الإمام علي “عليه السلام”.. بطل الإسلام، ونموذج كمال الإيمان
الجبهة الثقافية
الجبهة الثقافية

عظّم الله أجر الأمة ، في ذكرى استشهاد أمير المؤمنين، وسيد الوصيين، وإمام المتقين: علي بن أبي طالبٍ “عَلَيهِ السَّلَامُ”، الذي استُشهِد في ليلة الحادي والعشرين من شهر رمضان المبارك، سنة أربعين للهجرة النبوية، في مسجد الكوفة، أثناء خروجه لأداء صلاة الفجر، في فناء المسجد.

الإمام علي بن أبي طالب في سطور

هو أمير المؤمنين، وإمام المتقين، وسيد الوصيين، وخليفة رسول رب العالمين، الإمام علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي “كرم الله وجهه”.

أمه: فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف بن قصي، وهو أول هاشمي ولد من هاشميين.

مولده: ولد-عليه السلام-في بيت الله الحرام بمكة المكرمة في يوم الجمعة الثالث عشر من شهر رجب الأغر لثلاثين سنة خلت من عام الفيل. فعرف بين قومه بوليد الكعبة.

نشأته: نشأ الإمام علي-عليه السلام-في حجر رسول الله-صلوات الله عليه وآله- وهذه الكفالة النبوية فيها الكثير من الدروس والعبر، كما أن فيها حكمة بالغة ولها دلائل وانعكاسات كثيرة، فتلك الكفالة هي من جانبٍ رد لجميل أبي طالب وآمنة بنت أسد رحمهما الله على عظيم إحسانهما إليه وتفانيهما في خدمته وتقديمهما إياه على أبنائهم. وعن هذه النشأة العلوية في ظلال التربية النبوية يحدثنا الإمام علي بقوله:

(وقد علمتم موضعي من رسول الله-صلوات الله عليه وآله-بالقرابة القريبة، والمنزلة الخصيصة، وضعني في حجره وأنا وليد، يضمني إلى صدره، ويكنفني في فراشه، ويُمسّني جسده، ويشمني عرفه، وكان يمضغ الشيء ثم يلقمنيه، وما وجد لي كذبة في قول، ولا خطلة في فعل، ولقد قرن الله تعالى به من لدن أن كان فطيما، أعظم ملك من ملائكته، يسلك به طريق المكارم، ومحاسن أخلاق العالم، ليله ونهاره، ولقد كنت أتبعه إتباع الفصيل أثر أمه، يرفع لي في كل يوم علما من أخلاقه، ويأمرني بالاقتداء به).

استشهاده/ استشهد عليه السلام في الحادي والعشرين من شهر رمضان 40هـ، متأثراً بضربة أشقى الأشقياء بن ملجم-لعنه الله- بعد ثلاث ليالٍ (في التاسع عشر من رمضان).

 

ماذا يعني الحديث عن الإمام علي عليه السلام

الحديث عن الإمام علي حديث لا يطاله البلغاء، ولا يحيط به الخطباء، ولا يدركه الشعراء، لأننا أمام رجل فتح عينيه في بيت الله الحرام، رجل كان مسقط رأسه في الكعبة المشرفة، ونشا حين نشأ في كنف الهداية النبوية، وترعرع بعين الرعاية الإلهية، ونطق بالقرآن، وجسّد كمال الإيمان، عاش حياته متقلبا في روضات المساجد عابدا، وفي ساحات المعارك مجاهدا، حتى أغمض عينيه في مسجده بالكوفة شهيداً.

وعن الحديث عن هذه الشخصية، يحدثنا السيد القائد بقوله:-

((عندما نتحدث عن أمير المؤمنين “عَلَيهِ السَّلَامُ”، فهو مدرسةٌ متكاملة، الحديث عنه هو حديثٌ عن الإسلام، عن قيمه، عن مبادئه، عن أخلاقه، عن القرآن الكريم وهديه العظيم، فهو كان تجسيدًا للإسلام، وكان قرآنَا ناطقًا، والحديث عنه فيما كان عليه من كمالٍ إيمانيٍ عظيم، وما كان عليه أيضًا من المواصفات، والقيم، والأخلاق الفطرية، والإنسانية، والإسلامية، والكمال العظيم في ذلك، وما قاله الرسول “صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ” بشأنه، هو يفيدنا، ويبيّن لنا ما يعنيه لنا نحن كأمةٍ إسلامية؛ لأن الحديث عنه لم يكن حديثًا عن مجرد شخصٍ حاز مستوى الكمال الإيماني العظيم، وكان فقط مجرد نموذج في كمال الإيمان، وتجسيدًا لقيم الإيمان فحسب؛ وإنما بدوره المهم في الأمة، الذي بيّنه رسول الله “صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيهِ وَعَلَى آلِهِ” في نصوصه المهمة المعروفة بين كل الأمة.))

 

استهداف الإمام علي (عليه السلام) استهداف للأمة الإسلامية

أمير المؤمنين عليٌّ “عَلَيهِ السَّلَامُ” فيما يعنيه للأمة، كهادٍ للأمة بعد نبيها “صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيهِ وَعَلَى آلِهِ”، وحَلَقَة وصلٍ في الأمة بالنبي والرسالة، وللامتداد الأصيل للإسلام، في نقائه ومسيرته الصحيحة، يُعتبر استشهاده، والاستهداف له، خسارةً كبيرةً على الأمة، ودليلًا على انحرافٍ رهيبٍ في واقع الأمة، واستهدافًا خطيرًا جدًّا للأمة نفسها.

السبب الأساسي للاستهداف

عملية استهداف الإمام علي عليه السلام، لم تكن وليدة تلك اللحظة، التي قرر فيها أشقى الآخرين أن يغتال غدرا أمير المؤمنين، وعن الأسباب يتساءل الشهيد القائد عن الطبيعة العامة لمثل هكذا استهداف بقوله:

(الذي يتأمل كتاب الله يجده يأمر الأمة، يأمر المسلمين أن يكونوا مع الصادقين، فلماذا أصبح الصادقون يتساقطون واحداً تلو الآخر؟! ولماذا أصبحت تلك الأمة التي خُوطِبَت بأن تكون مع الصادقين تعتدي على هؤلاء، وفي نفس الوقت التفوا مع الكاذبين!)

بعد هذه التساؤلات يضعنا الشهيد القائد رضوان الله عليه أمام الحقيقة، محددا السبب بقوله: (لماذا قُتل علي (عليه السلام) وعلى هذا النحو: في المسجد، في شهر رمضان، في ليلة القَدْر، بسيف محسوب على المسلمين، رجل محسوب على هذه الأمة، وبمؤامرة شخص حكم فيما بعد هذه الأمة؟!!. إنه الانحراف السابق.)

وبعد هذه الإجابة الصريحة والواضحة والتي نتبين فيها:

-أن المستهدف هو الخليفة القائم بأمور المسلمين أمير المؤمنين عليه السلام.

-أنها عملية غادرة نفذها ابن ملجم، كأداة فقط، وليس كما يقال إن الاستهداف كان يشمل عليًّا ومعاويةَ وابنَ العاص.

– أنها بتوجيه من عدو الله وعدو رسول الله وعدو الإمام عليّ معاوية بن أبي سفيان لعنهما الله، وأن هذا الاستهداف ليس نتيجة خلاف سياسي أو اختلاف في وجهات النظر.

-أن من تآمر على قتل الإمام عليّ هو من أصبح الحاكم والمسيطر على رقاب المسلمين.

-أن السبب الرئيسي لهذا الاستهداف هو الانحراف، الانحراف الذي تم في سقيفة بني ساعدة.

-أن هذا الانحراف بدأ حينما بدأ بإقصاء الإمام علي، ولم ولن ينتهي باستهدافه واغتياله فحسب، إنما امتد خطره إلى تولي بني أمية الحكم، وتساقط الأعلام شهداء، وما زالت تداعياته على الأمة حتى يومنا هذا.

 

طبيعة الانحراف وأبرز تداعياته

1-انحراف عن الانتماء للإسلام

وعن طبيعة الانحراف عن الإسلام يحدثنا السيد القائد-يحفظه الله-بقوله:

فـ((عندما استُشهِد أمير المؤمنين “عَلَيهِ السَّلَامُ”، وكان الذي استهدفه هو من سمَّاه رسول الله “صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّم” أشقى الآخِرين، وأشقى الأمة، واستُهدِف بسيفٍ محسوبٍ على أبناء هذه الأمة، على من ينتمي إلى هذه الأمة، كان ذلك يدل على انحرافٍ خطيرٍ جدًّا في واقع الأمة:

-في فهمها للإسلام.

-وفي انتمائها للإسلام.

-وفي صحة استمرارها على أصالة الإسلام.

2- انحراف له تداعياته الخطيرة

وكما أشرنا سابقا أن هذا الانحراف له تداعياته الخطيرة والمستمرة، ((يدل ذلك على ما حصل من انحراف خطير جدًّا، وصلت تداعياته وآثاره إلى استهداف أتقى الأمة، وأزكى الأمة، وخير الأمة، وهادي الأمة بعد نبيها “صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيهِ وَعَلَى آلِهِ”.))

3- الاستهداف ينطلق من واقع انحراف خطير وسيء :

لأن الاستهداف للإمام علي بما هو عليه من الكمال الإيماني ((يمثل جرأةً خطيرةً جدًّا، لا تأتي إلا من واقع انحرافٍ خطيرٍ وسيءٍ للغاية.))

جريمة الاستهداف الأبعاد والنتائج

 

أولاً/ الأبعاد الدينية: لأن الاستهداف له لم يكن اغتيالًا، مجرد اغتيال لزعيم، أو مسؤول على رأس هرم الدولة الإسلامية، وقائدٍ للأمة الإسلامية فحسب؛ بل كان:

-استهدافًا له فيما يعنيه للأمة في دوره المحوري والمهم:

– في هداية الأمة.

-في تربيتها على الإسلام.

-في الحفاظ على الأمة الإسلامية.

-الحفاظ على مسيرة الإسلام فيها، لتبقى مستمرةً بالشكل الصحيح، وهو الذي قال عنه رسول الله “صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيهِ وَعَلَى آلِهِ”: أنه يقاتل على تأويل القرآن، كما قاتل النبي على تنزيله.

ثانياً البعد السياسي: فهو يعدُّ استهدافًا له، واستهدافًا للأمة:

-لتمكين الطغاة من السيطرة عليها.

-ولتمكين الطغيان من الاستحواذ عليها، وهو الذي حصل ما بعد استشهاد أمير المؤمنين “عَلَيهِ السَّلَامُ”، حيث تمكن الطغاة المجرمون من الوصول إلى هرم القيادة والسيطرة التامة على الأمة.

-وكانت خسارةً رهيبة، امتدت آثارها وتداعياتها في كل أجيال الأمة، جيلًا بعد جيل.

#أبرز المزايا والخصائص للإمام عليٍّ عليه السلام

المزايا والخصائص البارزة والمهمة للإمام عليٍّ “عَلَيهِ السَّلَامُ” كثيرةٌ جدًّا: -في مقدِّمتها

-الطهارة والزكاء:

فهو وليد الكعبة، وشهيد المحراب، وما بين المولد والشهادة حياةٌ نقية، سليمةٌ من كل شوائب الشرك، والكفر، والفسق، ومن كل رجس الجاهلية، حياةٌ متميزةٌ بالإيمان، والعطاء، والعمل، والقيم الراقية، والقيم العظيمة.

فضل السبق إلى الإسلام:

هو السابق إلى الإسلام، سبقًا مبكرًا من يومه الأول، بدأ الإسلام، وكان سابقًا فيه، ومن دون تردد، ومن غير سابقة شرك، أو تلوثٍ بدرن الجاهلية، وسبقه إلى الإسلام كان سبقًا مميزًا، بإيمانه العظيم، الواعي، الصادق، وبارتقائه الإيماني، نحو سُلَّم الكمال الإيماني، وبالاستقامة التامة الممتدة في مسيرة حياته، ولهذا يقول الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” عن فضيلة السبق والسابقين: {وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (10) أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ}.

-تجسيد مبادئ وقيم الإسلام في كل مجالات حياته

فعندما دخل في الإسلام، استوعب الإسلام، في مبادئه وقيمه، وجسَّده في مسيرة حياته بتميُّز، في كل مجالٍ من المجالات.

الفدائي الأول

فهو في جهاده السابق أيضًا إلى بيع نفسه من الله تعالى، والفدائي الأول، وبطل الإسلام، والمجاهد العظيم، ورجل المهمات الصعبة، والمواقف الخالدة {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ}، {أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ يَسْتَوُونَ عِندَ اللّهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}.

بطل المواطن الكبرى الفاصلة

-في يوم بدر (يوم الفرقان)، كان له الموقف الأبرز، في الفتك بالمشركين وأبطالهم، وقادتهم، وفي التفاني والاستبسال في تلك المعركة المهمة.

-وفي يوم أحُد، كان له الموقف الأبرز، في تفانيه، وثباته، واستبساله، حتى قال عنه جبرائيل: ((إن هذه لهي المواساة))، وحتى هتف الهاتف، الذي سمع الناس صوته: ((لا سيف إلا ذو الفقار، ولا فتى إلا علي)).

-وفي يوم الخندق، قال عنه رسول الله: ((برز الإيمان كله، إلى الشرك كله))، عندما برز لقتال عمرو بن عبد وُدّ العامري، وقتَلَه.

-وهو فاتح خيبر، يوم قال رسول الله “صَلَىَ اللَّهِ عَلَيهِ وَعَلَى آلِهِ وسَّلَمُ “: ((لأعطين الراية غدًا رجلًا، يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله، كرارًا غير فرار، يفتح الله على يديه)).

-في بقية المواطن: وهكذا في بقية مواطن الإسلام، له الإسهام البارز والمتميز، والجهد الكبير، والتفاني العظيم، والأثر المميز والواضح.

النموذج في كمال الإيمان وتجسيد القيم:

فكان النموذج الذي يعبِّر عن كمال الإيمان وقيمه وأصالته، وفي مقدمة ما يبيّن مصداقية الانتماء الإيماني، والكمال الإيماني:

– في مقام العبادة ذلك العابد، الخاشع، الخاضع لله، الذي شهد له القرآن بإقامة الصلاة، وشهد له التاريخ، بخضوعه وإخباته لله “عَزَّ وَجَلَّ”.

-في مقام العطاء، والإنفاق، والرحمة بالضعفاء والمساكين: فهو من تصدّق بخاتمه وهو راكع، وهو ذلك الذي آثر بطعامه وهو صائمٌ جائعٌ، لا يمتلك غير ذلك الطعام، {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً}.

-على مستوى العلم والوعي والبصيرة: تلك الأذن الواعية، وباب مدينة العلم، الذي قال عنه رسول الله: ((أنا مدينة العلم، وعليٌّ بابها)).

 

من أهم النصوص النبوية فيه المشهورة عند الأمة كلها

من أهم النصوص المعروفة، المتواترة، الثابتة:

-قول الرسول “صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيهِ وَعَلَى آلِهِ” له:((أنت مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه لا نبي بعدي)).

-قال رسول الله “صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيهِ وَعَلَى آلِهِ”: ((عليٌّ مع القرآن، والقرآن مع علي)).

-يقول عنه رسول الله “صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيهِ وَعَلَى آلِهِ”: ((عليٌ مع الحق والحق مع علي)).

-قال عنه رسول الله “صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيهِ وَعَلَى آلِهِ” في غدير خُمّ: ((إن الله مولاي، وأنا مولى المؤمنين، أولى بهم من أنفسهم، فمن كنت مولاه، فهذا عليٌ مولاه، اللهم والِ من والاه، وعادِ من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله)).

-يقول عنه رسول الله “صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيهِ وَعَلَى آلِهِ”: ((لا يحبك إلا مؤمن، ولا يبغضك إلا منافق)).

 

الإمام علي مدرسة الوعي والبصيرة والثبات

إذا جئنا إلى جانبٍ من الجوانب المهمة البارزة في مسيرة حياته، وفي نصوصه، ومواقفه: هو جانب الوعي والبصيرة والثبات، في مواجهة الأعباء، والتحديات، والصعوبات، والمخاطر، وكيف واجهها أمير المؤمنين “عَلَيهِ السَّلَامُ”

استقبال الشهادة بسعادة ((فزت ورب الكعبة))

بدءًا بالواقعة والحادثة الكبيرة، وهي الشهادة في سبيل الله، من المعروف بين الأمة، أن أمير المؤمنين “عَلَيهِ السَّلَامُ” عندما استُهدِف في ليلة التاسع عشر من شهر رمضان، ضربه ابن ملجم- لعنه الله- في تلك الليلة بالسيف، قال “عَلَيهِ السَّلَامُ”، في اللحظة التي ضربه فيها بالسيف على رأسه الشريف: ((فزت ورب الكعبة)).

هتف بهذه الجملة المهمة، ((فزت ورب الكعبة))، لم يتأوَّه، لم يندم، لم يعبرّ عن الحسرة، أو حالة الخسران، أو حالة الندم، أو أيٍّ من ذلك، بل أعلن فوزه مقسمًا على ذلك، ((فزت ورب الكعبة))، فهو كان على بينةٍ مما هو عليه، على بصيرةٍ مما هو عليه، أنه على منهجيةٍ وطريقٍ يفوز من يسير عليها، وأن عاقبته هي الجنة، هي رضوان الله، هي الفوز العظيم بما وعد الله به؛ ولذلك استقبل الشهادة بصدرٍ رحبٍ، بإعلانٍ لفوزه، بسعادةٍ غامرة.

الحرص على سلامة دينه ((أفي سلامة من ديني يا رسول الله؟))

عندما أخبره رسول الله “صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيهِ وَآلِهِ”، بأنه سيستشهد، وبأن لحيته الشريفة ستخضب من دماء رأسه، ماذا كانت ردة فعله؟ ماذا كان موقفه؟ ماذا عبرّ عنه؟ قال: ((أفي سلامة من ديني؟))، قال له رسول الله: ((نعم))، ((أفي سلامة من ديني يا رسول الله؟)) قال: ((نعم))، قال: ((إذًا لا أبالي)).

يبيّن لنا هذا روحية ووعي أمير المؤمنين “عَلَيهِ السَّلَامُ”، ، حيث توجّه كل اهتمامه نحو سلامة دينه، هو يدرك أن أهم شيءٍ بالنسبة للإنسان هو سلامة دينه، وأن أكبر خسارةٍ يخسرها الإنسان إذا خسر دينه، إذا خسر دينه خسر دنياه، وخسر مستقبله في الآخرة، وخسر كرامته، وخسر كل شيء.

نظرته للشهادة من مواطن البشرى والشكر

في موطنٍ آخر، قال أمير المؤمنين “عَلَيهِ السَّلَامُ” وقد سأله سائلٌ عن الفتنة، فقال “عَلَيهِ السَّلَامُ”: ((إنه لما أنزل الله سبحانه قوله: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ}، علمتُ أن الفتنة لا تنزل بنا ورسول الله “صَلَّى اللَّهِ عَلَيهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ” بين أظهرنا، فقلتُ: يا رسول الله، ما هذه الفتنة، التي أخبرك الله تعالى بها؟ فقال: يا علي، إن أمتي سيُفتنون بعدي. فقلتُ: يا رسول الله، أوليس قد قلت لي يوم أُحُد، حيث استُشهد من استُشهد من المسلمين، وحيزت عني الشهادة، فشقّ ذلك عليَّ، فقلتَ لي: أبشر فإن الشهادة من ورائك؟ فقال لي: إن ذلك لكذلك، فكيف صبُرك إذًا؟ فقلت: يا رسول الله، ليس هذا من مواطن الصبر، ولكن من مواطن البشرى والشكر!)).

فنجد كيف نظرته إلى الشهادة في سبيل الله، يعتبرها فوزًا عظيمًا، ويعتبر موطن الشهادة، وموقف الشهادة، ليس من مواطن الصبر، بل من مواطن البشرى والشكر.

منهجية الإمام علي في مواجهته لأعداء الله

أولا/ التركيز على البصيرة والوعي

يقول “عَلَيهِ السَّلَامُ” بعدما تحرك أعداؤه للحرب عليه: ((ألا وإن الشيطان قد جمع حزبه، واستجلب خيله ورجله، وإن معي لبصيرتي، ما لَبَّسْتُ على نفسي، ولا لُبِّسَ عليَّ، وَأيْمُ الله، لأَفرِطَنَّ لهم حوضًا، أنا ماتحه، لا يصدرون عنه، ولا يعودون إليه))، هكذا كان يتحرك في مواجهة الأعداء، في فتنتهم، في ضلالهم، فيتصدى لهم ومعه بصيرته، ((وإن معي لبصيرتي))، ينطلق بوعي، بيقين، بفهمٍ صحيح، بنظرةٍ صائبة، ((ما لَبَّسْتُ على نفسي، ولا لُبِّسَ عليَّ)).

ثانيا/ التحرك بيقين

في جوابٍ له على رسالةٍ إليه من أخيه عقيل بن أبي طالب، قال “عَلَيهِ السَّلَامُ”: ((وأمَّا ما سألت عنه من رأيي في القتال، فإن رأيي قتال المُحلِّين، حتى ألقى الله، لا يزيدني كثرةُ الناس حولي عزة، ولا تفرقهم عني وحشة))، لاحظوا، ما أهم هذه العبارة! لأنه منطلِق انطلاقةً مبدئية، بيقين، ووعي، وبصيرة، وانطلاقةٍ إيمانية، بمسؤولية إيمانية، ولهذا يقول: ((لا يزيدني كثرة الناس حولي عزة ولا تفرقهم عني وحشة)).

ثالثاً/ الثبات في المواجهة

هو ذلك الثابت على كل الأحوال، وفي كل الظروف، ((ولا تحسبن ابن أبيك، ولو أسلمه الناس متضرِّعًا متخشعًا، ولا مقرًّا للضيم واهنًا))، يحمل عزة الإيمان، وشموخ الإيمان، وثبات الإيمان، مهما كانت الظروف، ومهما كان التخاذل من جهة الناس.

رابعاً/ روحية الاستعداد للمواجهة

يقول “عَلَيهِ السَّلَامُ” في إحدى رسائله وهو يتحدث عن الأعداء: ((إني والله، لو لقيتهم واحدًا، وهم طِلاع الأرض كلها، ما باليت، ولا استوحشت، وإني من ضلالهم الذي هم فيه، والهدى الذي أنا عليه، لعلى بصيرةٍ من نفسي، ويقينٍ من ربي، وإني إلى لقاء الله لمشتاق، وحسن ثوابه لمنتظرٌ راج)).

خامساً/ القناعة التامة بالموقف الحق

يقول “عَلَيهِ السَّلَامُ”: ((ما شككت في الحق مُذ أُرِيتُه))، هو ذلك الذي لم يشك في الحق، لم يرتب أبدًا، كما قال الله: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا}، وما أحوجنا إلى أن نكون في وعينا، في إيماننا بالحق، في قناعتنا بالحق، في بصيرتنا تجاه الحق، على هذا النحو، الذي لا نرتاب أبدًا، في أي ظرفٍ من الظروف، لا بالتشكيك، ولا بضغط الأحداث، ولا بصعوبة الواقع، ولا بحجم التحديات.

سادساً/ ربط العلم بالعمل، واليقين بالإقدام

يقول “عَلَيهِ السَّلَامُ”: ((لا تَجعَلوا عِلمَكُم جَهلًا، ويَقِينَكُم شَكًّا، إِذَا عَلِمتُم، فَاعمَلُوا، وإِذَا تَيَقَّنتُم، فأقدِمُوا)).

ختاما

انطلاقا من وحي هذه الذكرى، لا يجب أن نقتصر على استحضار هذه الفاجعة، وإقامة الذكرى بدون أن ينعكس ذلك تأسيا واقتداءً بالنموذج الإيماني الأرقى والأكمل، وأن نتحرك في إطار التثقيف الديني بوعي وبصيرة.

فالتعليم الديني-عموما-، يجب ألا يكون بعيدا عن الإمام عليّ، بل يجب:-

1-أن يحتوي على ما ورد وأُثِر عن أمير المؤمنين وصحّ عنه، يقول الشهيد القائد (رضوان الله عليه): “”فلنستلهم من الإمام علي (عليه السلام) الرؤى الحكيمة، التوجيهات الحكيمة في مختلف الميادين، في مختلف المجالات”.

.

2-أن نتعرف على سيرته، وحياته، وجهاده، يقول الشهيد القائد (رضوان الله عليه):”يجب أن نرجع إلى دراسة تاريخ علي، إلى دراسة سيرة عليّ (صلوات الله عليه)؛ لنعرف كيف نقتدي به؟ كيف نسير على خطاه؟ كيف نتمسك بنهجه؟ كيف نسلك السبيل الذي سلكه؟ كيف ننظر إلى الأمور كنظرته؛ لأنه بالتأكيد قرين القرآن.”

3-أن نستوعب دوره في هذه الأمة. هذا الدور الذي لخّصه الشهيد القائد (رضوان الله عليه) بقوله: “لولا عليّ، لولا كلمة عليّ، لولا مواقف عليّ، لما وصل الدين إلينا بنقاوته، لما وصل الدين إلينا بصفائه من داخل ظلمات ذلك الانحراف الذي أوصل معاوية -وهو اللعين ابن اللعين-إلى سُدَّةِ الحكم، إلى أن يتحكم على رقاب هذه الأمة”.

4-أن نستوعب طبيعة علاقتنا الإيمانية به، لما لتلك العلاقة الإيمانية من فوائد أهمها:-

-أن ننتظم في سلك المؤمنين، ((لا يحبك إلا مؤمن)).

-أن نبرأ من النفاق، ((ولا يبغضك إلا منافق)).

-أن نحصِّن أنفسنا وساحتنا من تأثير المنافقين.

نَسْأَلُ اللَّهَ “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” أَنْ يَتَقَبَّل مِنَّا وَمِنْكُمُ الصِّيَامَ، وَالقِيَامَ، وَصَالِحَ الأَعْمَالِ، وأَنْ يَرْحَمَ شُهَدَاءَنَا الأَبرَارَ، وَأَنْ يَشْفِيَ جَرْحَانَا، وَأَنْ يُفَرِّجَ عَنْ أَسْرَانَا، وَأَنْ يَنصُرنَا بِنَصْرِه، إِنَّهُ سَمِيعُ الدُّعَاء.

وَالسَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُه؛؛؛

*نقلا عن : موقع أنصار الله


في الإثنين 01 إبريل-نيسان 2024 03:17:28 ص

تجد هذا المقال في الجبهة الثقافية لمواجهة العدوان وآثاره
http://cfca-ye.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://cfca-ye.com/articles.php?id=13210