الرفعة الحقيقية هي رفعة يوم القيامة
من هدي القرآن
من هدي القرآن

اللهم صل على محمد وعلى آله الطاهرين يقول الله تعالى: {بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ خَافِضَةٌ رَّافِعَةٌ}(الواقعة1) هذا حديث عن القيامة، الواقعة هي القيامة, وهي حقيقة لا شك فيها إطلاقاً {لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ}.

{خَافِضَةٌ رَّافِعَةٌ} تخفض ناس وترفع ناس, ناس ممن كانوا في الدنيا متجبرين وكبار, من العاصين لله سبحانه وتعالى, من المتجاوزين لحدوده, تخفضهم فيصيرون في أحط, وإلى أحط مستوى, يقفون ذليلين بين يدي الله سبحانه وتعالى, يقفون خائفين, يقفون متحسرين, ونادمين على ما يشاهدون من آثار لسوء أعمالهم في الدنيا.

ورافعة للمؤمنين, الإنسان المؤمن قد ربما في حياته في الدنيا عاش مستضعفاً, عاش محارَباً, عاش محتقَراً, يوم القيامة يكون رافعاً لرأسه, يكون مقامه رفيعاً, ويشاهد كثيراً ممن كانوا في الدنيا متكبرين متجبرين.

والتكبر والتجبر قد يكون أحياناً لا يختص بأصحاب المقامات الرفيعة, بأصحاب المناصب أو التجار, بعض الناس الفقراء نفوسهم, بعض المتجبرين يكونون فقراء, متجبر بمنطقه, بموقفه, بعناده, بإصراره, لكن لأنه ما يظهر تجبره بالشكل الذي يظهر تجبر الآخرين وتكبرهم, وربما هذا لو يتاح له فرصة, أو لو يعطى مقاماً, أو منصباً لرأيته طاغية من كبار الطواغيت.

والإستكبار قد يكون الإنسان وهو مستضعف في نفسه, مستضعف أمام متكبرين آخرين, وأمام جبارين آخرين, قد يكون هو نفسه مصنف من الجبارين, ومصنف من المستكبرين, حتى يأتي في بعض الأحاديث بأن الإنسان سيء الخلق مع أهله, مع أسرته, عندما تصبح أسرته تخافه, يهمونه عندما يدخل عليهم من باب البيت, زوجته, أولاده, أقاربه, كلهم كأنه دخل عليهم جبار! أنه يكتب عند الله جبار وإن لم يملك إلا أهله.

استنكاف الإنسان عن الحق يعتبر استكباراً أيضاً, رفض الإنسان للحق, سخريته من مواقف الحق, عناده للحق. فالإنسان قد يكتب عند الله من المتكبرين, من الجبارين؛ لأن الإنسان عندما يعاند, وإن كان فقيراً, وإن كان مستضعفاً من جانب آخرين, عندما يعاند الحق, عندما يعاند آيات الله عندما تتلى عليه يعتبر مستكبراً؛ لأنك لا تقف في موقف عناد للحق إلا وأنت في نفس الوقت تحمل مشاعر استكبار, وعلو, وعتو.

لاحظ كيف قال الله في القرآن الكريم: {وَيْلٌ لِّكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ يَسْمَعُ آيَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِراً كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْراً فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ وَإِذَا عَلِمَ مِنْ آيَاتِنَا شَيْئاً اتَّخَذَهَا هُزُواً}(الجاثية8) ما هنا سماه جباراً؟ هكذا قد تحمل مشاعر استكبار وعتو فتحشر مع فرعون, مع نمرود, مع الذين كانوا متجبرين؛ لأنك أنت في الواقع, أنت في الواقع, بنفسيتك, بروحيتك جبار, إنما لم يتح لك أن تكون مثل أولئك الجبابرة, عملياً يكون جبروتك أوسع, وإلا فهي نفس المشاعر الفرعونية تكون مع بعض الفقراء, مع بعض المساكين؛ ولهذا بعضهم قد تجده بمجرد أن يحصل على مقام, وظيفة معينة, أو أي منصب يحصل له, ما تدري إلا عندما يتكبر ويتجبر, وإذا به لم يعد ذلك الذي كان يبدو أمامك إنساناً عادياً, قد هو جبار, وقد هو مستكبر.

فلأن الإنسان قد يرى نفسه بمشاعر كبرياء, بمشاعر عتو, بمشاعر تجبر فيرى نفسه رفيعة وهو يصد عن عمل حق, وهو يكذِّب بحق, وهو يعاند حقاً, سيحشر يوم القيامة وهو منحط, خافض لرأسه, مقامه منخفض, معنوياته منخفضة.

الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم عرض أقوالاً لمن يعيشون حالة من هذه, حالة الإنكسار, والندامة, والحسرة يوم القيامة: {أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى علَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ}(الزمر56) يعرض أيضاً, وقد هم في داخل جهنم كيف ترحُّمهم واستعطافهم: {وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْماً مِّنَ الْعَذَابِ}(غافر49).

أليست هذه حالة انكسار؟ يقول عنه عندما يرى أعماله السيئة, ويتصفح صحيفته, ويرى الأعمال السيئة {يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي}(الفجر24) أليست هذه عبارة ندم وحسرة؟.

يقول أيضاً عندما يكون من الأتباع لأهل الباطل, الصادين عن دين الله: {إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُواْ مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ وَرَأَوُاْ الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّؤُواْ مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ}(البقرة167).

لأنه حتى أحياناً بعض الأتباع يصبح عنده روح الطغيان, والتجبر, والكبرياء, والعناد, والتمرد, وهو مجرد تابع؛ لأنه مقرب من مسؤول معيّن؛ لأن له كلمة عند مسؤول معين, تراه كذلك ينعكس في نفسيته جبروت, وطغيان، وعناد, وإصرار, وتمرد الذي يكون تابع له.

هؤلاء يوم القيامة يرون كل أعمالهم حسرات, ندامة شديدة, عذاباً نفسياً شديداً, عندما يجدون بأنه من كانوا معهم في الدنيا يصفقون لهم, ويؤيدونهم, ويعادون من أجلهم, ويوالون من أجلهم, وهم ناس ليسوا ملتزمين بدين الله, ناس محاربين لدين الله, في الأخير يرى هؤلاء يوم القيامة لا يعودون ينفعونه بشيء إطلاقاً يتبرؤون منه.

عندما تكون القيامة هكذا يظهر فيها الناس ما بين مثلما قال هنا: {خَافِضَةٌ رَّافِعَةٌ} فتخفض ناس وترفع ناس, أنه أنت لو تحاول في هذه الدنيا أن تكون رفيعاً, وبأي طريقة تريد أن تكون رفيعاً, ولو بأن تدخل في باطل, أن تقف مع باطل, أن تساند باطلاً من أجل أن تحصل على رفعة, فهذه الرفعة ليست هي الرفعة الحقيقية, ليست رفعة صحيحة, ليست رفعة إيجابية.

الرفعة الحقيقية هي رفعة يوم القيامة؛ لأن هذه في الدنيا قد تكون فترة قصيرة مهما رأيت نفسك رفيعاً, ورأيت الناس يرونك رفيعاً, فهي فترة قصيرة, هي عمرك في الدنيا, وعمر الدنيا بكله محدود, يوم القيامة ستكون ممن يكونون في الحضيض, وفي أحط مستوى, فتكون ممن يخفضون في ذلك اليوم.

هذا يعني بأن الإنسان يجب عليه إذا كان يحرص على سلامة نفسه هو أن يحسب حساب الآخرة, لأن الآخرة هي الحياة الأبدية, الدنيا هذه هي حياة محدودة, وعندما يكون عند واحد أمل أنه قد يتعمر عمراً كاملاً قد يرى نفسه بأنه ربما ما يتجاوز تسعين سنة, أليس هذا أكبر ما تفترضه لنفسك, تسعين سنة ليست عمر المحشر, ليست عمر المحشر, موقف الحساب, خلي عنك الحياة الأبدية, إما في الجنة أو في النار.

أما إذا كان قد أصبح الواقع هكذا, في هذا العصر, في مختلف أقطار الدنيا, انتشرت قضية الموت المفاجئ, وقالوا أن هذه هي من أعلام الساعة, موت الفجأة من أشراط الساعة, ومن علامات القيامة, فالإنسان يحاول أن يقدم لحياته, للآخرة, يحسب حساب الآخرة, وإن عانى في هذه الدنيا, وإن تعب في هذه الدنيا, وإن واجه مشاكل في الدنيا, وإن رأى أعداء الله متحزبين عليه, وإن رآهم يكرهونه, وإن رآهم يتآمرون عليه.

لا تحسب لهذه حساب؛ لأن كل هذه هي ستنتهي، وهي محدودة, وإذا أنت على حق, وأنت متجه على صراط الله المستقيم, فستكون كل هذه الأشياء لصالحك, تتحول بالنسبة لك إلى عبادة, كل تآمر يحصل عليك, كل محاولة لمشاكل تفتح عليك لا تكترث بشيء إطلاقاً في سبيل أن تأتي يوم القيامة آمناً, في سبيل أن تأتي يوم القيامة وأنت رأسك مرفوع, مطمئن, تضحك من الآخرين, الذين كانوا في الدنيا يضحكون منك, ويسخرون منك.

هذه هي القضية المهمة, الإنسان مع غفلته – خاصة عندما يكون في مقتبل شبابه – قد يكون عنده تفكيرات كثيرة, طموحات في مقامات, في وظايف, في مناصب, في أن يكون وجيهاً, في أن يكون كذا, كثير من الشباب يكون عندهم هذه التوجهات.

إسعَ في هذه الدنيا أن توفر لنفسك الرزق الحلال, إسعَ بكل ما تستطيع, وبكل ما تتمكن في حدود أنك ما تدخل في باطل, ما تدخل في محرم, ولكن ليكون هم الإنسان هو أن يحشر يوم القيامة آمناً, أن يحشر يوم القيامة وهو ممن يحمد الله, وهو ممن يرضى عن نفسه؛ لأنه يوم القيامة كما قال الله عن المؤمنين في سورة [الغاشية]: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاعِمَةٌ لِسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ}(الغاشية9).

فتكون يوم القيامة أنت ترضى عن نفسك, ترتاح من نفسك أنك عملت أعمالاً كثيرة, وكانت أعمالك صالحة, فترى جزاءها الحسن, فترضى عن نفسك, ويرضى الله عنك, وترضى عن الله, ترضى عن الله, وترضى عن نفسك, وترى أنك كنت في نصح نفسك, عملت في نجاة نفسك.

بينما الآخرين, تجد الآخرين كل واحد متحسر, كل واحد يعاتب نفسه, كل واحد يتألم على نفسه {أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى علَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ}(الزمر56) ما هؤلاء يلومون أنفسهم؟ يغضبون على أنفسهم؟ يكاد كما قال الله: {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ}(الفرقان27) يعض واحد أصابعه من الغيظ على نفسه هو, من الغيظ على نفسه أنه فرط في نفسه, فرط في نجاة نفسه, أضاع الفرصة التي سنحت له في الدنيا فرأى جهنم أمامه لها زفير, لها شهيق, لها تغيظ من شدة احتراقها, ويرى بشائر السوء وهو في المحشر عندما يؤتى صحيفة أعماله بشماله, من وراء ظهره, يرى أن قد هي بداية, بداية تعني أن مصيره إلى جهنم.

{وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيهْ وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيهْ}(الحاقة25) ما هذا تحسر؟ {يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ}(الحاقة27) ليت أن الموت الذي حصل في الدنيا أنه كان آخر ما يكون, فلا نبعث من جديد.

بينما المؤمن يحمد الله على البعث, يحمد الله وهو في مقام الحساب, يحمد الله عندما يدخل الجنة؛ لأنها كلها يجد نعمة عظيمة عليه أنه بعث من جديد ليلقى الجزاء الحسن, يرى في المحشر الناس خائفين وهو مطمئن, الناس في هول شديد وهو على الأرائك مع المؤمنين آكلين شاربين ويتفرجون على الآخرين, ويسخرون منهم, ويضحكون منهم.

{فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُواْ مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ عَلَى الْأَرَائِكِ يَنظُرُونَ}(المطففين34) تجد أناساً أبصارهم شاخصة, لا يعد يستطيع يطرِف بعينه, وأنت شارب آكل مرتاح على [كَنَب] على كراسي تضحك من أولئك وهم في حالة شديدة.

هذه هي القضية التي يجب أن الإنسان يحرص مهما عانى, مهما تعب, مهما لقي من مشاكل من أجل الحياة الأبدية, أن يقدم على الله وهو آمن فيها, يفوز برضوان الله, يفوز بجنته, فيكون راضياً عن نفسه, ويكون ممن ترفعهم القيامة.

لاحظ عندما يقول هنا: {خَافِضَةٌ رَّافِعَةٌ} ما هو يتحدث عن القيامة؟ أي ستحصل هذه في القيامة, فتخفض ناس وترفع ناس.

 

  [الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]

 

دروس من هدي القرآن الكريم

من ملزمة آيات من سورة الواقعة

ألقاها السيد/حسين بدرالدين الحوثي

بتاريخ:10رمضان1423هـ

اليمن-صعدة

*نقلا عن : موقع أنصار الله


في الأحد 18 فبراير-شباط 2024 11:03:15 م

تجد هذا المقال في الجبهة الثقافية لمواجهة العدوان وآثاره
http://cfca-ye.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://cfca-ye.com/articles.php?id=12573