كل حدث عسكري هو نقطة فارقة في المسار السياسي والاجتماعي والثقافي, وقد يترك الحدث ظلالاً إيجابيا وآخر سلبيا كطبيعة أي حدث في التاريخ, إلا أن التفاوت بين الإيجابي والسلبي هو المعيار الذي يدل أو يشير إلى صواب الخطوة التي قد نقدم عليها من عدمه, فالحدث في مجرى السياسة ليس كغيره لارتباطه بتحولات قد تعمل على تغيير الأهداف أو تحد من أهداف يمكن الوصول إليها بتكاليف أقل مما كنا نتوقع في حال أحسنا التدبير والسياسة .
من نتائج الأحداث السلبية منذ 2011م إلى اليوم أنها حصرت مسؤولية التداعيات على جماعات سياسية بعينها وأضعفت قوى سياسية كان يمكن التحرك في أفقها المتسع ليكون المسار السياسي أكثر حيوية وفاعلية, وقد يعمل التنافس بين القوى المختلفة وغير المنسجمة على توحيد الجبهة الداخلية وتماسك القوى, وغياب القوى الفاعلة أو إضعافها قد يؤدي إلى التآكل البيني ويتحول الصراع والتآكل من المسار الأفقي إلى المسار الرأسي, وفي حال تحول الصراع إلى المسار الرأسي يبدأ الضعف وتبدأ عوامل الانكسار, وهذا ما يمكن ملاحظته في الواقع وإن كان القارئ العادي لا يمكنه ملاحظة ذلك في المظاهر العامة إلا أن المستقبل سوف يباغت الناس وهم في سكرة التيه, وهذا المستقبل قد بعث رموزه وإشاراته لكل ذي لب أو رأي أو معرفة, والتأريخ يتحدث عن المماثل ولكن من يتعلم من التأريخ هم القليل وليس كل الناس فالغرور وهم, والوهم مظنة من يركب مطاياه, هكذا تتحدث أحداث التاريخ : أنه كلما نمت الحركة الاجتماعية اكتسبت شكلا أكثر تنظيما – وهذا أمر غير ملحوظ في واقعنا – وانطبعت بتقاليد مميزة كما تتميز بقيادات مستقرة, وتتدرج في الوظائف وتتحدد قيمها وقواعدها الاجتماعية أكثر.
وتتضمن الحركات الاجتماعية والسياسية في أي مرحلة من مراحل التاريخ ثلاث عناصر أساسية تتمثل في:
الأول: وهو التنظيم أو البناء.
الثاني: وهو المعتقدات أو المثاليات.
والثالث: وهو الأفعال والقوالب السلوكية يقوم بها الناس المنتسبون إليها.
وهذه العناصر هي الصورة أو الشكل الخاص، وهي التي تشكل الحركات الاجتماعية والسياسية، وتعطيها طابعها الخاص بها.
وللحركات الاجتماعية ثلاث وظائف حددها عالم الاجتماع الفرنسي “جيروشيه” هي:
1- الوساطة بين مجموعة من الناس من جهة .
2- والحقائق الاجتماعية من جهة أخرى.
3- وتوضيح الضمير الجمعي.
وهذا هو حال الجماعة التي تكشف نفسها أو مصلحتها وأين تكمن هذه المصلحة، والضغط على الأشخاص الذين بيدهم مقاليد الحكم .
فالبناء الجديد قد يتطلب هدما في أحايين كثيرة حتى يكون البناء الجديد أكثر قوة وأكثر متانة في مقاومة عوامل الطبيعة وتطورات المراحل التاريخية .
فاليمن لم تعد ذات قيمة وجدانية وثقافية في تصورات الناس, ولا تشكل عنصراً فاعلاً وقوياً في بيئة الانتماء والهوية الوطنية والحضارية والتاريخية, فقد رأينا خلال الأحداث التي عصفت بنا منذ 2011م وحتى هذه اللحظة التي نعيش فيها كيف تعامل أبناء اليمن مع اليمن, فهو لم يتجاوز القيمة العددية.. ثمن بخس دراهم معدودات ومثل ذلك أمر دال على حالة نكوص وجدانية, وحالة شلل وتعطيل في البنية الوطنية, وفي نسيج الهوية والانتماء، وهو نتاج عقود من الاستهداف والتدمير بأموال المترفين التي كانت وماتزال تتحرك في الجغرافيا اليمنية منطلقة من بعد ثقافي, والتزام أخلاقي تجاه مقولة أو أثر أو وصية قيل إنها انطلقت من لسان أحدهم في لحظة تاريخية فارقة تحسباً أو توقعاً أو استسلاماً لحسابات فلكية، بيد أن مثل ذلك لن يطول به الأمد، فسنن الكون تقول إن المترف الذي تأخذه الأماني إلى أبعد مدى تكون عاقبته هي العظة التي تعظ الغافلين حتى يعودوا إلى رشدهم، وهي الآية التي تعيد التوازن إلى حركة المجتمع وحركة الحياة، فالله وصف نفسه بالعدل ومن العدل أن يعيد التوازن إلى حركة الحياة ولو مدَّ أهل الترف زمناً في طغيانهم يعمهون، فالقضية هنا قضية جوهرية وهي ثابتة في صميم التجربة البشرية من حيث التمادي في الطغيان ومن حيث معالجة الانحراف بالعودة إلى التوازن الذي يريده الله تحقيقاً لخاصية العدل والمساواة، والعبرة لمن يتعظ، ولا أرى إلاّ أن مقادير الله كائنة في الزمن الذي نعيش حتى تتساوى موازينه، وثمة رموز وإشارات يتحدث عنها الواقع تومئ إلى قادم جديد، والى حالة أجد لا يكون الغرور حاضراً فيها بقدر الحضور الأمثل لإرادة الله في العدل وفي المساواة وفي الحياة الآمنة والمستقرة.
ولعل التطورات الأخيرة في الإقليم – بعد الرد الإيراني على إسرائيل – قد يحدث تطورا ملحوظا في المسارات وقد يترك مثل ذلك أثرا على الوضع السياسي والاجتماعي اليمني, فحركة التوازن كانت تحتاج مثل هذا التحرك الإيراني الأخير حتى تعود الحلقة المفقودة إلى مكانها الطبيعي, ولعل الغد سوف يحمل تباشير أوضح مما نراه اليوم .
|
*نقلا عن :الثورة نت
في السبت 20 إبريل-نيسان 2024 02:53:26 ص