|
أثارت عملية اسقاط الولايات المتحدة الأمريكية للمساعدات في قطاع غزة الكثير من التساؤلات عن الهدف والمغرى لهذا العمل.
وتأتي هذه التساؤلات باعتبار أن واشنطن هي أكبر ممول لإسرائيل عسكرياً، وهي التي تدير حرب الإبادة الجماعية بشكل مباشر في غزة، كما أن هذه المساعدات أدت إلى مقتل مدنيين، وتأتي كذلك في ظل تأكيدات بعض المسؤولين الأمميين أنه "لا الرصيف البحري ولا عمليات الإنزال الجوي فوق غزة ستمنع المجاعة".
وفي هذا الشأن يقول رئيس قسم علم الاجتماع بجامعة صنعاء، وعضو مجلس الشورى الدكتور خالد يحيى علي العماد: إن إسقاط المساعدات من الجو طريقة سيئة ولن تساهم كثيراً في تخفيف الأزمة الإنسانية في غزة، مشيراً إلى أن الإسقاط الجوي على غزة عملية تخدير للشعوب العربية المتعاطفة مع غزة، علماً بأن طريقة رمي المساعدات من الجو لا تلبي احتياجات 2.2 مليون من سكان غزة، الذين يواجهون المجاعة، في حين ما يتم اسقاطه من مساعدات قليل جداً وغير منتظم، فالأجدر أن تفتح المعابر، وأن يكون للحكام العرب موقفاً حازماً من قضية غزة.
وعن أسباب عدم ادخال المساعدات من منفذ رفح يوضح العماد في تصريح خاص لصحيفة "المسيرة" أن هناك اتفاق ثلاثي بين مصر وأمريكا وإسرائيل، جعل الأخيرة لا تسمح بدخول الغذاء والماء والدواء وغيرها من الإمدادات عبر معبر رفح على الحدود المصرية الجنوبية، مشيراً إلى أن عمليات الانزال الجوي في ظل الأوضاع الكارثية التي يشهدها قطاع غزة مع استمرار العدوان الإسرائيلي، فرص جيدة لالتقاط الصور والدعاية، ولكنها طريقة رديئة لتقديم المساعدات التي لا تلبي احتياجات الشعب الفلسطيني، مؤكداً أن موقف أمريكا ومصر بالسماح للاحتلال الإسرائيلي بإملاء شروطه وتحكمه في دخول المساعدات إلى غزة سيكلفها ثمناً باهظاً سواء تجاه السياسة الخارجية للولايات المتحدة أو لمصر، أو تجاه الدعم السياسي الداخلي لهما.
وأضاف: "في حين تم دفع الفلسطينيين في غزة إلى حافة الهاوية المطلقة، فإن إسقاط كمية رمزية تافهة من المساعدات دون خطة لتوزيعها الآمن لن يساعد الفلسطينيين، بل يهينهم بشدة، وبدلاً من عمليات الإسقاط الجوي العشوائي في غزة، على الولايات المتحدة قطع تدفق الأسلحة إلى الاحتلال الإسرائيلي التي تستخدم في الهجمات العشوائية، والضغط من أجل وقف فوري لإطلاق النار والإفراج عن الأسرى، والإصرار على أن تفي إسرائيل بواجبها في توفير المساعدات الإنسانية، وغيرها من الخدمات الأساسية.
طريقة مهدرة وفرصة للدعاية
من جانبه يقول الناطق الرسمي باسم وزارة حقوق الانسان سند الصيادي إن عمليات الإسقاط الجوي هي طريقة مهدرة وغير كافية لتقديم المساعدات الإنسانية، وعلى المدى القصير هي فرصة للدعاية فقط، وتعكس الفشل في معالجة المشاكل الحقيقية والمتنامية داخل قطاع غزة.
وأضاف أنه وبقدر ما يفسره البعض بأن الاسقاط الجوي لمساعدات الإغاثة في قطاع غزة محاولة أمريكية لتحسين صورة إدارة بايدن الاجرامية المشوهة بناء على مواقفها السياسية واللاإنسانية المعلنة تجاه العدوان على غزه، إلا أنه لا يمكن توصيف السلوك الأمريكي وطريقة تقديمها للمساعدات إلا بكونها تكريس لمخطط القتل والاهانة والاذلال والتهجير للشعب الفلسطيني، وقد لمسنا كيف أدت هذه المساعدات الشحيحة إلى قتل الفلسطينيين واظهارهم بتلك الصورة، وهذا السلوك لا يضيف جديداً إلى الموقف الأمريكي المتقدم في عدائه وفي مشاركته بالعدوان على غزة.
ووفق الصيادي فان عمليات المساعدات لغزة تبدأ من وقف العدوان على نسائها وأطفالها والسماح بإدخال المساعدات من المعابر الحدودية، وهو ما ترفضه واشنطن وما وقفت ضده بكل بجاحة في المحافل الدولية، وقد سبق أن عطلت أكثر من قرار أممي في هذا السياق.
مؤشرات خطيرة
وتحمل عمليات الإنزال الجوي لمساعدات الإغاثة في قطاع غزة مؤشرات كثيرة تؤكد على استمرار مواصلة المساعي الأمريكية والإسرائيلية، على اذلال الشعب الفلسطيني وكذلك كل الشعوب العربية والإسلامية التي لم تتحرك حتى الآن.
وتتفق تقديرات محللين على أن سماح الحكومة الصهيونية بإلقاء شحنات المساعدات الإنسانية من الجو، ومنع إدخالها من المعابر البرية، مؤشر على استمرار الإبادة الجماعية عن طريق الحصار، ورغبة الاحتلال في التمسك بموقفه الرافض لأي حلول، وكذلك لا توجد رغبة دولية في ادخال المساعدات إلى قطاع غزة براً، وكذلك تكشف حجم التنسيق بين الاحتلال وتلك الدول التي تعلن عن عمليات إنزال المساعدات جواً، والتي بمقدورها الضغط لوقف حرب الإبادة، بدلاً من استمرار حرب التدمير والقتل والتجويع.
وفي السياق تقول الدكتورة نجيبة مطهر مستشار مكتب رئاسة الجمهورية لشؤن المرأة، أن إنزال المساعدات ليس لإنقاذ الجائعين بقطاع غزة بل هو مخطط أمريكي قيد التنفيذ للقتل البطيء لسكان قطاع غزة للمدى القريب والبعيد، وجزء كبير سيكون بعد الحرب، والسيناريو أثناء الحرب للمزيد من الحصار والتجويع لأشغال السكان من مقاومة المحتل، ولكي يبقوا منتظرين لتلك الانزالات، وكذلك لما بعد الحرب هو استمرار الاحتلال في إغلاق المعابر للتضيق على سكان غزة.
وتضيف مطهر أن هناك علامات استفهام لانزال أمريكا المساعدات على غزة وهي الحليف الاستراتيجي والداعم الرسمي العسكري والسياسي والمالي للصهاينة تنزل المساعدات جواً، وهي تستطيع ادخالها برا من المعابر، مؤكدة أن ذلك يشير إلى مخطط أمريكي إسرائيلي قادم لأحكام الطوق حول غزة وتجويع سكانها وإشعال الفتن بين أبنائها من خلال تلك الانزالات الكارثية والعبثية.
وحول الدعاية الأمريكية لإنشاء ميناء بحري في قطاع غزة لاستقبال المساعدات الإنسانية عن طريق البحر، والأهداف الخفية من ذلك، يرى مراقبون أن إنشاء ميناء مؤقت لإدخال المساعدات الإنسانية لقطاع غزة يأتي كبديل عن العمل لوقف العدوان ضد سكان القطاع، ولأخذ الوقت الكافي لاستمرار تدمير القطاع وعزل شماله عن جنوبه، وعدم السماح بعودة النازحين إلى مناطقهم، مؤكدين أن ذلك الميناء المزعوم لا يحمل أي أهداف إنسانية، بل هو استعماري في المقام الأول، ويهدف إلى استكمال مهمة قوات الاحتلال الإسرائيلي والتغطية على مجازرها.
وبحسب المراقبين فان أمريكا لا تقدم على خطوات ومشاريع بريئة أو لها أهداف إنسانية، لا سيما في فلسطين، حيث أمريكا وأدواتها وحلفها تقود حرب الإبادة في قطاع غزة، وقواتها البرية تشارك في المذابح هناك، فيما تعمل على تأمين إسرائيل دبلوماسيًا وعبر الفيتو في مجلس الأمن، وتزودها بالذخائر والأسلحة والأموال، فيما تتحدث عن ممر إنساني لغزة، موضحين أن الطرق والمعابر البرية الموجودة أيسر وأقل كلفة وأعلى جودة في تقديم المساعدات لأهالي غزة، وقرار فتحها في يد الولايات المتحدة الأمريكية، وهي قادرة كذلك على وقف الحرب بكلمة واحدة.
*نقلا عن : المسيرة نت
في الإثنين 18 مارس - آذار 2024 02:56:39 ص