|
عندما بدأت اليمن عمليات البحر الأحمر والعربي وقطع الطريق أمام العدو الإسرائيلي إسنادا لغزة ، طرحت سيناريوهات كثيرة محتملة لمواجهة هذه الخطوة اليمنية الجريئة ، واحد منها أن تقوم الولايات المتحدة الأمريكية بإعادة تحريك التحالف العسكري الذي تقوده الرياض بدعم من واشنطن منذ 2015.
هذا الخيار كان محتملاً لكنه كان أسفل قائمة الخيارات الرئيسية والتي كان أولها تشكيل تحالف عسكري بحري بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية واطلق عليه تسمية ” تحالف حماية الازدهار ” ويهدف إلى حماية السفن الإسرائيلية في باب المندب والبحر الأحمر من الهجمات اليمنية.
التقديرات الأمريكية أن تحريك حاملات طائرات وفرقاطات وسفن عسكرية أمريكية وبريطانية وإيطالية وهولندية ويونانية ، بالإضافة إلى الفرقاطتين الفرنسية والألمانية ، هذا التحشيد المهول كان يكفي لردع العمليات اليمنية وبالتالي تحقيق الهدف الذي كان ذا بعدين حماية السفن الإسرائيلية أو المتجهة إليها ، والحفاظ على الهيمنة المطلقة في منطقة البحر الأحمر وباب المندب وخليج عدن والبحر العربي.
لكن الذي حدث أن صنعاء أعلنت توسيع دائرة الاستهداف لتشمل ، الوجود العسكري للتحالف ، السفن التجارية الأمريكية والبريطانية علاوة على الإسرائيلية أو الذاهبة إلى موانئ إسرائيل جنوب فلسطين المحتلة.
إذا دققنا في هذا الإعلان فإننا سنجد انه تحد كبير ويحتاج إلى قوة تملك القدرة العسكرية والمخابراتية لكي تتخطى مجموعة من السياجات:
ـ أولا: الدفاعات الجوية لعدد كبير من الفرقاطات والسفن العسكرية.
ـ ثانيا: القدرة العملية الدقيقة على متابعة حركة السفن، الإسرائيلية، أو الذاهبة إليها وتتبع دول متعددة ، كذلك السفن التجارية البريطانية والأمريكية ، وإيقاف حركة الملاحة لكل هذه الجهات ولن يتحقق هذا الهدف دون تحقيق إصابات للسفن تلك بعد تخطي دفاعات التحالف.
ـ ثالثا: أن يحدث هذا باستمرار حتى يتحقق الردع الكافي لشركات الشحن والدول المعنية ضمن دائرة الاستهداف أن المرور من باب المندب والبحر الأحمر والعربي لن يتم حتى مع وجود التحالف وانتشاره في هذه المساحات.
في الواقع لقد حققت اليمن وزادت عليه، والزيادة تحتاج إلى مساحة أخرى للكتابة عنه.
لقد توقف الشركات والدولة المالكة للسفن الإبحار عبر باب المندب واستخدام طريق الرجاء الصالح الطويل وتحمل تبعات اقتصادية مهمولة حتى مع وجود التحالف الذي تقوده أمريكا.
بتعبير أدق لقد فشل التحالف، وبالتالي الانتقال إلى خيار آخر لمواجهة اليمن، اختارت واشنطن ولندن الهجمات الجوية عبر الطائرات الحربية لضرب القدرات العسكرية للقوات المسلحة اليمنية بهدف تعطيل القدرة على استهداف السفن وتنفيذ العمليات المساندة لغزة، عبر استهداف منصات اطلاق الصواريخ والطائرات المسيرة، استهداف المخازن، والتأثير على الانتشار العسكري اليمني الذي ينفذ العمليات الهجومية.
ومع أن هذا الخيار مجازفة أمريكية بريطانية لأنه يمثل عدواناً مرتفعاً على دولة تتعرض لحرب وحصار منذ عشر سنوات، تم تجاهل كل الاعتبارات وتنفيذ الهجوم.
بعد أسابيع تكررت فيها الحملات الجوية الثنائية الأمريكية والبريطانية ولا تزال مستمرة ولكن بنسبة أقل واحيانا غير معلنة، فشل هذا الخيار أيضا وتصاعدت العمليات اليمنية، وبحسب إحصائية رسمية فان السفن التي تم استهدافها ومنعها من إكمال رحلتها وبعضها أغرقت على غرار السفينة البريطانية روبيمار تجاوز المئة سفينة.
زمنيا نقترب من نهاية الشهر الثالث على بدء التحالف وقرابة ستة أشهر منذ بدء العمليات اليمنية ، وفي هذا التوقيت وبهدوء وبدون نتائج ينسحب التحالف تدريجيا، أو على الأقل يقلص وجوده بشكل كبير وآخر المنسحبين حاملة الطائرات الأمريكية ايزنهاور، وقبلها الفرقاطة الفرنسية والألمانية هيسن والهولندية وقبل ذلك بفترة كبيرة المدمرة البريطانية اديموند.
الانسحاب بتقديري يحدث لسببين:
ـ الأول: فشل المهمة مع وجود رغبة أمريكية بريطانية بعدم توسيع دائرة الفشل.
ـ والثاني: تقليص التحالف الذي كانت مهمته يجب أن تكون حاسمة وسريعة، والقبول بالتعايش مع الواقع المفروض يمنيا ، لا عبور للسفن الممنوعة.
وعودا على بدء فإن الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا عادا على ما يبدو لاستخدام سيناريو تحريك التحالف السعودي ومكوناته العسكرية اليمنية والتحضير لفتح الجبهات البرية المجمدة منذ عامين ودفع الرياض مرة أخرى لأجواء الحرب .
هذا السيناريو ليس لعرقلة عمليات اليمن في البحر الأحمر المساند لغزة ، لأن هذا الخيار استبعد لأنه غير عملي ويحتاج لفترة زمنية طويلة وغير مضمون النتائج ، ولكن لمحاولة عقاب اليمن والعاصمة صنعاء عبر العودة لفتح حروب داخلية .
وبالتالي هو تكتيك عقابي محدود وقد تكون نتائجه عكسية ، فليس بعيداً أن تتغير خارطة الانتشار والتموضعات العسكرية وتسقط جبهات لصالح صنعاء.
كذلك يتوجب التوقف عند التحذيرات اليمنية المتكررة للسعودية من مغبة الاستجابة للرغبة الأمريكية والانتقال من خفض التصعيد إلى التصعيد لمرات متكررة وفي مقالات سابقة ، قلت إن قرار الحرب والسلم والخفض والتصعيد في الحرب العدوانية على اليمن ، تتحكم فيه ما يسمى الرباعية (أمريكا بريطانيا السعودية والإمارات) وبالتالي فإن الرياض لا تملك القرار وحدها حتى لو كان ذلك يتعارض مع رغبتها ، هذا الأمر يدرك وهو معكوس على عدم قدرتها على الخروج من هذه الأزمة واحد أهم التعقيدات في طريق الوصول إلى اتفاق سلام ينهي الحرب، وبالطبع هناك أسباب أخرى ولكن التدخل الأمريكي والرؤية الأمريكية قضية شائكة، وواشنطن وراء إبقاء الرياض عالقة بين الحرب والسلم.
استخدام سيناريو فتح حروب داخلية في اليمن متوقع بناء على تحركات ولقاءات ونقاشات لكنه ليس حتمياً، أيضا بناء على مخاوف وتردد وتقييم مستمر وقد لا يحدث.
*نقلا عن :الثورة نت
في الأحد 05 مايو 2024 03:02:32 ص