|
طه العزعزي / لا ميديا -
السؤال نفسه يراودني منذُ أيام: كيف سيكون الحال حقاً؟! مواصلة الأكل، الشعور بالشبع على الدوام، ثم النوم بكل أريحية ودون شعور بغد آخر، ليأتي شهر فشهر ثم آخر إلى أن تكتمل السنة، وأنت هو ذاته الكائن الابتلاعي الموحش، المقزز والممل الذي لا طعم ولا روح لحياتك، كائن نمطي وغريزي أشبه بحيوان قائم على رجلين، ومن دون أي شعور!
بإمكان أي إنسان منا أن يؤذي روحه، أن يقتلها، بكل سهولة يمكنه فعل ذلك، دون أي اعتبار أو مراجعة فلسفية في حياته. الإنسان دائم الطعام، هو عبودي بلا أي تفسير، تستغله الحاجة المادية على نحو مستمر، حتى لا يكاد يتحرر منها، الحُرية أيضاً روحية، والحرية الروحية تقود دوماً للترفع، الإنسان الحر روحياً قادر على أن يخلص جسده من اللعنة المتواصلة، وذلك من خلال استعانته بالجوع، وفي نظري الشبع أيضاً مرض خطير وثقل عنيف، ينفخ الأنا الداخلية ويقتل الضمير الإنساني.
الإنسان صاحب نشاط جسدي مميز من بين كل الكائنات الحية دون أدنى شك، تجد قوامه نادرا ومميزا؛ غير أنه هلع وبشكل فطري لتحويل كل شيء إلى رصيده، من حيوانات ونباتات وأشجار وأحجار، ويبدو ذلك عليه على الدوام، وهو ما يوقعه في التقليدية، النمط السائد، الذي لا رادع له من الداخل. من الصعب دوماً أن ننظر للحياة على كونها حياة. لا بد على الأقل يوماً ما أن ننظر لها بوصفها موتاً. هكذا نتعلم من تراجيديا الوجود، ومن النقيض، لا كائن مستمر، لا بد من نقيضه، الاستمرار خطر، والراحة المتواصلة خطر أيضاً. لا بد من أن يتعب الجسد، ويشعر لساعات بخواء غذائي مادي، لا بد أن يتشبع بالغذاء الروحي، الأمر مثالي هنا ومقدس، جربوا ذلك.
التعامل مع الأطعمة بمعدة توسعية ضنك لا تسلم منه الروح ولا الجسد، فالمعدة التي هي عضو عمل دنيوي، لن يسلم من تحرشها لأوقات إنسان روحي مخلص بمعنوية وثقة عالية للروح وجوهرها، لا يعرف الإسفاف المادي، ولا صوتية البلع، إن إسكات تحرش المعدة المسبب للجوع والتعب والشعور بالدوار حتى يفقد الجسد وظيفته، نابع من وظيفية جسدية غير مستقلة، وإنما متكاملة في الجسد، عضواً عضواً، ولكن هذا لا يعني رمضان، الذي هو ترتيب منتظم يستحق الجسد تعبه المحدود.
رمضان زمن فيزيائي يُغير ولا يتغير، وهو الصلة التي تعطي أدوارا مهمة بين ماهيات روحية وجسدية في هيكل الإنسان، ودلالة ذلك غالباً ما تكون حاسمة وملائمة من خلال انتصاف اليوم، ليل/ نهار، جوع/ شبع، عطش/ ارتواء، نوم/ يقظة، تعب/ راحة.
وأخيراً، بالنسبة لي لو لم يكن هناك رمضان لخلقته لنفسي، أصفو وأعيش الجو المناسب والحقيقي الذي سيسعدني فأبهج به روحي، أغير به جوهرانية النفس وذاتي العميقة لأصد روتين مملا ومجهدا، محدثاً تغييراً بيولوجياً، ورياضة للمعدة وللذهن، وشعوراً إنسانياً على درجة من الرقي.
في الأحد 10 مارس - آذار 2024 07:18:25 م