|
تتدفق الهواجس والأفكار المستوحاة من حركة وطبيعة الحاضر جمراً من عين المعاناة محرقةً كل ما نتوسده ونستند إليه من الأحلام والآمال والطموحات، فاتحةً أمامنا آلاف الأبواب المؤدية إلى المجهول في كل شيء، ولا شيء أمر على النفس من سلبها كينونتها وحريتها وتطلعاتها الروحية والمادية، بعد أن تعلقت بآفاق الفجر، وأمسكت بخيوط نور الحقيقة، وأنشدت بالكلمة والرصاصة لصحوة الضمير، والعودة إلى الذات، وبنائها بناءً جهادياً إيمانياً، لتصبح حرباً على الفساد والظلم والجمود والعجز والجهل والتخلف، ثورةً بوجه كل الطواغيت والمستكبرين، مقدسةً للعقل والعلم، سائرةً في خط وميادين وساحات القيام لله على بينة وبصيرة من أمرها، وبكل ما ينفع الناس في معاشهم ومعادهم، ولكنْ هيهات؛ فما إنْ تنتصر في ميادين وسوح الصراع والمواجهة مع العدو الصريح، الذي احتل أرضك ودمرها، ونهب ثرواتك واستبد بمجتمعك وأمتك، ومسخ العقول وسمم الأفكار؛ حتى تدخل في معركة لا سقف ولا حدود لحركتها، ولا سبيل لإدراك طبيعتها، ومعرفة أهدافها وأشخاصها وميادينها إلا من خلال الذوبان في المشروع الذي انطلقت على أساسه، والتمسك بالثوابت والمباني والأهداف والرؤى والمحددات التي تبنتها وقامت من أجلها ثورتك، وبذل الخلص دماءهم ومهجهم لتحقيقها على أرض الواقع، لأنك سوف تواجه أكثر من لص، وأكثر من كذاب، وأكثر من منافق وظالم وفاسد وباغ وعاجز ووصولي ومستهتر ونفعي، وكلهم يستظل بظل الأنبياء والرسل، ويرتدي ثوب الصلاح، ويتظاهر بالعفة والطهارة والتقى ولين الجانب والزهد وحسن الخلق، يقول بتولي أولياء الله، ويعمل بالولاية لأعدائه، قلبه ولسانه مع الحسين، وأعماله وخطواته وقراراته متبنية لنهج وخط ومسلك وسياسة يزيد وابن زياد!
إنهم لايزالون مجهولين لدى السواد الأعظم من الثوار المجاهدين الأحرار، على الرغم من الطفرة المخيفة في سرعة توالدهم وانتشارهم وكثرتهم، إذ يتكاثرون تكاثر الجراد من حين لآخر! ولكي تتسنى لك معرفة جزء منهم؛ انظر إلى طبيعة تعاملهم مع ما يطرحه القائم بالقرآن سيد ثورتك أيده الله، من قواعد ومعالجات وحلول تربوية وسياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية وأخلاقية، وتأملْ كيف يلتفون عليها، ويفرغونها من محتواها، ويحولونها من لبنات للبناء، وأفكار للنهوض والتقدم والرقي؛ إلى معاول للهدم والتدمير، وأفكار ونظم لتعميق التخلف، وتعزيز الفرقة والاختلاف، وتأبيد الجهل، وحماية الفاسدين والعاجزين، والنزوع نحو الفراغ، والاكتفاء بالشكليات والمظاهر الموحية بالتزام المشروع لا أكثر من ذلك ولا أقل!
إن اللص الحقيقي، والمجرم الأشد جرماً من فرعون هو الذي يسرق آمالنا وأحلامنا وطموحاتنا، ويقدم شهادة من واقع العمل والممارسة لأعداء الله على أن أهل الحق عاجزون على إقامة دولة العدل الإلهي، وتقديم نموذج حضاري شامل لكل جانب من جوانب الحياة والإنسان، وإن مسؤولاً تأتيه التوجيهات الصريحة والواضحة لإنصاف فلان من الناس، ثم يتجاهل ذلك كله، فيمر الشهر والشهران، والعام والعامان وذلك المواطن ينتظر؛ فعارٌ علينا إبقاء جزء ولو بسيط من مستقبل ومصير الشعب بيده، لأن مَن قصر بحق فرد، سيكون أكثر تقصيراً بحق المجتمع بكله.
وأخيراً؛ فإن هنالك تيارا عانت منه الأمة الإسلامية طوال تاريخها وحتى الساعة، هذا التيار يحاول غرس قناعة في الوعي الجمعي للمسلمين مفادها أن رسل الله وورثتهم مجرد دعاة وموعظين، أما الفعل والحركة فليست من اختصاصهم، لذلك فالنبي والولي بمنظورهم؛ شخص عادي، قد يصاب بالخرف، ولا داعي للاهتمام بكل ما يطرح، وتنفيذ كل توجيهاته، فهو أُذُن تسمع لهذا وذاك، ولا علم لها بالواقع وما ينفعه أو يضره، وقد لا يقولها المعاصرون اليوم بهذا الوضوح، ولن يجرأوا على ذلك، لكنهم هم نفسيةً وعملاً وأسلوب حياة لا فرق بين السلف والخلف على الإطلاق.
* نقلا عن : لا ميديا
في الثلاثاء 05 مارس - آذار 2024 08:46:25 م