|
أمضيت يومي كاملاً وأنا أتحسس ظهري كل بضع دقائق. كان هذا بعد أن شاهدت صورة لطفل يمني غاية في النحول، للحد الذي تظهر فيه أدق تفاصيل عموده الفقري بسبب سوء التغذية الحاد الذي يهدد حياة ما يقارب ال2 مليون طفل جراء الحرب على اليمن.
أتجادل مع والدي والذي يصر على متابعة نشرات الأخبار، وأتأرجح ما بين رغبتي بالهروب من هذه المناظر الموجعة، وبين التثبت من انسانيتي كما يقول الكاتب ممدوح عدوان في كتابه >>دفاعاً عن الجنون<<: “إلى أي مدى كنت لا تبالي بمآسي الآخرين؟ إلى أي مدى كنت تحاول أن تعرف بما يجري؟ هل تحس أنك غير مسؤول لأنك لم تعرف؟ أم تحس بأنك مسؤول لأنك لم تحاول أن تعرف؟”. ينتصر دوماً ممدوح عدوان، وأعود لمتابعة نشرة الأخبار بقلب مثقل وموجوع ومسؤول بأن يعرف.
تحاصرني صور أطفال اليمن، وتقارير اليونسيف، والمشاورات الباهتة، وربطات العنق التي يرتديها اولئك قبل توجههم لقصر جوهانسبرغ بهدف إجراء محادثات “السلام” اليمنية برعاية الأمم المتحدة.
أتمنى لو تلتف تلك الربطات حول أعناق كل الذين كانوا السبب بما يعانيه أطفال اليمن اليوم. لكن كل ذلك لا يكفي أماً يمنية واحدة تحسست بيديها العمود الفقري لطفلها، ورأت ذاك النتوء، ومرّرت أصابعها على ذاك الكاحل الغاية في النحول.
كلما حاولت النوم، أتذكر صورة طفلة يمنية مصابة بالكوليرا، لمحتها في احدى نشرات الأخبار قبل أكثر من سنة، ولازالت تعذبني الملامح المستكينة لوالدها، واستسلامها الشديد للمرض للحد الذي يمنعها من البكاء، واستسلام الأب لواقع موجع لا يستطيع تغييره. يصاحبني سؤال: كيف ينام ليله الطويل ذاك الذي أيقظ داء الكوليرا في اليمن، وأي مصير يستحقه؟
ماذا تعني محادثات السويد أو جنيف للأطفال؟ هل يكفي تبادل الأسرى، ووضع خطة للنهوض بالعُملة؟ ماذا عن الطيار الذي قصف حافلة مدرسية في سوق ضحيان شمال اليمن والذي سلب بلحظة واحدة حياة 26 طفل؟ ماذا عن مجزرة سوق السمك، وعن الحديدة، وصعدة، وحجة، وقاعات الأفراح التي تحولت في ثوان لقاعات عزاء بفعل فاعل معروف للجميع؟
ماذا لو انتهت الحرب غداً؟ ما الذي يُصلح الدمار الداخلي لأطفال اختبروا الموت، والمرض، والجوع، والفقر؟ لم كل هذا؟ وهل هناك أي دافع، أي دين، أي ملة، أي حزب، أي صالح، أي تاريخ يستحق وجع الأطفال وأرواحهم؟
إسمحوا لي أن اتساءل كما تساءل ديستوفسكي: “يا إلهي! لماذا يموت الأطفال؟ هل يحق لي أن أقترح بسذاجة وحبّ: لماذا لا يرفعهم الله إلى السماء مؤقتًا ريثمَا تنتهي الحرب ثم يعيدهم إلى بُيوتهم آمنين؟”
نعلم بأن وقف الحرب –لو حصل- بدء من الغد لن يعيد أو يخفف حجم الدمار الداخلي لدى الشعب اليمني، ولن يوقف انتشار الكوليرا الفتاكة، وسيحتاج سنين وسنين لإعادة البنى التحيتة، ولكنه على الأقل سيوقف موت قادم لا نعرف سيحصد حياة من ومن ومن…
* نقلا عن موقع النهضة نيوز
في الجمعة 07 ديسمبر-كانون الأول 2018 09:01:18 م