|
كل الشطحات والسقطات والانحرافات العملية التي حدثت أو ستحدث في واقعنا العام لا يمكن بقاؤها واستمراريتها إلى ما لا نهاية، كما لن نجد عائقاً بيننا وبين التخلص من آثارها وتبعاتها الهدامة القاتلة إلا إذا صاحبها مجتمعةً توجه فكري وثقافي وإعلامي، لا هم له سوى فلسفتها وتبريرها، ومنحها صبغةً عقائدية ودينية، فيتلقاها الناس على أنها تعبيرٌ عن الرقي، ومثالٌ للثبات والوعي والاستقامة والتقوى، وشاهدٌ حيٌ على بعد نظر صانعيها، الذين يتصورون لأنفسهم مكانةً أعلى من كل شيء، ويفرضون على الكل الانقياد لهم، والتسليم بأن كل ما يقولونه أو يفعلونه أو يقررونه هو الدين بكل ما يشتمل عليه من ثوابت وقيم ومبادئ، مهما جانبت تلك الأقوال والأفعال والقرارات هدى الله، وخالفت الخطوط العامة، وتسببت بإيجاد الأمراض والأزمات والكوارث الاجتماعية، التي يكون السكوت عن أقلها خطورةً، وأخفها ضرراً أساساً لتهيئة المناخ المناسب، والبيئة الملائمة لتوالدها وتناميها واتساعها، فإذا ما أمسى المرء على غصة واحدة، ومشكلة أو إشكالية محددة، أو خطء بسيط؛ لن يأتي عليه صباح اليوم التالي إلا وقد حمل له آلاف الغصص والمشاكل والإشكالات والأخطاء المعقدة الشاملة ذات الجذور والامتدادات التي لا تخطر على كل ذي بال مهما اجتهد وأخلص وثبت في ساحة مواجهتها وحلها، ومعالجة كل ما نتج عنها من سلبيات ومعوقات انعكست على الحياة والمجتمع بشكل عام، وتسببت بإعاقة العقل عن التفكير بطريقة للخروج من زواياها المظلمة، وجحيمها الأبدي.
إن السكوت عن شيء من الباطل أو الظلم أو الفساد أو التحريف أو الانحراف في الوسط الذي هو معنيٌ باتخاذ الموقف الحاسم منها سواءً قلّت أم كثرت، وسواءً كان مصدرها فردا أو جماعة من أبناء المجتمع، أو ساسة وقضاة وإداريين وأصحاب سلطة ومكانة وسابقة مشهودة في ساحة الدفاع عن الحق هو الشر الذي ما بعده شر، وهو المقدمة اللازمة لحدوث الفشل الذريع والسقوط المدوي للمجتمع برمته، حتى وإنْ حاول ذلك المجتمع أنْ يتفادى مغبة السقوط والفشل والخزي المحتوم في ما بعد، وذلك بالعمل الجاد والدائم على إصلاح ما فسد منه، نتيجة السكوت عن بعض الأخطاء والمخالفات والمفاسد وكل ما يختزن شيئاً من باطل وظلم وتعدٍ وجور واستكبار وانحراف وتراجع وتحريف ومسخ، فإنه لن ينجح، وسوف يذهب كل ما يقدمه هباءً منثوراً؛ لأن مَن أقعده الجبن، ومنعه الخوف عن القيام بدوره كجندي لله بقيادة الإمام علي أو الحسين عليهما السلام؛ لن يكون لصحوته المتأخرة أدنى أثر لصالح الحق، ولن يزداد الباطل الذي عزم على مواجهته بعد فوات الأوان إلا قوةً، حتى وإنْ أبلى في ساحة المعركة الشاملة بلاء التوابين، ولاقى مصيرهم.
فلنكن حسينيين يسيرون بسيرة عليٍ فكراً وسياسةً واجتماعاً وحرباً وسلماً وعدلاً وخلقاً، وفي كل الساحات، ولنحمل روحية التوابين في الفداء والفناء في الحق، مع نظرة الحر الرياحي، ومسارعة زهير بن القين، ويقين عمار بن ياسر، لكنْ في ظل القائم بالحق، وتحت لوائه، بعيداً عن التثاقل وغض الطرف، مع كل أشعث، والتماشي مع كل طليق ودعي، والتبرير لكل منقلب على عقبيه، والإشادة بكل مَن أخلد إلى الأرض، واتبع هواه، فالواقع يدعونا أن نكون توابين في ظل الحسين في الامتداد الروحي والجهادي الثوري والمنهجي، إذ بذلك يسود الحق، ويتلاشى ويضمحل ويزول الباطل.
* نقلا عن : لا ميديا
في الأحد 10 مارس - آذار 2024 07:14:37 م