|
«لا وجود لحلّ عسكري خالص لجميع التهديدات المعقّدة التي نواجهها في الشرق الأوسط، والذي يمرّ بوضع غير محتمل وغير مسبوق، حيث اليمن يصنّع الكثير من الطائرات المُسيّرة ولدينا تحديات في ذلك، وهذه المُسيّرات اليمنية واحد من أكبر التهديدات لأنها غير مكلفة وهي سلاح موجه بدقة».
في الواقع، ما ذُكر أعلاه يمثّل ملخصا موضوعيا لتصريحات مسؤول عسكري أمريكي، وتحديداً لقائد القيادة المركزية في منطقة الشرق الأوسط؛ مايكل كوريلا، حول تقييمه لمسار المواجهات التي تجري في البحر الأحمر ومداخله الجنوبية الشرقية من اتّجاه خليج عدن.
فما هي الأسباب التقنية التي أوصلت معركة الأمريكيين بمواجهة اليمنيين إلى هذا المستوى من الفشل، بالرغم من فارق القدرات والإمكانيات العسكرية، الأمر الذي استطاعت الوحدات اليمنية من خلاله إثبات مناورتها البحرية عسكريا دعما لغزّة؟
وهل يمكن القول إن كوريلا تسرّع في إطلاق تصريحات حساسة، تؤشر إلى اعتراف ضمني بخسارتهم المعركة ضدّ اليمنيين في تلك المنطقة البحرية الحساسة؟
من الناحية العسكرية، هناك عدة تفسيرات وراء نجاح المناورة اليمنية بمواجهة القدرات الأمريكية والبريطانية، وهي:
1. لا يخوض اليمنيون اليوم مواجهة عسكرية جديدة عليهم، فهم منخرطون في نفس المواجهة تقريباً منذ ثماني سنوات، وتحديداً ضدّ وحدات خليجية وغربية، مارست عدوانها على اليمن بقدرات وبأسلحة جوية وصاروخية أمريكية وبريطانية مماثلة لما يتعرضون له اليوم، وخلال كلّ هذه الفترة (8 سنوات) تمرست الوحدات اليمنية على القتال ضدّ هذه القدرات الغربية، واستطاعت أن تنجح بمواجهتها، لناحية التأقلم مع القصف الجوي والصاروخي، أو لناحية تطوير وتفعيل قدراتها الصاروخية والمسيرة، والتي تشكّل اليوم عماد معركتها ضدّ الأمريكيين في البحر الأحمر وخليج عدن.
2. قد يكون أيضاً الموقع الجغرافي الحيوي لليمن، أحد عناصر نجاح مناورة أبنائه في هذه المعركة الحساسة اليوم، حيث تمسك هذه الجغرافيا ميدان تأثيرهم وتدخلهم كاملا، بين خليج عدن مروراً بالمعبر البحري الإجباري لكل السفن في باب المندب، وصولا إلى مساحة كبيرة من البحر الأحمر، ولتكون أيضاً، انطلاقا من هذه الجغرافيا المتحكمة بهذا الميدان البحري، المسافة القريبة بين مواقع إطلاق الصواريخ والمسيّرات اليمنية وبين أهدافها البحرية، أحد أهم العوامل المناسبة تقنيا لتوجيه الصواريخ والمسيرات بدقة وبفاعلية وبسرعة، كفيلة بتحقيق أهداف أغلبها قبل نجاح الدفاعات الأمريكية في اعتراضها.
لناحيــــــة التسرع الأمريكــــــــــي بإطلاق هذه التصريحات (الانهزامية)، يعتبر البعض أنّهم حقيقة تسرعوا في إطلاقها، وأنه كان من المفترض بهم الانتظار بعض الوقت قبل إطلاقها، على الأقل لكي تظهر نتائج المفاوضات بين «إسرائيل» وبين حركة حماس، والتي سيكون لها تأثير مباشر على وقف اليمنيين لمناورتهم المساندة والداعمة لمعركة الشعب الفلسطيني ضدّ الاحتلال «الإسرائيلي»، فيما لو وصلت هذه المفاوضات إلى تسوية مقبولة من الفلسطينيين.
ولكن من جهة أخرى، هناك من يبرر هذا الموقف الأمريكي، حيث يعتبر الكثيرون أن الأمريكيين أصبحوا مضطرين لهذا الاعتراف لعدة أسباب وأهمها:
- لقد فرض الاشتباك نفسه لمصلحة اليمنيين، بعد أن اكتشف الجميع أن التدخل الجوي والصاروخي الغربي والأمريكي تحديداً ضدّ قواعد إطلاق المناورة الصاروخية والمسيرة اليمنية لم يعط اية نتيجة، لا بل، بمواجهة هذا التدخل الغربي العالي المستوى عسكريا، تتصاعد قدرة التأثير للقدرات العسكرية اليمنية يوماً بعد يوم، وأيضاً توسعت أهداف هذه القدرات وتطورت لتطال، وبفاعلية، السفن الحربية الأمريكية والبريطانية مباشرة.
- أيضاً، يبدو أن الأمريكيين، ومع عدم رؤيتهم إمكانية وجود حل قريب لاكتمال التسوية بين «إسرائيل» وبين حماس، ومع تزايد الضغوط الدولية لضرورة وقف العدوان على غزّة ولضرورة إيجاد حل للمشكلة البحرية في البحر الأحمر والتي سببها هذا العدوان، رأوا وجوب البحث عن حل سياسي، وجاء إعلانهم هذا حول استحالة الحل العسكري مع الموقف اليمني، كمقدمة لإطلاق هذا الحل السياسي.
من هنا، ومع اعترافهم باستحالة الحل العسكري ضدّ اليمن، وتماشيا مع موقفهم الرافض لحصول مواجهة واسعة في المنطقة، يرون أنها لن تكون حتما لمصلحة «إسرائيل»، ويرون حتما أن الروس ينتظرون بفارغ الصبر تورطهم بها، أصبح واضحاً أن الأمريكيين سوف يلهثون وراء الدفع باتّجاه سلوك التسوية بين «إسرائيل» وبين حركة حماس، وحتّى لو تأخرت بعض الشيء، وأصبحوا مضطرين لإكمالها رغما عن حليفتهم «إسرائيل».
* نقلا عن : لا ميديا
في الأربعاء 13 مارس - آذار 2024 03:15:11 ص