قراءة مختصرة في المشروع القرآني للشهيد القائد السيد حسين بدرالدين الحوثي “رضوان الله عليه”
فاضل الشرقي
فاضل الشرقي

الخطط والبرامج العلمية لبناء الأمة

قدم السيد (رضوان الله عليه) منظومة متكاملة من الخطط والبرامج العلمية التي أنعم الله بها على عباده, وهداهم إليها في كتابه القرآن الكريم، والتي كانت كفيلة ببناء الحضارة العالمية بشكل صحيح, وسليم, وبشكل أفضل وأرقى ممّا وصل إليه الغرب، ووصلت إليه الحضارة اليوم, كل ذلك ممكن أن يحصل من خلال المعرفة التي لا تتأتّى إلاّ من خلال البحث العلمي كما وضح وبين السيد حيث يقول: (يجب أن تفهم أنت منهجية المعرفة، لا تعتقد أن المعرفة معناها أنه في يوم واحد، أو في شهر واحد، شهر واحد يجب أن تعرف كل شيء، هذه هي منهجية غير صحيحة حتى ولو من الناحية العلمية السائدة الآن في الدنيا: أن أهم مصدر في المعرفة هو ما يسمى بالبحث العلمي أن المعرفة تأتي ضمن مسيرة، ضمن حركة، تأتي المعرفة بهذا الشكل، فعندما تتسع دائرة مهام الناس، تتسع ماذا؟ شعورهم بأنهم بحاجة إلى هذا، وبحاجة إلى معرفة هذا، فيكونون أقرب إلى أن يعرفوه، وتكون معرفتهم هذه بالشكل الذي يستطيعون أن يستفيدوا من خلال معرفتهم له، فتنموا معرفتهم في نفس الوقت، أما مجرد أنك تريد تعرف كل شيء، كل شيء في شهر واحد هذا لا يحصل، ولا للأنبياء أنفسهم لماذا؟ لأنه ليست هذه الطريقة الطبيعية للمعرفة)سورة البقرة الدرس التاسع من دروس رمضان.

ويرى السيد بأنّ التنوع والتعدد الحاصل في حيات الناس, واختصاصاتهم هو تنوع إيجابي عندما يكون مبنياً على أسس صحيحة, ويوظف التوظيف الصحيح, لأنه يسهم في بناء الأمة, وعمارة الحياة, فيشكل قوةً للأمة, ويبني أمةً قوية فيقول: (الاختلاف هذا نفسه الذي يقولون هو طبيعي, هي ليست قضية سلبية, هو أصلاً تنوع بالنسبة لعمارة الحياة, هو تنوع، تنوع, لكن إذا تريد تنزل القرآن إلى بين أيدي هؤلاء المتنوعين سيمزقونه كل ممزق, والدين يفرقونه, وكل واحد ينطلق لوحده.
وهذه قضية فيها شاهد من الحياة بالنسبة لنا, ألست مثلاً ستجد في الشعب الواحد ترى الناس مختلفين, مختلفين في مؤهلاتهم, مختلفين في صناعاتهم، مختلفين في أذواقهم، مختلفين في مهنهم, ويأتون بنظام واحد, أليسوا يأتون بنظام واحد يكون نظام لحياة هؤلاء الذين تراهم هذا نجار, وهذا طبيب, وهذا كهربائي, وهذا ملحّم, وهذا بنّاء, وهذا مليّس, وهذا يأكل هذا, وهذا ما يعجبه الأكل هذا, وهذا يأكل كذا, وهذا يعجبه أن يكون شكله كذا, أليس هذا التنوع حاصل عند الناس؟
هذا لا يمكن أن يحصل عندنا نحن البشر, يعني نقول: أنها ليست قضية صحيحة أنه ممكن ننزل النظام, ننزل قانون ونجعله في متناول الناس هم, نقول: أنتم اعملوا لكم قانون, وكل واحد يمشي على ما ترجح لديه! ما هو سيطلع رؤى متباينة؟ يأتي القانون بالشكل الذي لا يخضع للاختلافات هذه, بل هو يحسم, أي يعتبر نظام يجمع هؤلاء المختلفين في صناعاتهم, في أمزجتهم؛ ليسيروا في اتجاه واحد في الحياة؟ يسيروا في اتجاه واحد, وما معناه ليطلعوا كلهم نجارين, أو يطلعوا كلهم كهربائيين, أو يطلعوا كلهم ملحمين, أو بنائين، لا، لأن مجموع البنائين, والملحمين, والكهربائيين, والأطباء, والإداريين, والمعلمين .. الخ, كلهم يبنوا ماذا؟ يبنوا الحياة.
فهنا يجعل كيف يكون عمل النجار بشكل صحيح, يكون رافد في الحياة, يكون له أثر في الحياة, مثل الكهربائي, مثل المعلم, مثل كذا, فيضبط المسيرة هذه المتنوعة, يضبط المسيرة المتنوعة, يضبط الناس المتنوعين في مسيرتهم, ويجعل المؤدى واحد, والغاية واحدة, ويجعل البناء في الأخير بناء واحداً)(عندما تتصور مثلاً أمة تكون قوية، أما كلمة أمة تعني حاجة واحدة؟، تتصور قوة واحدة أليست هكذا؟ تنزل إلى تفاصيل القوى تقول: يجب أن يكون هناك زراعة، يكون هناك تعليم، يكون هناك صناعة, يكون هناك مراكز علمية، ومراكز أبحاث ألست هنا في الأخير ترى تنوعاً؟ لتشكل قوة، وتشكل أمة واحدة؟.
بناء الأمة يتمثل في هذا التنوع الواسع؟ فليضبط المسألة بحيث يكون هذا التنوع الواسع بالشكل الذي يبني الأمة؟ ويكون هؤلاء بالشكل الذي ما يكون بينهم إختلافات، ينطلقون إنطلاقة واحدة وهكذا) مديح القرآن الدرس الرابع.

ويرى السيد (رضوان الله عليه): بأنّ بناء الأمة يأتي ضمن إختصاصات, ومهام, وأدوار كلها تحتاج إلى هداية من الله سبحانه وتعالى فيقول: (بناء الأمة يأتي فيه أدوار متعددة, وكل دور هو عبارة عن مهام، كل مهمة تحتاج إلى هداية فيما يتعلق بهذه المهمة) مديح القرآن الدرس الخامس.
ويوضح الشهيد القائد أسلوب وخطوات القرآن العملية في مهمة بناء الأمة, مؤكداً أنّه يهدي الهداية الشاملة في مختلف جوانب وشؤون الحياة, يقول السيد رضوان الله عليه: (مما ضرب القرآن المفسرون الذين يجعلون كلمة: {هُدىَ} و{هَدَى} تنصرف إلى مجال العبادات البحتة، يعني إلى صيام, إلى صلاة, إنّ القرآن كتاب حياة, كتاب حياة شاملة, يهدي الناس في كلّ مجالات الحياة, يهدي الناس في كلّ شئون الحياة, وليس فقط إلى الجانب الإيماني العبادي الروحي, فجاء المفسرون ليقولوا عن (يهدي) يعني يهديك إلى طريق الجنة، أي إلى ما تعمل به لتصل إلى الجنة، كيف تسبح وكيف تصلى وانتهى الموضوع) محاضرة يوم القدس العالمي.


ويوضح السيد أنّ القرآن الكريم هو الكفيل ببناء الأمة بناءً حقيقياً في مختلف شؤون ومفاصل الحياة, وأنّ خسارة الأمة كانت خسارةً كبيرةً وفادحةً عندما ابتعدت عن القرآن الكريم فيقول: (قلنا بالأمس حول آيتين فقط تحدثت عن أهل الكتاب أنها كانت كفيلة، لو كان هناك اهتمام بالقرآن، ورؤية قرآنية، وتأثر بالقرآن، ونظرة قرآنية صحيحة لكان تلك الآيتان لوحدهما، بمفردهما كفيلة ببناء الأمة، وكفيلة بأن تكون هذه الأمة أرقى مما وصل إليه الآخرون: عندما حكى الله عن بني إسرائيل بأنهم ما يودون لنا أي خير، وعندما قال عنهم في آية أخرى: {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً}(البقرة: من الآية109)لأنه هنا شخّص لك أمة من الأمم، توجهها إلى هذه الأمة الأخرى، الأمة المسلمة، كانت هاتان الآيتان تكفي في الماضي – كما قلنا بالأمس – أن تجعل من يفهمون القرآن الكريم، من يعرفون هدى القرآن الكريم كفيلة ببناء هذه الأمة بحيث لا تصل إلى ما وصلت إليه الآن من هذه الحالة السيئة، الخسارة الكبيرة، خسارة كبيرة فعلاً) سورة البقرة الدرس السابع من دروس رمضان.


ويضيف السيد أنّ هاتين الآيتين من كتاب الله كانتا كفيلة ببناء الأمة والنهوض بها لو كان هناك إلتفاتة جادة للقرآن الكريم والعمل به فيقول: (كان هاتان الآيتان كفيلة لو أن أحداً من أسلافنا ممن كانوا في وضعية أحسن مما نحن فيه باعتبار الضغط العالمي، ما كان يوجد بهذا الشكل الذي نحن نعاني منه من قبل الأعداء كان هذا التشخيص لأهل الكتاب يكفي بأنهم يتجهون لبناء أنفسهم، من بديهيات هذا التوجه: أن يحاولوا أن يهتموا بالجانب العلمي، بالجانب العلمي باعتباره قضية من القضايا الهامة في بناء الأمة فحينها سيصلون إلى علوم كثيرة في مختلف الأشياء التي وصل إليها أخيراً بنوا إسرائيل، أو أهل الكتاب بشكل عام من اليهود والنصارى) سورة البقرة الدرس السابع من دروس رمضان.
القرآن الكريم مفتاح كل العلوم

ويؤكد السيد على أنّ القرآن الكريم هو مفتاح كل العلوم موضحاً أنّ القرآن الكريم قد أعطى وقدم المؤشرات والموجهات والمسؤوليات العامة والعلمية التي تحقق النهضة الشاملة والنمو والتقدم والإزدهار لهذه الأمة, ويبين السيد أنّ الله سبحانه وتعالى قد ذلل وهيئا هذه المسخرات الموجودة في السموات والأرض بما يتكيف ويتلائم مع حاجات الإنسان ووضعيته فيقول: (عندما يقول البعض عن القرآن الكريم: [القرآن كتاب باهر وسلام الله عليه يجلس مكانه لكن نحن نريد علوماً أخرى]! هذا هو مفتاح العلوم بكلها؛ لأنه في نفس الوقت الذي يعطي التوجهات، والمسؤوليات التي هي كفيلة بأن تتوسع نظرتك لكل ما حولك، وتعمل على تطوير قدرات هذه الأمة أعطى مؤشرات أيضاً فيما يتعلق بكل ما هو محيط بالناس مما في السماوات وما في الأرض، أنه مسخر لك: {وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْض}(الجاثية: من الآية13) ومعنى التسخير العبارة هي توحي بأن الأشياء هذه قابلة لأن نستخدمها، وعندما تنظر إليها على سعتها الكبيرة جداً عندما يقول: {مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْض} أليست قائمة طويلة عريضة جداً من الأصناف، والأنواع المتعددة من المخلوقات بدءاً من الكواكب، والشمس، والقمر، والهواء، ومختلف المعادن، والنباتات، وكل العناصر الموجودة في هذا العالم، كل مفردات ما في السماوات، وما في الأرض، أنها مسخرة.


تعني هذه: أن حياة الإنسان مرتبطة بهذه الأشياء، وأن هذه الأشياء قابلة؛ لأنه ذكر مثلاً فيما يتعلق بحيوانات معينة: أنه ذللها، وسخرها، كيف تجدها قابلة لك أن تستخدمها للأغراض المتعددة كالإبل، والبقر، والخيل، والبغال، والحمير، ومختلف الحيوانات المذللة، وتجدها قابلة لمختلف الأغراض، وبيَّن في آيات أخرى كيف تكون الأشياء المسخرة قابلة للإستخدام المتعدد ذكر: تركبون، وتأكلون، وتستخدمون من جلودها بيوتاً، ومن أصوافها، ومن أوبارها، وأشعارها أثاثاً لكم ومتاعاً إلى حين، فعندما يقول: إنه سخر لنا ما في السماوات وما في الأرض بعدما أعطى توجها من هذا النوع الذي يجعل الإنسان يتوجه فيرى نفسه في سبيل بناء الأمة بحاجة إلى كل ما لديه من أشياء، أن هذه تعطي أملاً كبيراً جداً: أن بالإمكان تطويع الأشياء الكثيرة للأغراض المتعددة. هذه اكتشفت أخيراً، الشمس ألم يستطيعوا أن يحولوها إلى طاقة كهربائية؟ واحدة من الإستخدامات التي برزت: أن يحولوا أشعة الشمس عبر وسائل معينة إلى طاقة كهربائية، بل تتحول هذه إلى وقود هام للمراكب الفضائية، ولكثير من الأقمار الصناعية هذه التي تحتاج إلى الوقود صفائح معينة تحول أشعة الشمس إلى كهرباء، إلى وقود تشتغل عليه هذه المركبات والأقمار.


إذاً أليس هذا من التسخير؟ الشمس التي بيننا وبينها – كما يقولون – ملايين الأميال أو عشرات الملايين من الأميال تجدها قابلة لأن تسخرها لأشياء متعددة الأغراض، وأن يكون لها دور في استخدام أشعتها في مجالات ليس بإمكانك أن تستخدم أشياء أخرى بديلة عنها، من الذي يستطيع أن يوفر مثلاً طاقة معينة للمركبات الفضائية التي تأخذ فترة طويلة؟ أين يمكن تعبئتها بترول أو أشياء أخرى؟ لكن الشمس طاقة مستمرة يومياً أمكن أن تحول بهذا الشكل فأغنت عن طاقات أخرى لا يمكن لو أن المسألة مرتبطة بطاقات هي في الأرض هنا بترول أو الطاقات التي يسمونها طاقة نووية وقود نووي أو نحوه لكانت المسألة صعبة، أي لكان هذا يشكل عائقاً دون إمكانية مركبات فضائية وأقمار صناعية ونحوها، متى يمكن أن تذهب تجدد لها الوقود هذا؟ لهذا كانت الطاقة الشمسية واحدة من استخداماتها استخدمت في مجالات هامة جداً في إعطاء معلومات وفي إمكانية التواصل فيما بين الناس عبر وسائل الإتصالات والبث الإذاعي والتلفزيوني وغيره, إذاً هو كتاب علمي على أرقى مستوى لكن لمن يفهم) سورة البقرة الدرس السابع من دروس رمضان.

ويؤكد السيد على شمولية القرآن الكريم في هداه وبيناته وتوجيهاته فيقول: (ومن هذا نعرف أيضاً شمولية القرآن الكريم عندما يقول الله فيه: {تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ}(النحل: من الآية89) وأنه تبيان لكل شيء(أي القرآن) ليس معناه أنه يذكر لك تفاصيل المسألة الفلانية أعني علما من العلوم مثلاً: قوانين في الفيزياء، أو الهندسة, أو أي شيء من هذه الأشياء يأتي بها هي ويذكرها، ويعمل لك قائمة للمعادن وخواصها, وأشياء من هذه، لا، هو يعطي الناس توجهاً معيناً هو كفيل بالوصول إلى هذه الأشياء) سورة البقرة الدرس السابع من دروس رمضان.


ويوضح السيد المسألة هذه أكثر فيؤكد على أنّ القرآن الكريم قد هدى فعلاً إلى هذه العلوم, وإلى الإكتشافات والإختراعات العلمية, والتقدمية بطريقة توجيهية مرتبطة بجانب المسؤولية والعمل والحركة في هذه الحياة, وبالتالي تقودك إلى هذه العلوم والمعارف والخصائص المهمة والضرورية في عملية بناء الأمة فيقول: (إذا أنت تقول: ما هناك قائمة؟ تقول هل هدى إلى موضوع الإختراعات هذه؟ أقول لك: نعم, هدى إليه بطريقة إن لم تكن قائمة, يذكر لك كذا, إعمل, واتجه إلى كذا, الحياة طبعت فيها الأشياء, في الحياة أشياء كثيرة من الكنوز, من المعادن, ولها خواصها, ولهذا كذا, حاجيات الإنسان واسعة من جانب المسؤولية التي ربطك القرآن بها, تفرض عليك أن تتحرك في كلّ هذه المجالات, أن تصنِّع, أن تزرع, أن تعمل على أن يكون لديك خبراء, أن يكون لديك مهندسين, أن تهتم ببناء أمة متكاملة) مديح القرآن الدرس الأول.
ويضيف السيد أنّ القرآن الكريم يهدي إلى الإهتمام بالجانب العلمي والمعرفي والحضاري للأمة من خلال الخبراء والعلماء والمتخصصون, ومراكز الأبحاث والدراسات العلمية والتطبيقية المتقدمة التي يتحقق من خلالها السبق والتقدم العلمي, وتحقيق افكتفاء الذاتي والضروري فيقول: (أليس القرآن هدى إلى هذه؟ يكون عندك خبراء يشتغلون في كلّ المجالات, ويبدعون, ومعاهد, معاهد بحث, دراسات, تمويل للبحث من أجل ماذا؟ أنك تريد أن لا يسبقك الآخرون إلى شيئ, تكون أنت من تملك الخبرة؟ من تملك الصناعة, من تملك الإكتفاء في زراعة, في غيرها, وتجد في كل واحدة من هذه تلقى الله فيها، عندما يتحركون في أي مجال من المجالات يتلمس التأييد الإلهي، يتلمس البركة الإلهية، يتلمس البُشرى التي قال هنا: {وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ} يتلمس أيضا مظاهر معرفة الله، مظاهر قدرته، مظاهر رحمته، مظاهر رعايته، مظاهر تدبيره، مظاهر… الخ.) مديح القرآن الدرس الأول.


ويوضح السيد “رضوان الله عليه” أنّ الدين يملأ كلّ جوانب الحياة هذه بعلومه ومعارفه, وإرشاداته, وتوجيهاته, وهداه, وبيناته, ويوضح السيد أنّ التبين المعرفي في القرآن الكريم, والهداية العلمية يكون بشكل قواعد تهدي إلى أبواب من العلوم والمعارف التي يتحقق بها ومن خلالها البناء الشامل والنوعي للأمة يقول السيد: (فالدين هو يملأ الحياة, يملأ الحياة بكلها, والتبين لا يعني أن يعمل لك قائمة تفصيلية بأسماء الأشياء بالتحديد, هو يبين لك كيف تكون, يهديك إلى كيف تكون هذه الأمة, ماذا ينبغي أن تعمل؟ ومعلوم بأنه حتى في الصناعات ألا يكون فيها ما تسمّى قواعد؟ فهو يهدي إلى أبواب من المعرفة, تهدي إلى معارف من هذا النوع, تهدي إلى بناء الأمة في كلّ المجالات, هذا هو التبيين) مديح القرآن الدرس الأول.


وفي مقام الحملة العدوانية الشرسة التي يواجه بها الإسلام من قِبَل الأعداء يَخلُص السيد إلى أن حالة العداء تعتبر حالة إيجابية في خلق دافع قوي لبناء الأمة، وفي تغذية مسيرة بناءها من خلال تحركات أعدائها, وهذا مما يدلل على عظمة الإسلام الذي يُحوّل السلبية إلى إيجابية, مؤكداً على أنّ القرآن الكريم يدفع بالناس للإهتمام ببناء أنفسهم, والإهتمام بالجانب العلمي باعتباره قضية من القضايا الهامة في بناء الأمة, والوصول بها إلى الأخذ بزمام العلوم التطبيقية المعاصرة في مختلف المجالات.
ويؤكد السيد بأن سبب انحطاط الأمة هو جهلها بمنهجية القرآن الكريم, ونعم الله على عباده من خلال ما سخره لهم في السموات والأرض فيقول: (نرى أنفسنا في مثل هذا العصر منحطين في أسفل درك في عالم الصناعة، في عالم الإختراع، في عالم الإبداع, فنصبح نحن المسلمون جاهلين حتى باستخدام الآليات التي ينتجها الآخرون فنرى أنفسنا في الأخير كيف خضعنا لهم بل كيف انبهرنا بهم، بل كيف تنكرنا لديننا وحمَّلناه مسئولية تخلفنا.


والواقع نحن الذين ظلمنا ديننا من البداية, نحن لم ننطلق على هداه فظلمناه في البداية، وظلمنا أنفسنا حتى عندما وحينما رأينا الآثار السيئة للمسيرة المغلوطة التي سرنا عليها نأتي من جديد لنحمِّل ديننا المسئولية، نأتي من جديد لنقبل ما يقول الآخرون في ديننا: [دين متخلف] [أفيون الشعوب] لازم أن تلحقوا بركاب الحضارة الغربية، ونلحق بركاب الآخرين، فنتثقف بثقافتهم، القرآن لم يعطنا شيئاً، الدين لم يعطنا شيئاً، فلننطلق وراء الآخرين.


فأصبحنا فعلاً، هيَّأْنا أنفسنا، وهيَّأْنا أولئك الذين صرفوا الآيات هذه إلى المجال الذي ليس من مسئوليتهم، إلى المجال الذي قد تكفل الله به {إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى} (الليل:12) قد تكفل به {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ}(الأنعام: من الآية57) تكفل هو بأن يعرفنا بنفسه أن يعرفنا بكماله من خلال كتبه وأنبيائه، تكفل هو بأن يشرِّع لنا من خلال كتبه وأنبيائه وورثة كتبه.. إذاً هذا الميدان مضمون، انطلق أنت في ميادين الحياة على وفق ما يرشدك إليه هذا الدين.


عندما تنكرنا لديننا أصبحنا فعلاً بيئة صالحة لتقبل الدعايات ضد الدين، بل أصبح الواحد منا يرى نفسه متحضراً بمقدار ما يتحلل من قيم دينه، بمقدار ما يتنكر لدينه وإلهه، فالقرآن لا شيء؛ ولهذا أصبح في المجتمع الإسلامي علمانيون كثير، علمانيون يتنكرون للدين، ويسخرون حتى من المرأة عندما تلبس الحجاب الإسلامي ويرون فيه مظهراً للتخلف. نقول لهم: لا تحمِّلوا الدين المسئولية، حملوا أولئك الذين نقلوا لكم الدين بشكل مغلوط، ارجعوا إلى القرآن أنتم.


والآخرون الذين أنتم منبهرون بهم هم من شهدوا لهذا القرآن، هم من تجلى على أيديهم من خلال ما أبدعوا إعجاز هذا القرآن. ارجعوا أنتم إلى أولئك الذين قدموا لكم الدين بشكل مغلوط، وشغَّلوا تفكيرهم في المجال الذي قد ضمن لهم، وصرفوه عن المجال الذي أريد أن يتحركوا فيه، أريد لهم من خلال دينهم هو أن يتحركوا فيه، ارجعوا إليهم فتنكروا لما قدموه لكم، وعودوا إلى القرآن من جديد لتعرفوا كيف أن القرآن كان باستطاعتنا لو مشينا على هديه، وعلى إرشاده أن نكون نحن الأمة السباقة حتى في مجال التصنيع، والاختراع، والإبداع في مختلف الفنون) معرفة الله نعم الله الدرس الأول.


مقومات النهوض لدى هذه الأمة


يعتبر السيد أنّ مقوّمات النهوض لدى هذه الأمة تكمن في نعمتين ثنتين هما النعمة الظاهرة على وجه هذه الأرض وهي نعمة القرآن الكريم, ونعمة ما أنعم الله به من نعم على هذه الأمة من حيث موقعها الجغرافي المهم, وما أنعم الله به عليه من ثروات هائلة في باطنها هي مصدر ووقود تحرك هذا العالم وقوته ونهضته وتطوره, يقول السيد (رضوان الله عليه): (الله سبحانه وتعالى أنعم علينا بموقع هام جداً من الناحية الجغرافية، من ناحية الثروات الهائلة التي نرقد عليها في باطن الأرض التي نحن فيها في الجزيرة العربية هذه ما ينبغي أن نكون نحن أضعف الناس، لا ينبغي أن نكون أول كافرين بهذه النعمة, نعمة على ظاهر الأرض القرآن الكريم، ونعمة في باطن الأرض, الثروات الهائلة, نعمة في الموقع بكله، ولهذا يتسابق الآخرون عليه، لأنّه موقع يعرفون بأنّ من يسيطر عليه يسيطر على العالم, الإسرائيليون الذين دولتهم ما تزال جديدة ولها فترة قصيرة عندهم طموح أن يهيمنوا على المنطقة هذه، لأنهم يعتقدون أن الهيمنة على المنطقة هذه يعني هيمنة على العالم بكله وهذه حقيقة باعتبار موقعه باعتبار ثرواته الهائلة) سورة البقرة الدرس الرابع من دروس رمضان.


العصر الذهبي للإسلام


كانت رؤية الشهيد القائد (رضوان الله عليه) واضحة المعالم, والأهداف، ففي الوقت الذي يرى فيه غالبية الأمة بأننا في عصر الظلمات والضياع؟ كان السيد يحمل رؤية تفاؤلية لهذه المرحلة، وكان يرى بأن هذه المرحلة الزمنية هي المرحلة التي توفرت فيها كل عوامل القوة, وأخرجت فيها الأرض خيراتها من باطنها, وظاهرها بشكل لم يسبق له مثيل في تاريخ هذا العالم بكله, لكن عندما ابتعد المسلمون عن ثقافة القرآن الكريم, وصلت وضعيتهم إلى هذا المستوى المنحط فيقول: (عندما أبتعد المسلمون عن القرآن الكريم، ولديهم أشياء كثيرة فيها أشياء كثيرة من الضلال، وصلت الأمة هذه إلى حالة الضياع في عصر قد يكون من أزهى عصور الدنيا) سورة آل عمران الدرس الثالث عشر من دروس رمضان.


وفي خضم هذه الأحداث والتحركات الرهيبة كان السيد يؤكد أنّ من ينطلقون ويتحركون على أساس القرآن الكريم لا يمكن أن يحبطوا نهائياً, بل سيجدونها فترة ومرحلة من أحسن فترات ومراحل الإسلام فيقول: (تأتي هذه الأحداث من خلال تحرك الأمريكيين، تحرك الإسرائيليين، تحرك دول الغرب هذه, من يتأملها بنظرة قرآنية لا يمكن أن يحصل لديه إحباط، ولا يحصل لديه يأس، بل يمكن أن يرى هذه الفترة من أفضل، وأحسن الفترات بالنسبة للإسلام، لمن يعرفون كيف يتحركون في سبيل الإسلام، فعلاً, ومن لا ينظرون نظرة قرآنية يجدوها فترة مظلمة, و فترة رهيبة, هي فعلاً رهيبة وخطيرة, لكن لمن لا يتحركون على هدى القرآن، فهي خطيرة ورهيبة فعلاً، هنا في الدنيا، وفي الآخرة) محاضرة آيات من سورة الكهف.

 

وأمام هذا الواقع, وهذه الأحداث الخطيرة لم يصل إلى قلب السيد مثقال ذرة من اليأس والإحباط بل كان يرى بأنها من أفضل وأحسن الفترات بالنسبة للإسلام, لأنّنا في عصر تساقطت فيه كل الرؤى, والنظريات, ولم يبقَ إلاّ المشروع القرآني الذي يستطيع قيادة الأمة, والإنتقال والإرتقاء بها, وتغيير واقعها إلى الأحسن والأفضل لكن لمن يفهمون القرآن, ويسيرون على هداه فيقول: (أما من يسيرون على هدي الله، على هدي كتابه – على حسب فهمنا وتقيمنا – أنّها من أفضل المراحل في تاريخ هذه الأمة، لمن يعملون في سبيل الله فقط, لمن يتحركون في سبيل الله, وعلى أساس كتابه, وأنها يبدو ليست مرحلة من سنة، أو سنتين، بل ربما قد تكون من نحو عشر سنين تقريباً، من نحو عشر سنوات بدأت متغيرات بشكل عجيب في هذه الدنيا) محاضرة آيات من سورة الكهف.

 

* نقلا عن :موقع دائرة الثقافة القرآنية


في الجمعة 09 فبراير-شباط 2024 01:31:39 ص

تجد هذا المقال في الجبهة الثقافية لمواجهة العدوان وآثاره
http://cfca-ye.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://cfca-ye.com/articles.php?id=12401