على مدى 80عاما ظلت قضية فلسطين بمثابة جرح نازف في الجسد العربي يستوطن وجدان وذاكرة العرب والمسلمين وقبلهما ظلت فلسطين محرقة لأبنائها يكتوون بنارها آناء الليل وأطراف النهار يقدمون في سبيلها قوافل من الشهداء والجرحى والمعاقين والأسرى والمشردين والكثير من التضحيات، في المقابل ظلت القضية عالميا بمثابة قضية ثانوية في أجندات النخب السياسية الغربية -الأمريكية، وهي كذلك أصبحت عربيا وإسلاميا بعد أفول مرحلة المد القومي العربي وبعد قرار الزعماء العرب في قمة المغرب عام 1974م الذي تخلى فيه النظام العربي عن قومية المعركة والتحرير واعتبار (منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني) وهو بمثابة (الحق) الذي يراد به (باطل)..!، تبعت ذلك زيارة ( السادات للقدس) ومن إبرام اتفاقية (كامب ديفيد) بين مصر والكيان الصهيوني، لتخرج مصر عن معادلة الصراع العربي /الصهيوني، والذي أصبح يعرف لاحقا بالصراع الفلسطيني / الصهيوني..!
وعلى ذات الطريقة التي تعامل بها (بنو إسرائيل) مع الله ورُسله بدءا من قصة (البقرة) التي استغرقوا (أربعين عاما لكي يقتنعوا بذبحها) إلى رحلة التيه (أربعين سنة) أيضا، في إعادة تجسيد حقيقة (الهوية اليهودية) للكيان الصهيوني الذي لا علاقة له باليهودية ولكنه من خلال هذا السلوك يحاول إعطاء وجوده الاستعماري هذا البعد والانتماء لتأصيل علاقته بالمكان والجغرافية وإيهام الآخرين بارتباطه بالمكان..!
حتى العام 1974م لم يكن للكيان وجود، فيما نسبته 80٪ من خارطة العالم الجغرافية، ولم تكن أبواب دول العالم في الغالب مفتوحة أمامه، لكن بعد زيارة السادات وإبرامه الاتفاق مع الكيان، فتحت أمام الكيان بلدان آسيا وأفريقيا والعالم الثالث، ولمَ لا إذا كانت كبرى الدول العربية المعادية للكيان قد أقامت علاقات معه وانتهت بينهما حالة العداء..؟!
وخلال الفترة من 1974- وحتى 2024م ظلت القضية محل تجاذب وتوظيف جيوسياسي وورقة تتجاذبها مصالح إقليمية ودولية، ناهيكم عن توظيفها من قبل بعض مراكز القوى الداخلية الفلسطينية التي وجدت في القضية مشروعاً استثمارياً يحقق لها العديد من المكاسب أهمها الثروة والنفوذ والحضور في دهاليز أنظمة المنطقة والعالم..!
ولا شك أن أحداث الخليج والمنطقة وخاصة أحداث ما بعد معركة (بيروت 1982م) قد وضعت الإرادة الفلسطينية أمام خيارات مرة ومعقدة، وهذا ما دفع القائد العربي الفلسطيني الشهيد الرئيس ياسر عرفات إلى أن يتعاطى مع مرارة المسار وتعقيداته بعد أن أيقن أن (كيلو متراً مربعاً داخل فلسطين) يبقى أشرف وأرحم من البقاء في شتات الجغرافية العربية وتحت رحمة الأنظمة والمصالح، فخاض تجربة (أوسلو) وهو مدرك وعلى يقين بأن (أوسلو) مجرد (فخ) للقضية وهو من وصفه بهذا الوصف يوم توقيع الاتفاق، ولكنه قبل به معتبرا أوسلو مجرد (حقل ألغام) أمام مقاتلين عليهم أن يمروا فيه وليس أمامهم طريق آخر وبالتالي عليهم (سبر) هذا الحقل وتنظيفه مما زرعت فيه من مواد متفجرة حتى يتمكنوا من العبور إلى الجهة الأخرى..؟!
عادت الثورة للداخل وأعلنت عن قيام السلطة والدولة كخطوة على طريق طويل شائك ومعقد، وكان ما كان بعد ذلك، غير أن أحدا لا يقدر ينكر إيجابيات (أوسلو) رغم مرارتها..؟!
بيد أن ما تسمى بـ (صفقة القرن) وما أحدثته قبل ذلك قمة بيروت عام 2002م واعتماد النظام العربي لما اطلق عليها بـ(مبادرة السلام العربية) والتي هي بالأساس مبادرة أمريكية، غير أن كيان العدو وأمريكا اللذين كانا يتحدثان عن إيجابياتها سرعان ما تنكرا لها بعد اغتيال الرئيس الشهيد أبو عمار -رحمه الله – ذلك الرجل والقائد العربي الفلسطيني الذي كان يمكن له ان يخطئ ولكن لا يمكن له ان يخون..!!
صفقة القرن جاءت في لحظة زمنية منهكة فلسطينيا وعربيا ودوليا، لحظة بدت فيها أمريكا وكأنها تعيش حالة انتصار حضاري غير مسبوق..!
لكنها فجأة اكتشفت أنها تواجه تحديات جيوسياسية غير مسبوقة تتمثل في حرب أوكرانيا وتنامي قدرات الصين اقتصاديا، وبروز الجمهورية الإسلامية الإيرانية كقوة إقليمية فاعلة، وإخفاق (مشروع الربيع العربي) رغم سقوط عدد من الأنظمة المعادية للوجود الصهيوني فكريا وثقافيا وعقائديا، وانتشار الفوضى في العديد من أقطار الوطن العربي، تداعيات أجبرت أمريكا على الانسحاب من (أفغانستان) وتسليم البلاد لمن ظلت تحاربهم عقدين من الزمن (حركة طالبان) في محاولة أمريكية لإغلاق منافذ القلق الجيوسياسي فاتحة نافذة أخرى في المنطقة تتمثل في (المشروع الإبراهيمي) الذي هدفت من خلاله لتطبيق وصية (النبي يوشع) الذي يزعم (نتنياهو) أنه امتداد له بحماية (إسرائيل)..!
بيد أن (معركة طوفان الأقصى) جاءت وكأنها تجسد مقولة (النبي عزير) الذي تأمل – بيت المقدس المدمرة على يد جيوش الملك البابلي نبوخذ نصر – حين قال عزير وهو يتأمل بيت المقدس (أنى يحيي هذه الله بعد موتها) فأماته الله مائة عام ثم أعاده للحياة، إنَّ الله يُحيي الأرضَ بعد موتها، ويُحيي العظامَ وهي رميم، ويُحيي الناسَ يوم القيامة، وهو من أحيا الإرادة الفلسطينية يوم السابع من اكتوبر 2023م. والتي أعادت القضية والحقوق إلى ذاكرة العالم واقصد الشعوب التي تجاوزت إرادة الحكومات والأنظمة وأكبر نموذج لهذا الحراك الطلابي داخل الجامعات الأمريكية وهو حراك غير مسبوق وغير متوقع ولكنه حدث وأربك حلفاء وأصدقاء الصهاينة.
|
*نقلا عن :الثورة نت
في الأربعاء 01 مايو 2024 12:07:27 ص