|
البعض لاحظ أنني لم أعد أكتب عن المرتزقة المحليين إلا فيما ندر، رغم أني كنت أتسلى بنقدهم مرة أو مرتين في كل أسبوع. ربما أنني كبرت في السن، وللسن حكمه كما تعلمون، ولذلك مللت من شتم الجثث التي ما عادت تحس وتشعر بالخجل، أو ترفض المهانة، أو تتخذ قرارها بنفسها، ولقد آمنت بعد كل هذه السنين بأن إكرام الميت دفنه، ولو أن هؤلاء لا محاسن لهم لنذكرها!
الأمر لا يتوقف على مقال، أو كلمة تستطيع من خلالها أن تقوّم بها شخصا أعوج، بل إن الموضوع متعلق بدم نجس يجري في عروق البعض بسبب أكل المال الحرام، أو بسبب تحول جيني لتصبح المذلة جزءاً من تكوينهم، أو لوثة نفسية (ماسوشية) تجعلهم يفضلون من يذلهم ويهينهم. وكما ترون فهذه الأمور تتخطى قدراتي البشرية، بل وقدرات من هم أكبر وأعلم مني. ولعل هذا ما دفع جيفارا ليقول: "لو استطعت أن تقنع الذباب بأن الزهور أفضل من القمامة، حينها تستطيع أن تقنع الخونة أن الوطن أغلى من المال".
هناك من يعتقد أني أتكلم عن هؤلاء أو أنظر لهم بشيء من الدونية أو غيرها من التهم! ولكن دعوني أؤكد لكم أن هذا غير صحيح؛ فالنظرة الدونية تكون عندما ترى أن "الآخر" الذي من نفس "جنسك" أقل شأناً منك، بينما هؤلاء هم جنس لا يمكن أن تضعه في خانة معينة ضمن جدول تصنيف الكائنات الحية!
لقد نزل المرتزقة بأنفسهم لدرجة غير مسبوقة من الهوان، فحتى بعد كل ما شاهدناه من وقائع وأحداث حصلت وتحصل للأمة، وبعد مشاهد الدمار والخراب في فلسطين والتي حركت ضمائر شعوب في الطرف الآخر من الكرة الأرضية فتحركت لإيقافه، وحتى بعد أن رأوا حقيقة موقفهم بالغ السوء الذي لم ينلهم منه سوى الذل والهوان والاحتقار... لكنهم لم يتغيروا!
الكلام إلى هؤلاء المرتزقة أصبح عبثيا وبلا طائل. ونحن لدينا قضايا أكثر أهمية من الحديث مع الجثث، والعالم كله يراقب ما يحدث، ويترقب ماذا سنقول ونفعل. لدينا جزء من أمتنا ما يزال يعاني ويكافح، ولدينا عدو نمرغ أنفه في البحر ليكف أذاه عنهم، ولدينا المقاطعة والمظاهرات والدعم والتحشيد من أجل قضايانا... بينما هناك منحطون لم يكتفوا بالتفرج ويشعروا بالعار من تحركنا وقعودهم، بل إنهم لا همَّ لهم سوى أن يحاولوا إيقافنا عن التحرك، حتى نصبح مثلهم، كائنات بلا قيمة ولا شرف. فدعونا من الأشياء التافهة، وتعالوا نتحدث عن الأشياء الهامة؛ فنحن لسنا مثلهم.
* نقلا عن : لا ميديا
في السبت 10 فبراير-شباط 2024 11:31:06 م