافِلَةٍ وكُلِّ كَتِيبَةٍ

خَبَرٌ، وشَأنُهُما لَدَيهِ شَانُ

عَهدٌ، وقَلبُ قَبائِلٍ مُتَوَحِّدٌ

صُلبٌ، لِنَبضِ زِنادِهِ الخَفَقَانُ

صُلبُ الإِرادَةِ كَاسِحًا متوثِّبًا

رَجَفَت لِهَزَّةِ خَطوِهِ الأَركَانُ

يَومَ الفِداءِ، وأَنتَ خَيرُ قَصِيدَةٍ

صُبِغَت بِحُمرَةِ نَزفِها الأَوطَانُ

مُزِجَت مُروءَةُ ثَائِرٍ بِكَرَامَةٍ

فَتَلاقَحَت، فَنَتاجُها غَيرَانُ

يَا حَبَّذا شِعرُ الحَماسِ وَرَجْزُهُ

إِذ تَفتِكُ الأَنغامُ والأَلحَانُ

إِنَّ القَصيدَةَ لا تَكونُ فَرِيدَةً

إِلَّا إِذا التَحَمَت بِها الأَشجَانُ

ولَرُبَّما كَانَت قَواتِلَ مِثلَمَا

أَودَت (بِأَحمَدَ) غَمرَةٌ وَلِسَانُ

فمَشاعِرُ الفَردِ الكَميِّ وَقَلبُهُ

بِهِما لِيَومِ النَّصرِ ثَمَّ قِرَانُ

كَم بِالغَيورِ منَ العَواطِفِ يَغتَلِي

ويَضيقُ مِن حِمَمِ اللَّظى الحَرَّانُ

سَلْ عَن حُماةِ الدَّارِ حَيثُ قِرَاعُهُم

في كُلِّ مُعتَرَكٍ، يُجِبْكَ بَيَانُ

وعَنِ الدَّمِ القَانِي وصَفحَةِ جَدوَلٍ

بِرُوائهِ تَتَشكَّلُ الأَلوَانُ

وعَنِ الفُداةِ الغُرِّ مِن شُهَدَائِهِ

وهُمُ الفُداةُ الخُلَّصُ الفُرسَانُ

وعَنِ التُّرابِ الثَّرِّ مِن فَلَوَاتِهِ

في يَومِ مَربَعُ عَاشِقٍ (نَعمَانُ)

وعَنِ العَبيرِ وعَن رَوائِحَ لَم تَزَلْ

في عَرفِهِ ضِمنَ التُّرابِ جِنَانُ

سَلْ كُلَّ ذَرَّةِ رَملَةٍ عَن فَديِهَا

وعَنِ الزَّمانِ يُجِبْكَ عَنهُ زَمَانُ

مَأثُورَةً فِيهِ مَلاحِمُ فِتيَةٍ

شَرِبُوا النَّعيمَ بهِ وهُم صِبيَانُ

يَا حَادِيَ الطُّوفَانِ أَغدِقْ بِالرَّدَى

وابثُثْ عَمِيَّكَ، إِنَّهُ فَيَضَانُ

لَا تَرهَبِ الأَخطارَ وَامضِ وَلَا تَكُنْ

مُتَردِّدًا، فَجُنودُهُم عُميَانُ

واصقُلْ منَ الشُّبَّانِ دِرعًا صَامِدًا

إِنَّ البِلادَ تَحُوطُها الشُّبَّانُ

جِيلُ الشَّبابِ الحُرِّ إِن أَعدَدتَهُ

سَيَصونُ عَهدَكَ، والعُهودُ تُصَانُ

رَاهِنْ بِهِم إِنْ خُضتَ في لُجِّيِّةٍ

إِنَّ الرِّهانَ بِهِم لَنِعمَ رِهَانُ

إِنَّ الشَّبابَ كَتائِبٌ خَرسَاءُ كَم

خَرِسَت بِوَجهِ جُنودِها الأَقرَانُ

فَهُمُ إِذا الغَمَراتُ مَاجَت مَوجَةً

صُعِقَت لِحَرِّ جِلادِهِم أَكوَانُ

وهُمُ إِذا هَبُّوا لِدَاعِيَةِ الفِدَا

رَجَفَت لَدى أَفوَاجِها التِّيجَانُ

جِيلُ الشَّبابِ إِذا تَسلَّحَ مُؤمِنًا

فَأَكُفُّهُ لَكَ صَعدَةٌ وَسِنَانُ

يَا قَادَةَ التَّحريرِ تَحمِلُ مِشعَلًا

لِلنَّصرِ في جَذَواتِها لَمَعَانُ

حَمَلُوا عَلى الكَفِّ الجَماجِمَ فِديَةً

والقَصفُ نَحوَهُمُ لَهُ جَرَيَانُ

وتَقَحَّمُوا أَهوَالَ مَذئَبَةٍ بِهَا

والخَوفُ حَيثُ يُغامِرونَ أَمَانُ

للهِ جُرأَتُكُم، وللهِ السُّرَى

والمَوتُ ما رَقَأَت لَهُ أَجفَانُ

شُدُّوا السَّواعِدَ واضرَبُوا فِي مَقتَلٍ

لا طِبَّ يُبرِؤُهُ وَلا جُبرَانُ

وتَصَيَّدُوا خِصبَ الثُّغورِ، وأَثخِنُوا

بِهِمُ المَجازِرَ، فُالرَّدى ظَمآنُ

وتَدَفَّقُوا زُمَرًا إِلى عَرَصَاتِهَا

يَنزِلْ بِهِم رُعبٌ، ويَطغَ هَوَانُ

لَا تَبقَ بَاقِيَةٌ لَهُم بِفُلُولِهَا

إِنَّ الفُلولَ بِها يُعادُ كَيَانُ

حُثُّوا الرَّصاصَ، ولَا يُغادِرْ طَائِشًا

مَا طَاشَ سَهمٌ عُودُهُ مِرنَانُ

تَاللهِ ما اغتَنَمَ الخَديعَةَ مِثلُ مَن

كَانَت لَهُم بُكَرُ الصَّباحِ وَكَانُوا

سِيرُوا عَلى سَنَنِ النِّضالِ جَمَاعَةً

لا الخُلفُ مَزَّقَها وَلا الأَعوَانُ

وتَحَضَّنُوا الأَلَمَ المُمِضَّ مَرَارَةً

يَعذُبْ، وتَحلُ لَكُم بهِ الأَحضَانُ

شِيمُوا بُروقَ تَصَبُّرٍ وَتَجَلُّدٍ

واستَمطِرُوا يُمطِرْكُمُ الرَّحمَنُ

فمِنَ البَوارِقَ خُلَّبٌ، لَا صَحوُهَا

صَحوٌ، ولَا هَتَّانُها هَتَّانُ

لَا تَفتِنَنَّكُمُ المَصالِحُ غِرَّةً

أَهلُ المَصالِحِ أَمرُهُم خَزيَانُ

وكِلُوا إِلى التَّدبِيرِ خُطَّةَ نَاهِضٍ

لَا يَعرُكُم أَسَفٌ ولَا خُذلَانُ

وتَدارَسُوا القُرآنَ، إِنَّ دُرُوسَهُ

لَهِدايَةٌ وبَصيرَةٌ وَضَمَانُ

وثِقُوا بِأَنَّ يَدَ الغُيوبِ تَمُدُّكُم

ولَها ضِرابٌ بَاسِلٌ وَطِعَانُ

هَا أَنتُمُ تَجنُونَ حُلوَ قِطَافِهَا

طَابَ الجَنِيُّ، وطَابَ ذَا البُستَانُ

بُشرَى، فَقَد مَخَضَت نَتاجًا مُثمِرًا

سَمَقَت بهِ الأَعوادُ والأَغصَانُ

أَمَّا الصُّمودُ فَأَنتُمُ آبَاؤُهُ

لَو كَانَ يُنسَبُ نَحوَهُ الإِنسَانُ

أَمَّا الجِهادُ حَياتُكُم وَمَمَاتُكُم

فَبِهِ يَعِزُّ مُجاهِدٌ، وَيُهَانُ

يَا حَبَّذا حَربٌ تُثارُ، وَغَارَةٌ

كُبرَى، وجَيشٌ كَاسِرٌ وَلِجَانُ

يَا حَبَّذا رِتلٌ يَموجُ بِآخَرٍ

وعُبابُهُ يَطفُو بهِ الغَثَيَانُ

وكَأَنَّ (عِزرَائِيلَ) وَهْوَ مُوَكَّلٌ

بِهِمُ فَمٌ مُتَضَوِّرٌ جَوعَانُ

والمَوجُ يَلتَقِمُ (اليَهودَ) كَمِينُهُ

وبِمَن تَمَكَّنُ تَغرَقُ الشُّطآنُ

ومُقاوِمٍ جَعَلَ الشَّهادَةَ مَدرَجًا

لِكَرامَةٍ، وبِهِ احتَفى رِضوَانُ

رَاضَ الشَّبابَ نَعيمَهُ ونَضِيرَهُ

فَإِذا لِذَينِكَ جَامِحٌ وَعِنَانُ

ما كَانَ يَستَهوِيهِ غُصنٌ أَملَدٌ

كَلَّا ولَا ظَفَرَت بهِ غِزلَانُ

لَا نَظرَةٌ هَمَّت وهَمَّ بِها ولَا

ظَبيٌ يَتيهُ بِقَدِّهِ سَكرَانُ

لَم يُثنِهِ وَجدُ الصَّبابَةِ وَالصِّبَا

فَلَوَى الجِماحَ، وإِنَّهُ نَشوَانُ

وثَنَا الرِّكابَ إِلى البَقاءِ تَنَزُّهًا

عَمَّا يُقاسُ بِمِثلِهِ الحَيَوَانُ

إِنِّي أَقولُ، وَفي الكَلامِ مَسَالِكٌ

كُثرٌ تَشَعَّبُ، مَا لَها عُنوَانُ

خَلُّوا الحَوادِثَ مَا تُريدُ وَشَأنَهَا

إِنَّ الحَوادِثَ أَصلُها الحَدَثَانُ

ودَعُوا لَها التَّصعِيدَ يَأخُذُ حَقَّهُ

فلَقَد تَفحَّصَ أَهلَهُ المَيدَانُ

فلَرُبَّما كَانَت ذَريعَةَ كَيِّسٍ

بِنُشوبِها يَتَزلزَلُ الشَّيطَانُ

ولَرُبَّما كَانَت مَخاضَ تَحَرُّرٍ

بِشَرارِهِ تَتَشكَّلُ البُلدَانُ

ففَصائِلُ (القَسَّامِ) ذَلقٌ حَدُّهَا

ولَسَوفِ تَنهَشُ مِنهُمُ الأَسنَانُ

(وحَماسٌ) الأُخرَى سَتَنسِفُ مَا تَرَى

بِقَنابِلٍ فِيها الهَلاكُ عِيَانُ

هذَا، (وحِزبُ اللهِ) ثَمَّةَ نَاظِرٌ

وهُناكَ (سَيِّدُهُ) الفَتى اليَقظَانُ

(والمِحوَرُ) الوَثَّابُ يَنفِرُ أُهبَةً

بَغدَادُ أَو صَنعاءُ أَو طَهرَانُ

ومَدارُهُ القُدسُ الشَّريفُ يَحُفُّهُ

مِن كُلِّ نَجمٍ سَاطِعٍ دَوَرَانُ

هُنَّ الكَواكِبُ إِذ تَدورُ، (وَغَزَّةٌ)

كَالشَّمسِ وَهْيَ بِحُسنِها تَزدَانُ

يَا أَيُّها الأَحرارُ صَفحًا مِنكُمُ

أَن فَاضَ شِعرًا قَلبِيَ الأَسيَانُ

حَيَّيتُكُم بِالشِّعرِ وَهْوَ مَعَاذِرٌ

إِن تَعذُرُوهُ فَإِنَّهُ جَذلَانُ

لَيتَ المَشاعِرَ في يَدِي لِأَصُوغَهَا

ويَتيمُ جَوهَرِها لَكُم عُقيَانُ

أَمَّا اللِّسانُ فقَد كَبَا ونَبَا بِهِ

حَصَرٌ، وزَمَّ شِفاهَهُ الكِتمَانُ

هُبُّوا نَفيرًا لِلفِداءِ كَمُغرَمٍ

واستَنفِرُوا، يَنصُرْكُمُ الإِيمَانُ

ما حُلمُ (إِسرَائِيلَ) إِلَّا بُرهَةٌ

وَمَضَت، وعَهدُكُمُ لِذا بُرهَانُ

ولَقَد تَقضَّى عُمرُها وَشَبَابُهَا

وأَتَى لَكُم زَمَنٌ، وآنَ أَوَانُ

 

( مَعركةُ النَّفير)

بَعد أُسبوعَين من النَّفير، والتَّضحِيات الغُرِّ..

إِلى الأريَحيَّة العربيَّة، مِن هِمم الشَّباب، وجِيل الفِداء.

بِمِثلِها هِمَّةً تُستَنفَرُ الهِمَمُ

ومِثلِها في المَعالِي يُحمَدُ الكَرَمُ

ومِثلِها هِمَّةً قَعسَاءَ بَاذِخَةً

شَمَّاءَ مُرهَفَةَ الإِحسَاسِ يُنتَقَمُ

حُثُّوا العَزائِمَ، لا يَقعُدْ بِكُم خَوَرٌ

وامضُوا، فغَايُكُمُ مِن سَعيِكُم أَمَمُ

إِنَّ الفُداةَ وإِن شَحَّت مَوارِدُهَا

لَتَستَهِلُّ إِلى الجُلَّى وتَبتَسِمُ

استَحضِرُوا سِيَرَ (الأَبطالِ) وادَّكِرُوا

ثُمَّ استَميتُوا هُجومًا كُلَّما هَجَمُوا

ثِبُوا، وَلا تَرهَبُوا الأَقدارَ غَالِبَةً

وأَعرِضُوا عَن نَصيحٍ طِبُّهُ سَقَمُ

حُلمُ الكِيانِ خُرافَاتٌ وأَخيِلَةٌ

إِنَّ اليَهودُ لَتَدرِي أَنَّهُ حُلُمُ

ووَاقِعُ الشَّرِّ مَهزُوزٌ ومُرتَعِبٌ

ووَاقِعُ الخَيرِ مَلمُومٌ ومُلتَئِمُ

لا تَترُكُوا لِعَدُوِّ اللهِ مُدَّخَلًا

فَإِنَّما مِنهُ إِن أَدرَكتُمُ الكِلَمُ

مَوجُ النَّوائِبِ في يَومٍ يُهَيِّجُهَا

لا يَستَجِمُّ، وهَذا سَيلُهُ العَرِمُ

لَم يَبقَ لِلغَزوِ مِيعادٌ ولَا زَمَنٌ

مَا إِن لَهُم بَعدُ إِلَّا المَوتُ والعَدَمُ

تَقهقَرَ الشِّركُ وارتَجَّت مَزاعِمُهُ

حَتَّى تَجلَّى عِيانًا كُلُّ ما زَعَمُوا

لَقَد دَنا الوَعدُ، والأُخرَى وَمَوعِدُهَا

واللهُ أَوفَى إِذا مِنهُ انبَرى القَسَمُ

بَادَت عُهودٌ، ودَقَّت سَاعَةٌ حَسَمَت

وكُلُّ شَيءٍ بِيَومِ الوَعدِ مُنحَسِمُ

وهَذِهِ صَحوَةُ الدُّنيَا وهَبَّتُهَا

وسَوفَ تُردِي أَعَادِيها وتَقتَحِمُ

وسَوفَ تَجرِفُ (بِالطُّوفانِ) قَالِعَةً

جُذورَ مَن أَفسَدُوا فِيها ومَن حَكَمُوا

جِيلُ الفِداءِ -وأَيمُ اللهِ- ذُو حَرَدٍ

وسَوفَ تُبرِدُهُ مِن بَأسِهِ الحِمَمُ

هُمُ الكَواسِرُ، آسادُ الشَّرى زَأَرُوا

وَفي صُدورِهُمُ الأَحزانُ تَضطَرِمُ

الوَاقِفونَ وُقوفَ السَّدِّ مُمتَنِعًا

ما ازَّلزَلَت لَهُمُ أَرضٌ وَلا قَدَمُ

والعَاصِفونَ عَصوفَ الرِّيحِ في لَجِبٍ

كَأَنَّ مَوجَ البَلايَا فِيهِ يَلتَطِمُ

والحَاضِنونَ صُروفَ الدَّهرِ غَادِرَةً

كَأَنَّ حَاضِنَهَا بِالخَطبِ يَلتَحِمُ

والوَاهِبونَ لَدى اللَّأواءِ أَنفُسَهُم

والمُرخِصونَ إِذا ما اشتَدَّتِ الأُزَمُ

والذَّاهِبونَ لِيَومِ المَوتِ مِن شَغَفٍ

كَأَنَّهُ مَورِدٌ بِالنَّاسِ يَزدَحِمُ

والنَّاهِبونَ (كَعِزرائِيلَ) مَن قَتَلُوا

كَأَنَّما هُم وُحوشٌ حِينَ تَلتَهِمُ

والشَّاعِرونَ بِلا وَزنٍ وقَافِيَةٍ

نَبضُ البَلاغَةِ قَلبٌ، والقَصيدُ فَمُ

والنَّاثِرونَ عَلى أَوطانِهِم مُهَجًا

مِعطاءَةً، مِلؤُهُنَّ العِزُّ والشَّمَمُ

والنَّاذِرونَ لَها الأَنفاسَ أُضحِيَةً

والنَّاحِرونَ نِعاجَ الكُفرِ كُلَّهُمُ

إِيهٍ شَبابَ فِلَسطِينٍ وغُرَّتَهَا

يا أُمَّةً صُعِقَت مِن بَأسِها الأُمَمُ

يا قَادَةَ النَّصرِ، مِن كَهلٍ ومِن حَدَثٍ

ويا حُداةَ الرَّدى لِلغَزوِ يَستَلِمُ

ويَا شَبابَ المَعالِي، لا كَبا لَكُمُ

زَندٌ، وَلا نَالَ مِن عَليائِكُم قَزَمُ

أَتَتكُمُ نِعَمٌ شَتَّى بِأَرجُلِهَا

لَم تَأتِ قَبلَكُمُ أَمثالَها نِعَمُ

رَوضُ الخُلودِ، وجَنَّاتٌ مُمَرَّدَةٌ

لَكُم تُعدُّ، وضِعفُ الخَيرِ يُغتَنَمُ

عَلى اسمِ رَبِّكُمُ سِيرُوا وَلا تَهِنُوا

لا ثَلَّ مَجدَكُمُ زَيفٌ وَلا هَرَمُ

دُكُّوا المَعاقِلَ، لا طَاشَت رُماتُكُمُ

فُلُّوا المَعاوِلَ، لا تَهدِمْ بِناءَكُمُ

وانضُوا الخُمولَ، وَلا يَعلَقْ بِهِمَّتِكُم

وثَلِّمُوا كُلَّ حَدٍّ لَيسَ يَنثَلِمُ

واستَأصِلُوا وَرَمًا في عِرقِهِ خَبَثٌ

فبِئسَتِ المُعرِقاتُ الخُبثُ والوَرَمُ

وأَغرِقُوا تَجِدُوا (الطُّوفانَ) طَافَ بِهِم

كَأَنَّما حَالَ ذَاكَ المَوجُ بَينَهُمُ

لا عَهدَ يَمنَعُكُم عَنهُم وَلا ذِمَمُ

وهَل يَنالُ عُهودَ اللهِ مَن ظَلَمُوا

هذِي دِماؤُكُمُ أَعلاقُها عَطِرٌ

يَفوحُ في عَرفِها التَّاريخُ والقِيَمُ

وتُربُكُم وهْو زَاكٍ بِالنَّجيعِ وَمَا

سَقَيتُمُ خَضِلٌ تَروَى بهِ الرِّمَمُ

ومُدَّعِينَ انتِسابًا نَحوَ ذِي سَلَمٍ

لا كَانَ ذُو سَلَمٍ مِنهُم وَلا السَّلَمُ

وبَائِعينَ قَضايَاهُم كَزانِيَةٍ

تَعُفُّ وَهْيَ بَغيٌّ عَارُها يَصِمُ

وخَاطِبينَ مَودَّاتٍ مُغلَّفَةً

بِسُمِّ شَهدٍ، وكَم يُحشَى بِها الدَّسَمُ

وخَائِنينَ، وفِي إِخوانِهِم وَجَعٌ

كَأَنَّما لَيسَ فِيهِم قَد هُرِيقَ دَمُ

ومُؤلَمينَ كَمَحمومٍ عَليهِ، وَمَا

يُمزِّقُ القَلبَ إِلَّا ذَلكَ الأَلَمُ

قَالُوا: العُروبَةُ فِيمَا بَينَكُم رَحِمٌ

فَقُلتُ: لا كَانتِ القُربَى وَلا الرَّحِمُ

إِنَّ المُروءَةَ والإِسلامَ ضَائِعَةٌ

وقَد تَكالَبَتِ الأَعرابُ والعَجَمُ

مَا الجَاهِليَّةُ؟ قَد وَلَّت وفِطرَتُهَا

وهَذِهِ جَاهِليَّاتٌ بِهِنَّ عَمُوا

غَدرٌ، وإِبرامُ أَحلافٍ، وسَفسَطَةٌ

ودَيدَنُ السَّفسَطاتِ الغَدرُ والبَرَمُ

ومُشتَفًى بِالضَّحايَا الغُرِّ مُحتَقِنٍ

كَأَنَّهُ يَومُ حَشرٍ ذَلكَ الزَّخَمُ

شَتائِتٌ، كُلُّ صَوبٍ ثَمَّ مُجتَمِعٌ

كَما تَعانَقَتِ الأَغصانُ والأَجَمُ

بِكُلِّ مُلتَهِبٍ قَلبًا، ومُحتَرِبٍ

غَيظًا، ومُنفَطِرٍ في صَدرِهِ ضَرَمُ

تُعطَى لِجَازِرِهَا كَفٌّ ومِقصَلَةٌ

وقِيلَ: شَأنَكَ، هَذا اللَّحمُ والوَضَمُ

قَصفٌ يُجَنُّ، وحَربٌ تَغتَلِي شَرَرًا

ومَصرَعٌ لِلشَّهيدِ الحُرِّ مُحتَرَمُ

لَو كَانَ شَاهِدَهَا (جِبريلُ) جُنَّ بِهَا

فَكيفَ يُبصِرُ هذَا الظَّالِمُ الأَثِمُ

إِذًا لَصَاحَت بهِ الأَشلاءُ صَامِتَةً

لا بَارَكَ اللهُ فِيمَن لِلعِدا خَدَمُوا

وأَنتَ يا سيِّدَ الأَحرارِ يا (حَسَنًا)

بهِ المَكارِمُ والإِحسانُ تَعتَصِمُ

يابنَ الحَماسَةِ والإِسلامِ هَادِيَةً

لكَ الطَّريقَ مُناراتٍ بِها الغُمَمُ

يا أَيُّها الأَسَدُ المِغوارُ إِن صُدِمَت

بهِ الجُموعُ فَبِالأَهوالِ تَصطَدِمُ

صَوِّبْ زِنادَكَ، وانصُرْهَا مُقاوَمَةً

بِمِثلِ مَسعاكَ تَستَهدِي وتَلتَزِمُ

وانشُرْ معَ الصِّيدِ مِن أَحرارِ أُمَّتِنَا

كَتائِبًا بَعدَهَا الأَعداءُ تَنهَزِمُ

دَعِ المَعارِكَ تَأخُذْ مِن جِنايَتِهَا

لا عَتبَ بَعدُ عَلى جَانٍ وَلا جَرَمُ

إِنِّي أَرى بَارِقَ الآمالِ يَخلِبُنَا

فَهل يَصوبُ كَذوبٌ وهْو مُنقَسِمُ

هَبْهَا سَحائِبَ مِن جَونٍ مُلَبَّدَةً

أَتَستَهِلُّ بِمُزنٍ تِلكُمُ الدِّيَمُ

ما لِي ولِلأُمَّةِ الشَّاكِي بِها جَزَعًا

وزَادُها الشَّجبُ والتَّنديدُ وَالكَلِمُ

قُلْ لِلأُلى حَمَلُوا أَطفالَهُم مِزَقًا

مُجندَلينَ، وكُلٌّ قَلبُهُ شَبِمُ

لا يَغلِبَنَّ عَليكُم مَدمَعٌ سَجِمُ

فأَنتُمُ مِثلَ جَيشِ الثَّأرِ مُحتَدِمُ

ومَا القُلوبُ أَبِيَّاتٍ سِوى غَضَبٍ

كَم يَستَميتُ إِلى هَولٍ ويَنسَجِمُ

ومَا الشُّعوبُ أُباةُ الضَّيمِ ثَائِرَةٌ

إِلَّا تَغارُ لِمَرآكُم، وتُختَرَمُ

وسَوفَ تُلحِقُ (إِسرائِيلَ) مَلحَمَةً

نَكراءَ، أَخلاقُها حَمراءُ والشِّيَمُ

وسَوفَ تَنزِلُ فِيهِم وهْي هَاوِيَةٌ

بِكُلِّ مَن بَطَشُوا ظُلمًا ومَن حَرَمُوا

نَاشدتُكَ اللهَ والأَجسادُ جَندَلَهَا

حِقدٌ جَديدٌ إِليهِ يُنسَبُ القِدَمُ

إِنْ كانَ في صَمتِهِ الإِنسانُ مُتَّهَمًا

فَالخَلقُ -واللهِ كُلُّ الخَلقِ- مُتَّهَمُ

وأَنتُمُ يا مُلوكَ العُربِ قَاطِبَةً

بَل يا عُلوجُ، أَلا تَدرُونَ وَيحَكُمُ

مِن كُلِّ وَغدٍ صَفيقِ الوَجهِ مُرتَزَقٍ

وأَكلُبٍ حَشوُهُنَّ الذُّلُّ والرَّغَمُ

أَيُقتَلُونَ وأَنتُم عَاكِفونَ عَلَى

عِجلٍ، ومُنتَظِرٌ مِن بَعدِهِ صَنَمُ

هذِي (فِلَسطِينُ) في مَرأًى ومُستَمَعٍ

مَذابِحٌ شَاخِصاتٌ حِينَ تَرتَسِمُ

أَعِندَكُم خَبَرٌ عَمَّا يَحُلُّ بِهَا

أمِ العَمى فِيكُمُ قَد حَلَّ والصَّمَمُ

وذِي مُقاوَمَةٌ تَرجُو لَها سَندًا

حتَّامَ ذَا مِنكُمُ الإِعراضُ والسَّأَمُ

يا لَلرِّجالِ أَلا غَيرانُ يَعضُدُهُم

أَيُهضَمونَ، وأَمرُ الدِّينِ يُهتَضَمُ

أَيُستَباحُ بِرَأيٍ مِنكُمُ حَرَمٌ

ومَا استُبيحَت قَديمًا أَشهُرٌ حُرُمُ

أَتَصمُتونَ، (وبِنتُ العُهرِ) تَقصِفُهُم

عَفوًا، فَأَنتُم لَديهَا التَّاجِرُ النَّهِمُ

همُ اليَهودُ، وهُم مَن تَعلَمونَ وَهُم

أَهلُ الجَرائِمِ في البُلدانِ والنُّظُمُ

هَل تُدرِكُونَ إِذًا خِزيًا يَحيقُ بِكُم

فالعَارُ يَعرِفُهُ الأَذنابُ، والنَّدَمُ

استَقبِلُوا ضَعَةً مِن كَفِّ شَيخِكِمُ

ووَيلَكُم مِن غَدٍ دَانٍ ووَيلَهُمُ

أَخزاكُمُ اللهُ إِن تَرضَوهُ، إِنَّكُمُ

لا تَسلَمُونَ إِذا هُم بَعدَها سَلِمُوا

 

( مَمالكُ الهَشيم)

لَم يَبقَ لِلحِلفِ لا رُوحٌ ولا ذَاتُ

أَهوِنْ بنَعشٍ عَلى أَهليهِ يَقتَاتُ

هذا هُو الرَّمَقُ البَاقِي يُنازَعُهُ

إِنَّ الحَضاراتِ جَاءَتها احتِضارَاتُ

ولَّى الشَّبابُ سَريعًا، وانقَضى وَطَرٌ

وجَفَّ ضِرعُ الغَوى، والدَّرُّ والشَّاةُ

شَبيبَةٌ، وَدَّعَت سَبعًا وثَامِنَةً

بِلا وَداعٍ، كمَيتٍ أَهلُهُ مَاتُوا

كأَنَّ أَنفاسَهُ، والمَوتُ مُقتَبِلٌ

مَصائِبٌ ضُوعِفَت فِيها الإِصابَاتُ

أَمَّا العَتادُ، فأَجنادٌ وأَلوِيَةٌ

شَتَّى وأَمَّا الهَوى فالجُندُ أَشتَاتُ

كَتائِبٌ مِن غُثاءِ العَالَمِ اجتَمَعَت

تَصطَفُّ (صُهيونُ) فِيها (والوِلايَاتُ)

جَيشٌ مِنَ العُهرِ والأَقذارِ مُحتَشِدٌ

قَفرٌ مِنَ القَشِّ والأَوراقِ مَومَاةُ

مَمالِكٌ مِن هَشيمٍ، كُلُّها سَفَهٌ

إِنَّ السَّفاسِفَ تَأتِيها السَّفاهَاتُ

زُفَّ (الأَميرُ) بِلا عَقدٍ (لبَاغِيَةٍ)

شَمطاءَ، شَاخَت ولَمَّا تَمضِ سَاعَاتُ

مَاذا يُريدُ، ومَاذا يَستَزيدُ، أَلَم

تَعقِلْ جُموحَ تَصابِيهَا العِقالَاتُ

يُريدُها وَيحَهُ حَربًا ومَفسَدَةً

ولِلحُروبِ قَوانِينٌ وعَادَاتُ

ولِلحُروبِ شُؤونٌ خَوضُها جَلَلٌ

ولِلرِّجالِ شُجونٌ واندِفاعَاتُ

يَظُنُّها سَاعَةً والأَمرُ مُنبَلِجٌ

والظَّنُّ أَوَّلُ ما تَأتِي الحَماقَاتُ

وجَاءَ يَحفِرُها قَبرًا، فعَادَ لَهُ

والحَربُ بَغيٌ، وأَهلُ البَغيِ أَموَاتُ

وَيلُمِّهِ تَارِكًا (قُدسًا) (وأَندَلُسًا)

يَأتِي ويَنشُدُ مِيرَاثًا لِمَن فَاتُوا

هُبِلتَ مِن خَابِطٍ عَشواءَ مُحتَلِمٍ

قَامَت عَلى مُلكِهِ مِنها قِيامَاتُ

يَا خَيَّبَ اللهُ أَمرًا أَنتَ طَالِبُهُ

لَقَد تَكَبَّرتَ والدُّنيَا مُعانَاةُ

لَقَد تَلاشَت بِما تَرجُو وقَد كَسَدَت

بَضائِعٌ لَكَ في التَّاريخِ مُزجَاةُ

يَابنَ الخَرابِ، وقَد شِيدَت بِلا عَمَدٍ

عَلى شَفا جُرُفٍ هَارٍ أَساسَاتُ

هَلَّا سَأَلتَ عُلوجَ الغَربِ عَن أُمَمٍ

ضَيَّعتَها، وَهَلِ الأَقوامُ أَقوَاتُ

(وصَفقَةٍ) -غَبُنَت- بَاركتَ بَيعَتَهَا

لَاهُمَّ لا رَبِحَت تِلكَ الخَسارَاتُ

لَمَّا دَنا الجَيشُ قَالَ الجِنُّ يَا لَهُمُ

إِلى المَنايَا لَهُم سَيرٌ وغَايَاتُ

وَاهًا لَهُم، قُتِلُوا مِن قَبلِ أَن رَحَلُوا

وحَيثُما نَزَلُوا لِلمَوتِ مِيقَاتُ

بُعدًا لَهُ سَفَرًا مُستَنفِدًا عُمُرًا

أَودَى بِهِم حُفَرًا فِيها انزِلاقَاتُ

تَدنُو المَصارِعُ مِن رَاءٍ بِرُؤيَتِهَا

هَيهاتَ تَنفَعُ بَعدَ اليَومِ "هَيهَاتُ"

ومَن تَكُنْ نَفسُهُ في الحَقِّ حَائِرَةً

فلَيسَ يُجدِيهِ إِيمَانٌ وإِخبَاتُ

تَضَرَّعُوا ثَكِلَتكُم كُلُّ ضَارِعَةٍ

منَ الذُّهولِ، وآبَاءٌ ورَبَّاتُ

هَذِي مَقابِرُكُم يَا قَومِ فَالتَحِدُوا

فمَا لَكُم بَعدَ هَذا الزَّحفِ مَنجَاةُ

أَئِمَّةُ النَّارِ قَادَتكُم لِمَحرَقَةٍ

بِئسَ القِيادَةُ فِيكُم والقِيادَاتُ

يَا قَادَةَ البَغيِ مَهلًا، لا أَبا لَكُمُ

أَخزاكُمُ اللهُ، إِنَّ البَغيَ مَأسَاةُ

لَقد أَعاضَكُمُ ذُلًّا، ولا خَجَلٌ

أَفي السِّياسَاتِ ما تَهوَى الكَرامَاتُ

أَهوِنْ بحَربٍ، قَدَحتُم زَندَ فِتنَتِهَا

ضِرامُها عِندَكُم نَحسٌ ووَيلَاتُ

القَصفُ فَوقَ رُؤوسِ النَّاسِ مُشتَعِلٌ

وفِي قِلوبِكُمُ قَصفٌ وغَارَاتُ

حَسِبتُمُوهَا أَسابِيعًا وحَسبُكُمُ

سُرعانَ ما اختَلَطَت تِلكَ الحِسابَاتُ

إِنَّ الرَّدى مُذ عَصَفتُم لَهْوَ مَبدَؤُكُم

وإِنَّهُ مُنتَهاكُم والنِّهايَاتُ

سِحرٌ بِساحِرِهِ يَجتَثُّ مُنقَلِبًا

كأَنَّهُم قَطُّ ما صَارُوا ولا بَاتُوا

للهِ يا عِبَرًا لَو كَانَ مُعتَبِرٌ

يا لَيتَ تَعلَمُ هَاتِيكَ العَمالَاتُ

ويَا إِمارَاتُ، قَد قَالَت عَواصِمُنَا

لا عَاصِمَ اليَومَ مِنَّا يَا إِمارَاتُ

هُو الزَّوالُ، رَأيتُم مِن بَشائِرِهِ

وقَد تَراءَت لَكُم مِنهُ أَمارَاتُ

أَينَ المَفرُّ، وقَد جَاءَتكُمُ نُذُرٌ

ما بَالُها نُسِيَت تِلكَ الإِشارَاتُ

كَم مِن قَتيلٍ زَكِيٍّ ضَاعَ وَاتِرُهُ

تِراتُهُ ثَورَةٌ كُبرَى وثارَاتُ

نِكايَةُ الدَّمِ مَظلُومًا لَهُ ظَمَأٌ

لا بُدَّ يُبرِدُهُ رَيٌّ فإِنبَاتُ

إِنَّ الدِّماءَ، ومَا يُهراقُ مِن عَلَقٍ

تَفدِي طَهارَتَهُ السَّبعُ السَّماوَاتُ

لَسَوفَ تَجتَرُّكُم مِنها (مُقاوَمَةٌ)

وسَوفَ تَغزُوكُمُ مِنها (فُتوحَاتُ)

(صَنعاءُ) ما زَالَتِ الأَيَّامُ تُسعِدُهَا

ولَم تَزَلْ تُتَّقَى مِنها النِّكايَاتُ

صَنعاءُ يا فَخرَ أَقوامٍ ومَملَكَةٍ

بَادُوا وأَنتِ لَهُم صِدقٌ وإِثبَاتُ

سَلِمتِ يا بِنتَ أُمِّ المَجدِ غَانِيَةً

عَنها الأَساطِيرُ تُروَى والحِكايَاتُ

مَا إِنْ تَزالِينَ رَغمَ الدَّهرِ خَالِدَةً

فَتِيَّةً، لَكِ في التَّاريخِ مِشكَاةُ

يا قِبلَةَ الطُّهرِ مِن جِنٍّ ومِن بَشَرٍ

تَهوِي إِلَيها مِنَ الحُبِّ الهُوِيَّاتُ

آياتُ عِزِّكِ كَالآياتِ مُحكَمَةٌ

والنُّورِ نَيِّرَةٌ، والهَديِ مُهدَاةُ

بِنتَ البَلايَا، وقَد خُيِّرتِ في قَدَرٍ

سِيَّانِ عِندَكِ نِيرانٌ وجَنَّاتُ

صَنعاءُ يا أُمُّ، كَم لَاقَيتِ مِن عَنَتٍ

حَتَّامَ يَسقِيكِ كَأسَ الظُّلمِ إِعنَاتُ

مَا لِي أَراكِ عَلى الحَالَينِ مُرهَقَةً

وأَنتِ ما أَوهَنَت جَنبَيكِ أَوقَاتُ

مَالِي أَراكِ (ابنَ عَبَّادٍ) وقَد غَلَبَت

عَلى مَدامِعِهِ في السِّجنِ (أَغمَاتُ)

إِيَّاكِ أَن تَهضِمِي كُرهًا عَلى مَضَضٍ

والنَّفسُ تَأبَى، فنَفسُ المَرءِ مِرآةُ

لا تَجزَعِي أَنْ تَقَوَّت طُغمَة وطَغَت

إِنَّ الحَرائِرَ بِالجُلَّى حَرِيَّاتُ

واستَقدِرِي اللهَ خَيرًا فِي مَقادِرِهِ

فاللهُ مَولاكِ، لا (عُزَّى) ولا (لَاتُ)

بِنتَ البَلايَا، عَزاءُ النَّفسِ أَنَّ لَنَا

شَكِيَّةً يَومَ لا تُنسَى الشَّكيَّاتُ

نَظارِ، إِنَّ لَنا يَومًا نُسَرُّ بِهِ

لا بُدَّ تَطلُبُنا فِيهِ مَسرَّاتُ

وأَنتَ يا أَيُّها الشَّعبُ الَّذي شَرُفَت

بِما تُفَدِّي مَيادِينٌ وسَاحَاتُ

يَابنَ الصِّفاحِ ويَابنَ البِيضِ مَا غُمِدَت

مَعَ الرَّصاصَاتِ مِنكَ المَشرَفِيَّاتُ

يا لَلكِفاحِ، ويا لَلصَّبرِ مِنكَ مَعًا

للهِ أَنتَ، وهذِي المَعنَوِيَّاتُ

كأَنَّ صَبرَكَ (كالدِّيباجِ) مُنطَبِعٌ

يَزدادُ صَبرًا إِذا زِيدَت بَلاءَاتُ

نَفسِي فِداؤُكَ، ما خَلَّيتَ مَكرُمَةً

وهِمَّةُ المَرءِ تُذكِيها صَبابَاتُ

أُعيذُ مَجدَكَ مِن قَزمٍ يُطاوِلُهُ

شَتَّانَ والقَزمُ يَستَهوِيهِ إِفلَاتُ

أُعيذُ طُهرَكَ مَحمُودًا خَلائِقُهُ

مِن أَن يُذالَ، وفِيهِ النَّصرُ مِرسَاةُ

أُعيذُ أَرضَكَ مِن مَحمِيَّةٍ حَرَمٍ

أَن تُستَباحَ، ولَمَّا تَروَ رَايَاتُ

أُعيذُ زَندَكَ مِن وَهْنٍ ومِن عَثَرٍ

إِمَّا كَبا، أَو كَبَت بالمَرءِ زَلَّاتُ

فحَاذِرِ النَّاسَ، وابلُغْ مِن مَظَنَّتِهِم

بِالسُّوءِ مَا اسطَعتَ، إِنَّ الحَيَّ حَيَّاتُ

ولَا تَظُنَّ بِهِم -مَا عِشتَ- تَجرِبَةً

ظَنًّا جَميلًا، وخِبْ فالعَيشُ خَيبَاتُ

ولَا تُعِرْ مَسمَعًا لِلخُلفِ مُستَمِعًا

مَا اسطَعتَ، فالنَّاسُ أَبواقٌ وأَصوَاتُ

هُمُ إِلى الشَّرِّ سَبَّاقُونَ مَا سَلِمُوا

وهُم عَلى الخََيرِ تُبطِيهِم تَعِلَّاتُ

إِنِّي رَأَيتُ شُرورَ النَّاسِ صَادِرَةً

عَن دِمنَةٍ وِردُها لِلفُحشِ إِفلَاتُ

فلَا تَغُرَّكَ أَشبَاهٌ وبَهرَجَةٌ

فمَا مِنَ الدِّمَنِ الخَضرَاءِ خَيرَاتُ

لَم يَبقَ لِلحِلفِ لا رُوحٌ ولا ذَاتُ

والحَربُ بَغيٌ، وأَهلُ البَغيِ أَموَاتُ

هَل جَاءَهُم أَنَّهُم عَاشُوا وقَد مَاتُوا

أَم لَم تَكُنْ بَقِيَت مِنهُم بَقِيَّاتُ

مَا أَجدَرَ الحَربَ أَنْ تُؤتِي لَها أُكُلًا

هَاتُوا نَتائِجَها العُظمَى إِذًا، هَاتُوا

 

(مُلهِمُ الأَجيال) 

القصيدة التي ألقيتُها صباح اليوم في الفعالية الاحتفائية بذكرى الأستاذ الجليل السيد الوجيه/ عبدالسلام عباس الوجيه رحمه الله وأعاد علينا من بركاته.

لَم يَزَلْ مُفجَعًا بِكَ الأَوفِيَاءُ  يا عَظيمًا، تَهابُهُ العُظَمَاءُ

كَيفَ أُوفِيكَ في مَقامِكَ قَدرًا       مَا عَسى أَن يَزيدَكَ الشُّعَرَاءُ

لَيتَ أَنِّي -أَقولُها بِالتِياعٍ         لَكَ مِن نَازِلِ الحِمامِ الفِدَاءُ

إِنَّ ذِكراكَ -والحَديثُ شُجونٌ         غَارِقٌ في مُصابِها العُلَمَاءُ

رُبَّ ذِكرَى بِالقَلبِ طَارَت شُعاعًا     فَعَراهُ الجُمودُ والإِعيَاءُ

عَقِمَ الخُلدُ، فاستَحالَ عَجوزًا       إِذ طَغَا الوَهنُ، واستَباحَ الفَنَاءُ

فَانتَقَى جَوهَرًا منَ الشَّرَفِ الأَعلَى      لَهُ سُؤدَدٌ بهِ وارتِقَاءُ

حَمَلَ الجِدَّ، وامتَطى صَهوَةَ العَزمِ،     وبِالعَزمِ قَد أَنارَ الفَضَاءُ

حَامِلًا في فُؤادِهِ هَمَّ قَومٍ          دَأبُهُ النُّصحُ دَائِمًا، والوَلَاءُ

فَانبَرى يَنشُرُ اللِّواءَ عَلِيًّا          وعَلى الخَافِقَينِ رَانَ اللِّوَاءُ

أَنتَ واللهِ صَاحِبُ المِنَّةِ العُظمَى        عَليهِ، لَكَ اليَدُ البَيضَاءُ

جِئتَ والوَاقِعُ العَمِيُّ مَرِيرٌ       ضَاقَ ذَرعًا بِجَورِهِ الأَولِيَاءُ

سُلِبَت مِنهُ بَهجَةٌ وانبِساطٌ      وخَبَت مُقلَةٌ لَهُ وَضِيَاءُ

تَاهَ فِيهِ شَعبٌ، وضَاعَ تُراثٌ    مَزَّقَتهُ الخُطوبُ والأَرزَاءُ

وعَلى الأُمَّةِ استَكانَ خُضوعٌ       سَادَ فِيهَا أَذيَالُها الأَشقِيَاءُ

غَرَسَت نَابِها لِتَنهَشَ مِنهَا      مَا حَمَتهُ الجُسومُ والأَعضَاءُ

وانتَشَت سَطوَةٌ منَ الظُّلمِ حَمرَاءُ     لَها نَشوَةٌ بهِ حَمرَاءُ

كَادَ أَن يَصرُخَ الوَرى مِنهُ غَوثًا      وعَلى العَيشِ بَعدَ هَذا العَفَاءُ

ثَائِرًا مِن (شِهارَةٍ) حِينَ ثَارَت         كَالبَغايَا أَبنَاؤُها الأَدعِيَاءُ

سَاطِعًا كَالشِّهابِ يَختَرِقُ الأُفْقَ      وكَالسَّيفِ حِينَ يَفرِي المَضَاءُ

نَابِغًا، والذَّكاءُ فِطرَةُ فَذٍّ   مَاجِدٍ، كَم تَغارُ مِنهُ ذُكَاءُ       

لَاهِ دَرُّ النُّبوغِ، كَم مِن نَجِيبٍ    خَلَّدَتهُ أَبنَاؤُهُ النُّجَبَاءُ

هِمَّةٌ مِن قَداسَةِ العِلمِ جَلَّت    فَتَجلَّى مَكنُونُها والعَطَاءُ

يَا لَجَورِ الزَّمانِ، أَيُّ شَتاتٍ     وانفِلاتٍ بهِ أَصابَ القَضَاءُ

أَينَ مِنِّي، وَقَد رَحَلتَ زَمانٌ      كُنتَ فِيهِ وكَانَ مِنكَ السَّنَاءُ

قُلتُ، والدُّهرُ غُدوَةٌ ورَواحٌ       هَكَذَا العَيشُ والبَرايَا ابتِلَاءُ

والأَسَى يَبعَثُ الأَسَى، والبَلايَا       شَرُّها مِن بَعدِ السُّرورِ البُكَاءُ

عَمرَكَ اللهَ، والسِّياسَةُ جَانٍ    شَأنُها يَبتَنِي الخَرابَ البِنَاءُ

ولَقَد يُرتَجَى مِنَ الشَّرِّ خَيرٌ    إِنْ يَكُنْ فِيهِ كَالبَصيصِ اهتِدَاءُ

بَيدَ أَنَّ الَّذي أَرَتنَا أَعاجِيبَ،      ومَا عِشتَ فَالعَجيبُ يُرَاءُ

بَيدَ أَنَّا -وفِي الضُّلوعِ مَآسٍ       لَم نَزَلْ بِالَّذي نُسَرُّ نُسَاءُ

يَا وَجيهَ الهُدى، وأَنتَ خَبيرٌ    بِتُراثٍ لَم يَدرِهِ الخُبَرَاءُ

سَلْ أَبا هَاشِمٍ أُجِبْكَ، فَإِنِّي     بَينَ جَنبَيَّ تَستَطيرُ الدِّمَاءُ

مَا ثَوى العِلمُ، إِنَّما حَامِلُوهُ     يَومَ يُنسَى، ويَومَ يُنسَى الثَّوَاءُ

ولَقَد عَزَّ في البَرايَا مَنالًا      أَن يَرى مَا رَأَيتَهُ الزُّعَمَاءُ

عِشتَ للهِ وَحدَهُ، مَا تَصَبَّاكَ افتِتانٌ، ولَا احتَواكَ ازدِهَاءُ

ورَفَضتَ المُساوَماتِ شُموخًا       لَا غُرورٌ فِيهِ ولَا خُيَلَاءُ

أَينَ مِن (حَامِلِي المَباخِرِ) نَهجٌ       أَنتَ مِنهُم ومِن هَواهُم بَرَاءُ

(وحُسينٌ) فِي خَافِقٍ يَتَشَظَّى  دَمِيَت فِي عُروقِهِ (كَربَلَاءُ)      

سُنَّةُ اللهِ فِي الخَلائِقِ أَلَّا    يُجمَعَ المَالُ حُبُّهُ والإِبَاءُ

سَيِّدي، خَاطِرٌ تَحرَّقَ فِكرًا      والقَوافِي وَقُودُها الأَحشَاءُ

إِنَّ مَن يُوقِدُ الحَريقَ لَمِمَّن        أَوقَدَ النَّاسَ فِكرُهُ فَأَضَاؤُوا

ولَقَد كُنتَ زَاهِرَ القَلبِ طِيبًا       وكَذَا الرُّوحِ جَنَّةٌ خَضرَاءُ

هَبَّ فِي فِكرَتِي بِذِكراكَ عَصفٌ     قَدَحَ الزَّندَ حِينَ جَاشَ الرِّثَاءُ

إِنَّ خَيلًا تَجُولُ فِي الصَّدرِ وَعرًا    لَهْيَ مِنِّي كَتائِبٌ خَرسَاءُ

ولَها أَن تَخُبَّ وَهْيَ عِتاقٌ    فَفُؤادِي مَرعًى لَها ورِعَاءُ

ولَها أَن تَحُلَّ فِي حَبَّةِ القَلبِ     إِذا أَمحَلَ الحُقولَ الشِّتَاءُ

وسَلامٌ عَليكَ يا وَارِدَ الخُلدِ      فَقَد طَابَ مَنهَلٌ ورُوَاءُ

وسَلامٌ عَليكَ فِي جَنَّةِ اللهِ      فَقَد فُزتَ حَيثُ كَانَ الرَّجَاءُ

أَينَ مِنِّي، وَقَد رَحَلتَ زَمانٌ    كُنتَ فِيهِ وكَانَ مِنكَ السَّنَاءُ

لَيتَ أَنِّي -أَقولُها بِالتِياعٍ    لَكَ مِن نَازِلِ الحِمامِ الفِدَاءُ

*نقلا عن : المسيرة نت


في الأربعاء 07 فبراير-شباط 2024 09:24:30 م

تجد هذا المقال في الجبهة الثقافية لمواجهة العدوان وآثاره
http://cfca-ye.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://cfca-ye.com/articles.php?id=12382