|
كلما أمعن الواحد منا النظر في صفحات التاريخ، لاسيما تاريخ صراع الحق مع الباطل، التاريخ الذي يكتمل فيه البناء والتشكل لكلا المعسكرين، وكلتا الجبهتين؛ شعر باليأس والإحباط يحاصرانه من كل اتجاه، ويقولان له: إن إمكانية النجاح لأي حركة رسالية في صنع التحول الكبير، وإحداث التغيير المنشود، وتحقيق النهضة والبناء بمفهوميهما الشاملين على مستوى الحاضر والمستقبل؛ أمرٌ يستحيل الوصول إليه. وذلك ليس نتيجة عدم وجود الرؤية الكونية والفكرية، أو كثرة النقائص والإشكالات والفراغات التي قد تعاني منها أي حركة رسالية في طور النشأة أو الفتوة، أو المراهقة الأيديولوجية، ولا نتيجة غياب القادة والنماذج العظيمة التي تمدها بالسلوك والخلق والآلية التي تضبط الحركة والمسار العملي، أو تنقلها من ساحة الفكر إلى ساحة التطبيق والممارسة، بالمستوى الذي يخاطب الحس، ولا يقف متقوقعاً في عالم التجريد، وإنما نتيجة نزوع الكثير من المنتمين والعاملين في هذه الحركة أو تلك وخصوصاً الذين يعنون بتحمل المسؤولية الإدارية والاجتماعية والتثقيفية إلى التأثر بما كان سائدا من أساليب وطرق وأفكار في عهد الطغاة والمستكبرين، بل إن البعض نتيجة وجود نزعة الطغيان والتكبر والغرور في ذاته من حيث الأصل؛ لم يكن ارتباطه بالحق قيادة وأمة ومشروعا وتوجها عمليا إلا لقلة حيلته، وضعف قوته، وهوانه على الناس، لذلك فإنه عندما يصبح ذا شأن، وصاحب منصب ونفوذ ومكانة؛ فلن يحتكم إلى الله، ولا إلى رسوله أو وليه؛ وإنما سيحتكم لتلك النزعة الشيطانية التي ظلت مكبوتةً في دواخله برهة من الزمن، وتلك السمة المتأصلة في ذاته، وهي سمة الطغيان والظلم والاستكبار والبغي، ولا تكاد تخلو فترة من فترات تمكن وظهور أهل الحق عبر التاريخ من هذه العاهات والنماذج الفاسدة المفسدة.
إن هدى الله لا يُثمر ويقوى وينمو ويشتد إلا في النفوس الحرة من الداخل، الملتزمة للإيمان كقناعة ووعي راسخ، والمنطلقة في سبيل الله بنفس طاهرة خالية من الرواسب والعاهات والدنايا، ليس فيها ميل أو انجذاب لإله غير الله عز وجل، أما الذوات المنتفخة بالأوهام المليئة بالعيوب والمثالب والنقائص، المتخذة لهواها إلها فلن يثمر فيها زرع الهدى، ولن يؤثر فيها دين أو خلق، فالانتماء للحق والتجند تحت لوائه في منظورها؛ مجرد مرحلة من المراحل المطلوب السير فيها للوصول إلى الأهداف الشيطانية التي يبدأ الإفصاح عنها من قبل تلك الذوات عملياً بعدة طرق، منها ادعاء الكمال والعصمة في كل شيء، وتجريم النقد بكل أنواعه، وتحويل المنهاج إلى وسيلة أو غطاء للتخفي خلفه، بعد تحريفه وقولبته بالشكل الذي يجعله متناسبا مع الوضعية التي عليها الواقع بكل ما فيه من سلبيات وإيجابيات، فالمطلوب بنظر هؤلاء هو نزول النهج والثقافة والمشروع والثورة والرسالة إلى مستواهم، وليس الترقي والنهوض بأنفسهم وواقعهم حتى يكونوا بمستوى كل تلك المسلمات، لذلك يبقى هذا الأمر هو الكابوس الحقيقي والمخيف؛ إنه كابوسٌ نعيشه ونحن في الذروة من الصحو والانتباه!
* نقلا عن : لا ميديا
في الأربعاء 21 فبراير-شباط 2024 08:23:44 م