|
انتصار الحق في جبهة المواجهة مع قوى الاستكبار والشرك والإجرام لا يعني زوال المخاطر، وتجفيف منابع التهديدات إلى الأبد، وإنما يعني البداية الحقيقية للمعركة المصيرية، معركةٌ العدو فيها لا يقول: اعلُ هبل، ولا يقول: إنها معركةٌ صليبية، ولا يقول: إنها معركةٌ يخوضها شعب الله المختار من الصهاينة اليهود للحصول على أرض إسرائيل الكبرى كما يزعمون عليهم اللعنة، وإنما هو عدوٌ يلبس لبوس الحق، ويتظاهر بالتقى والزهد والورع مدةً من الزمن، وقد يقدم الكثير والكثير من المواقف التي تصوره في عيون الناس مؤمناً صادقاً سباقاً عدلاً محسناً لا يرقى الكثيرون ولو إلى جزء مما رقى إليه هو، عدوٌ يرفع المصاحف على أسنة الرماح، ويبني المساجد ويشجع على تلاوة وحفظ القرآن الكريم.
وهذا العدو هو العدو الأخطر والأشد خبثاً وإجراماً ودماراً وبغياً وطغياناً وفساداً من العدو الظاهري، لأنه يسعى للقضاء على الحق بأدواته وطقوسه ومعانيه وشعاراته، ولكن بعد أن يمسخها من الداخل، ويعطل مضامينها وإيحاءاتها، ويفرغها من كل ما من شأنه أن يجعل الناس يعيشون الحرية المسؤولة، التي تكون العبودية لله أساسها ومنطلقها، وقطبها ومحورها، ويدفعهم لتحقيق التوازن بين المعاش والمعاد، بحيث تصبح الدنيا مزرعةً للآخرة، ويحقق لهم النمو والتكامل والسمو الروحي والفكري، ويعزز فيهم الحس الاجتماعي، ويزرع فيهم القدرة على قول الحق، والوقوف بوجه الباطل والظلم، والاحتجاج على كل محاولات الزيغ والتحريف والانحراف، والاستعداد لبذل الروح والمال والأهل والولد في سبيل كل شيء فيه مرضاةٌ لله سبحانه وتعالى، ليصبح الجميع بعد هذا المسخ والتعطيل والمحو والتحريف والتزييف؛ يدينون بالطاعة العمياء لكل مدعٍ لصيق طليق، لبس لبوس الحق على نفس خبيثة معجونة بالكفر والنفاق والفساد والشر والظلم والجهل والاستكبار.
إن هذا العدو التاريخي للحق، والذي لم يهزم الحق سواه في كل مكان وزمان وعصر؛ مكونٌ من فئتين هما؛ فئةٌ انتمت إلى جبهة الحق منذ البدايات، ولكن انتماءها هذا لم يكن نتيجة إيمان صادق، ووعي حقيقي، وقناعة راسخة، وإنما نتيجة الإحساس بالدونية والشعور بعقدة نقص أمام الآخرين، الأمر الذي جعلهم في ما بعد يسخرون كل ما نالوه من رفعة وموقع ودور وسلطة ونفوذ بفعل انتمائهم إلى جبهة الحق؛ للانتقام من كل مَن لم يرق لهم، أو لم يدن لهم بالذل والعبودية، ويضع نفسه بمستوى أحذيتهم.
وفئة الذين حاربوا الحق لعشر أو ثمان سنوات أو أقل أو أكثر، فلما يئسوا من هزيمته؛ قرروا الانضمام إليه، للانقلاب عليه بعد ذلك وهزيمته من الداخل.
* نقلا عن : لا ميديا
في الثلاثاء 13 فبراير-شباط 2024 07:38:34 م