«جرف سلمان» على مشارف القدس
صلاح الدكّاك
صلاح الدكّاك
توافق الذكرى العشرون لاستشهاد القائد المؤسس السيد حسين بدرالدين الحوثي هذا العام، ذروةً زمنية من صراع فارق ينهض خلاله اليمن بدور ريادي غير مسبوق عربياً وإسلامياً في الإسناد العملي لفلسطين والمواجهة العسكرية المباشرة مع ثالوث الشر العالمي أمريكا -بريطانيا - الكيان الصهيوني.. 
فهل يمكن اتكاءً على هذه المشهدية الماثلة للعيان، القولُ بأن مشروع الشهيد القائد رضوان الله عليه بلغ سقفه الأعلى اليوم؟!
بعيون المراقب السياسي فإن الإجابة هي نعم..
لكن بالمنظار الإيماني نفسه للمشروع الذي بلغ في غضون عقدين هذا المستوى من الحضور والفعل المؤثر على ساحة ومجريات الصراع في المنطقة والعالم، فإن سقفه الأعلى لايزال مفتوحاً على مفاجآت لا يمكن التكهن بها، تماماً كما لم يكن ممكناً في 17 كانون الثاني/ يناير 2002 الموافق لتدشين المشروع بصرخة البراء، أن يتكهن أثقب المراقبين نظرة بالذروة العالية التي بلغها اليوم!
بين الكرسي المتواضع الذي استوى عليه الشهيد القائد محاضراً في قرية نائية من قرى شمال الشمال وصدع بشعار الصرخة لأول مرة وسط حلقة صغيرة من العامة البسطاء والمستضعفين، وبين منصات إطلاق الصواريخ الباليستية والمجنحة والمسيّرات اليوم، مسافة تصعب مقاربتها بلغة التحليل السياسي الذي ثبت عجزه مبكراً في استشراف أفقها القريب حينها والبعيد في الراهن..
إنها مسافة جنونية لا يجسرها ولا يعقلنها إلا المنطق الثوري الإيماني لحركة فتية قادت تحولاتها واستعرت بلهب مجرياتها وأحداثها لتثمر ما أثمرته من وزن وحضور وتأثير وإمكانات فارقة ومكانة مرموقة ووازنة لليمن وشعبها في عيون وقلوب كل أحرار المنطقة والعالم اليوم.
كانت الصرخة المحاصَرة في أعالي جبال مران بصعدة تهمة مكلفة يدفع المرء روحه ثمناً لترديدها، وأضحت شعاراً لتظاهرات أحرار العالم من مختلف الشعوب والبلدان المناهضة لأمريكا وكيانها الصهيوني المسخ...
أليست هذه -بالتعبير الجيوسياسي- نقلة استراتيجية شاسعة ومداً أيديولوجياً عابراً لخناق الجغرافيا وزنازين الأعراق والعقائد؟!
نقلة ومد لم يسبق أن حققتهما بهذا المستوى وخلال عقدين، حركات ثورية توافرت على دعم سخي وفي ظل ظروف دولية مواتية إبان الحرب الباردة، عوضاً عن أن تحققه انطلاقاً من صفر الإمكانات وفي أتون سلسلة حروب عسكرية وإعلامية وقمع وتضييق وحصار معيشي وتواطؤ إقليمي ودولي مضاد، كما فعلت المسيرة القرآنية وذراعها الثورية الفتية حركة أنصار الله!
لقد تحولت «الحوثية» من تهمة مخيفة تنصل منها الكثيرون في النطاق المحلي بالأمس، إلى شرف يدعونه اليوم ويتمادون في ادعائه، والمفارقة أن رصيد الإجلال والاحترام والمَهابة الكبير الذي يحظى به اليوم قائد المسيرة وحركة أنصار الله وأحرار اليمن لدى الأوساط العربية والإسلامية على خلفية المواقف العملية الصادقة مع فلسطين، بات رصيد فخار في حساب كل اليمنيين بمن فيهم خصوم المسيرة وأعداؤها، الذين حاربوها ويحاربونها حتى اللحظة بدعوى «سلاليتها» وبزعم كونها «ذراعاً فارسية لإيران»..!
ذراع أباحوا باسم بترها اليمنَ لكل الغزاة وشذاذ الأصقاع في عدوان كوني واسع، حصدت ترسانته الحربية أرواح عشرات الآلاف من اليمنيين وبترت أطراف الملايين من أطفاله ونسائه ومدنييه!
منذ البدء كانت صرخة الحسين مصوبة بوضوح في نحر أعداء الأمتين العربية والإسلامية: أمريكا والكيان الصهيوني،... صرخة براء مثلت موقف الحد الأدنى في مواجهة طغيانهما بحق فلسطين وشعبها وشعوب وبلدان المنطقة والعالم.. ومشروع فكري قرآني غير مسلح بسوى النوايا الحسنة والغايات الخيرية لمجتمعه وأمته، وجد نفسه منذ البدء هدفاً لمفارز أمريكا والكيان الصهيوني المحلية المتقدمة..
لقد استماتت هذه المفارز المتوارية خلف يافطات يمنية عربية إسلامية فاضحة، في محاولاتها القضاء على المشروع الغض، وبالنتيجة لأصالته وفدائية رجاله وإيمانهم العميق، راحت تتساقط أمامه تباعاً بوصفها أقنعةً وخنادق ذائدة بالوكالة عن أعداء الأمة بامتداد الحروب الست مروراً بتحالف العدوان الكوني المستظل بيافطة عربية، ووصولاً إلى بروز أمريكا وقوى الاستعمار الغربي راغمين في واجهة المشهد بعدوان مباشر وصريح من حيث يافطاته وغاياته..
تذرع العدوان الأمريكي ذو اللبوس العربية بـ«استعادة الشرعية وإعادة اليمن إلى الحضن العربي» ويتذرع العدوان الأمريكي المباشر اليوم بـ«حماية الملاحة الدولية» وفي الحالين فإن إعادة اليمن إلى حظيرة العبودية لأمريكا وحماية الكيان الصهيوني كانا الهدف من كلا العدوانين والذي بات جلياً اليوم لعيان اليمنيين والعرب والمسلمين بالعموم.
إنها ذروة فارقة تكشفت باشتداد عود اليمن خلالها كواليس المخرج الأمريكي الذي أدارت أصابعه فصول الحرب العدوانية متعددة الأقنعة والذرائع وذات الغاية الاستعمارية الواحدة، منذ الحرب الأولى على صعدة وانتهاءً بعدوان «حارس الازدهار».. ومن الموضوعية وإعادة الاعتبار للحقيقة الجلية وللحركة المغبونة منذ البدء أن نقر بأن لحظة الفخار والمنعة الراهنة التي يعيشها اليمن، كانت ستكون لحظة خزي بلا منتهى لو أن مشروع السيد القائد حسين بدرالدين الحوثي انتهى باستشهاده وقضى بانقضاء أيامه على وجه الأرض ولم يتخلق أنصاره كقوة تعاظمت بتعاظم التحديات من كربلاء جرف سلمان إلى زمن الثورة والفتح الموعود على كواهل رجال الجهاد المقدس وببصيرة السيد القائد أبوجبريل ويده التي تقود اليوم دفة سفينة الكرامة اليمنية إلى أعالي المجد وعصاه التي تفلق أعالي البحار حضيضَ هلاك للفرعون الأمريكي وأفق خلاص لأمتينا العربية والإسلامية وشعوب العالم المستضعفة والمحرومة.
السلام على الحسين الشهيد الذي استوى جرحه قمراً على ليل القدس واتقد دمُه مصابيح في محراب فلسطين، وانغزلت أهدابه ضمادةً لأطفالها وظلالاً وارفة لمشرديها.. السلام على صرخة الحسين الشهيد التي نفخت في صور الصواريخ فتحاً للمستضعفين من مران إلى غزة وقيامةً على رؤوس الطغاة من البحر الأحمر إلى الأطلسي ومن خليج عدن إلى الكاريبي.
السلام على الشهيد القائد الذي وفَّى وارتقى معراج الخلود إلى منتهاه، والسلام على القائد الشاهد الذي سرى بالمسيرة صراطاً مستقيماً إلى وعد المسرى..
السلام على الشهيد الصماد الذي رفع بحرنا شاهقاً بمحاذاة ذرى جبالنا وجعل من أكواخ تهامة مراصد للنجوم وقلاعاً يتشظى على قشها فولاذ الأساطيل وتتكسر صواريخ الغزاة..
السلام على رجال قضوا عهدهم على درب الحسين ورجالٍ مضوا على عهده لا يبدلون تبديلا.

* نقلا عن : لا ميديا


في الخميس 08 فبراير-شباط 2024 09:10:18 م

تجد هذا المقال في الجبهة الثقافية لمواجهة العدوان وآثاره
http://cfca-ye.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://cfca-ye.com/articles.php?id=12393