العالم باتجاه تحولات كبرى.. كلمة السيد القائد الأسبوعية، جُرعة وعي ومُحرك تغيير ” الجزء الثالث “
علي جاحز
علي جاحز

الصهيونية.. الأيديولوجيا الرجعية في معرض لعبة الوعي

 

الموقف اليمني المساند لغزة في كل مساراته عسكريا وسياسيا وإعلاميا وشعبيا، يتربع على منصة إدارته وتوجيهه قائد يدير مسارات التحرك ومتابعتها واتخاذ قراراتها اللازمة وتقييم أدائها وقراءة مفاعيلها وتأثيراتها وتداعياتها بشكل مستمر باعتبارها أولوية عليا ضمن السياق الأساسي وهو معركة محورها القدس وجبهتها الأساسية غزة.
وفي صميم دوره كقائد لهذا التحرك اليمني تأتي كلمة السيد القائد الأسبوعية كعامل أساسي في استمرار وتصاعد وتماسك الموقف اليمني، بل يمكن القول انها أصبحت مسارا هاما ومؤثرا بين مسارات الموقف اليمني لجهة التأثير العالي والمباشر في التداعيات والمواقف والتحركات العسكرية والسياسية والحقوقية والتوعوية إقليميا ودوليا، ولا نبالغ في الاعتقاد أن الكلمة الأسبوعية إلى جانب عمليات الموقف اليمني المتصاعدة، أهم أسرار تصاعد وتنامي دائرة التضامن والتفاعل مع غزة داخل الوعي الجمعي.

 
 

 تحليل / علي أحمد جاحز

 

رفح تعري الصهيونية، وتشعل المحور:
كان إعلان المقاومة الفلسطينية برئاسة حركة حماس قبول المقترح المصري القطري للاتفاق على وقف النار في غزة، خطوة سياسية ذكية نجحت في جر الكيان إلى فضاء انكشاف جديد لتوجهه وسلوكه الإجرامي أمام الرأي العام والوعي الجمعي الغربي خصوصا، وفي الوقت ذاته وضعت الموقف الأمريكي في وضع محرج أمام المجتمع الدولي، وتركت أثرها في جعل مخطط اقتحام رفح الذي وافق عليه الأمريكي يبدو بلا هدف سوى ارتكاب المزيد من جرائم الإبادة، ولهذا ظهر الأمريكي من جهة يقدم خطة لإجلاء المدنيين النازحين، ومن جهة أخرى قدم الإشارة لاقتحام ر+فح، ليترك الأمور ذاهبة إلى وجهتين احداهما اكثر بشاعة من الأخرى.
السيد القائد أعطى مساحة واسعة في كلمته الأسبوع الماضي للحدث المتعلق بتحرك الكيان نحو اقتحام رفح، والى جانب تسليط الضوء على الجانب الإنساني المتمثل في كون رفح الملاذ الأخير للنازحين وان اقتحامها سيكون معناه مجازر اكبر وابشع، فإنه وجه رسائل عدة إلى الجانب المصري الذي لم يحرك ساكنا أمام انتهاك سيادته، وبدا السيد القائد في تركيزه على هذا المستجد يراكم معطيات وحيثيات تدعم وتبرر الموقف اليمني، ولعل ضعف الموقف المصري يعتبر فرصة لعبور الموقف اليمني إلى الوعي العام الذي سيجد الفعل اليمني في مرحلته الرابعة موضع ترحيب ويملأ فراغا في ضمير الأمة التي شاهدت بذهول ما حل بالشاب الفلسطيني الذي حاول أن يعبر الحدود مع مصر وتعرض لأبشع ضرب وتنكيل من اخوته الجنود المصريين، وهو مشهد لم يكن يتخيله احد.
وبالعودة إلى خطة نتنياهو التي بات واضحا ان تنفيذها هو غاية مقدسة تحشد في سبيلها الصهيونية العالمية كل اذرعها وأدواتها، فإن إقدام الكيان على اقتحام معبر رفح واحتلال محور فيلادليفيا في انتهاك لاتفاقية كامب ديفيد الموقعة مع مصر، يمكن قراءته باعتباره خطوة باتجاه فصل جديد من فصول المخطط الصهيوني وهو فرض واقع من نوع ما في سيناء، ويبدو موقف النظام المصري أمام هذا الانتهاك مثار تساؤلات وعلامات استفهام وتعجب، صحيح انه لم يعد متوقعا من الجيش الأكبر في المنطقة أن يتدخل عسكريا لمساندة غزة، لكن بقي من المتوقع ان يستنفر عندما يصبح الأمن القومي المصري موضع تهديد.
فهل نجحت الصهيونية على مدى عقود في السيطرة على قرار الجيش المصري وتغيير عقيدته الفتالية إلى هذا المستوى؟ والى أي حد تداوم الصهيونية العالمية منذ النكبة على التهيئة المستمرة لتوسع الكيان في المحيط العربي؟ وماذا يعني طرح حقيقة الأيديولوجيا الصهيونية الرجعية وخلفيات عدائها للامة على طاولة التناول بعد عقود من التغييب؟!
عداء الأيديولوجيا الصهيونية الرجعية.. على سطح لعبة الوعي
كلما طال أمد العدوان كلما اتسع والتهب مسرح المعركة التي يسهم الموقف اليمني في صناعة توازن ردع يحول بين العدو، الذي يوغل في المجازر، وبين تحقيق نجاح عسكري في غزة، وهذا أيضا يساهم في اتساع دائرة انكشاف حقيقة الوجه البشع الإجرامي للصهيونية ليصل ذلك الوعي إلى داخل أوروبا وأمريكا ويتحول إلى تحرك حقوقي واسع يواجه بردات فعل تزيد من انكشاف حقيقة تلك الأنظمة وسقوط شعاراتها الإنسانية والحقوقية، وهكذا تصبح تلك النتائج مدخلات تبرر الموقف اليمني وتضعف الموقف الأمريكي الصهيوني أمامه وتبني عليها كلمة السيد القائد رسائل وعي وسياسة توسع نطاق التضامن والتمرد على الصهيونية، وهكذا في ديناميكية مشهد يذهب باتجاه تغييرات كبرى متسارعة.
من اهم الحقائق التي تم تنظيف الوعي الجمعي العربي والإسلامي على مدى عقود، هي حقيقة خلفيات احتلال فلسطين وقواعد الصراع مع الاحتلال، وخاصة ما يتعلق بالبعد الأيديولوجي كمنطلق للعداء الصهيوني للأمة، حيث أوشكت الصهيونية على ان تنجح في تفريغ الذهنية العربية والإسلامية من الارتباط بجذور القضية الفلسطينية وعلاقتها بالعداء العقائدي الازلي في ثوابت الصهيونية للأمة وما يلتصق به من حقد وكره تجاهها وما يتوازى معه من أطماع في مقدراتها.
وفي هذا الاتجاه عمد السيد القائد إلى تسليط الضوء بشكل مكثف في كلمته الأسبوعية مؤخرا على المعتقد الصهيوني الذي يرتكز على أن اليهود الصهاينة هم شعب الله المختار وإضفاء القدسية عليهم عبر توصيفهم بالسامية وسن تشريعات تحرم مجرد معاداتها، ولعل السيد القائد في مرحلة كهذه يرمي إلى طرح هكذا حقائق وهكذا معتقدات على السطح وأعادتها إلى معرض التناول والنقاش وعرضها أمام العقل المعاصر المتحرر لمحاكمتها، ومن ثم إعادة النظر في فهم حقيقة النظام العالمي الذي تديره الصهيونية وفق أيديولوجيا رجعية هدامة عدائية ليس للامة الإسلامية بل للإنسانية.
كلمة السيد القائد الخميس الماضي تزامنت مع ذكرى النكبة، وهو ما جعلها تبدو فرصة لإثراء الحديث عن البعد المنسي للصراع مع الصهاينة وآخر مظاهره المعركة الجارية، وبرغم ان العداء الصهيوني للامة قديم إلا أن السيد القائد اكتفى بالانطلاق من دور الوصاية البريطانية على فلسطين باعتباره نقطة بداية تأسيس الكيان وباعتبار بريطانيا مهندس النكبة وكانت هي الحامل لمنهجية الصهيونية العدائية ومخططاتها لاستهداف الأمة العربية آنذاك، وكان ضمن مهامها التهيئة لإنشاء الكيان على ارض فلسطين التي كانت تقع في نطاق وصايتها.
فكيف حملت بريطانيا مخطط الصهيونية في فلسطين؟ وكيف كانت التهيئة لإنشاء الكيان؟ وما هو نطاق التهيئة؟
بريطانيا.. مهندس الكيان في جغرافيا مهيأة
لكي نفهم الحكاية كاملة لا بد ان نتتبع الجذور التي تمتد في أعماق تاريخ اوشك على الانطواء في دهاليز النسيان بعد عقود من تغييبه عن وعي الأجيال، واعتقد ان إخراجه وإعادته إلى السطح ووضع الحقائق من جديد على طاولة التناول خطوة مهمة في مسار صناعة التحولات الكبرى والتغيرات الكونية التي عادة ما تبدأ من الوعي وتحريك المواقف وأيقاظ الضمير، وهو ما يشتغل السيد القائد عليه بوعي حامل مشروع التغيير.
الانتداب البريطاني الذي جاء ضمن اتفاقية سايكس بيكو ثم اتفاقية سان ريمو في أعقاب الحرب العالمية الأولى، لم يكن جذر حكاية التحرك الصهيوني لاستهداف الأمة وتهيئتها لنشوء الكيان وإن كان يمثل بداية الخطى العملية لإنشاء الكيان، فالحكاية تعود إلى ما قبل الحرب العالمية الأولى، حيث كان العالم العربي والإسلامي يرزح تحت احتلال صليبي متعدد الهويات الأوروبية، وهنا لا بد ان نشير إلى أن الصليبية والماسونية هي مسميات قديمة لنفس الأيديولوجيا التي تتكئ عليها الصهيونية حاليا.
حين اندلعت الحرب العالمية الأولى لم يكن للامة العربية والإسلامية أي وزن باستثناء اليمن الذي كان بصدد التحرر من الاحتلال العثماني والحجاز الذي كان يتعرض لهجمات السعودة، بينما كانت مصر والسودان وجنوب اليمن وأجزاء من الصومال ترزح تحت الاحتلال البريطاني، واما نجد وسواحل الخليج فكانت تشهد بداية تشكل دويلات تتم صناعتها من العدم بإشراف بريطاني وهي ما تسمى الآن دول الخليج العربي، فيما تتقاسم فرنسا وايطاليا احتلال دول المغرب العربي.
النفوذ العثماني كان قد فقد سيطرته على مصر والشام والعراق عند اندلاع الحرب العالمية الأولى لصالح الاحتلال البريطاني والفرنسي، وخلال الحرب تم وضع العراق والشام على مائدة التقاسم بين فرنسا وبريطانيا في ما تسمى اتفاقية سايكس بيكو، ولسنا بصدد سرد تفاصيل القسمة هنا بقدر ما نهدف إلى تتبع جذور التاريخ التي تتكئ عليها شجرة الحاضر للوصول الى سياق مرتب ومفهوم، والحكاية بتفاصيلها متوفرة ويمكن الرجوع اليها.
بعد الحرب العالمية الأولى مباشرة أعيد تقسيم العراق والشام بين فرنسا وبريطانيا وفق اتفاقية سان ريمو واعتمدت عصبة الأمم المتحدة وصاية بريطانيا على العراق، وتقاسم الوصاية بينهما على الشام، وكان من نصيب فرنسا الوصاية على سوريا في نطاقها الواسع (الذي أصبح الآن سوريا ولبنان)، وبريطانيا الوصاية على فلسطين في نطاقها الواسع (الذي أصبح الآن الأردن وفلسطين المحتلة)، أما الحجاز الذي كان يقع الحرمين في نطاقه ويحكمه الشريف حسين أو ما يوصف بشريف مكة وهو الجد الأكبر للأسرة الهاشمية التي تحكم الأردن حاليا، فقد وقع في قبضة آل سعود بدعم بريطاني بعد اغتيال الشريف حسين الذي كان قد وقع في فخ خديعة بريطانيا التي نكثت ما يسمى اتفاقية الحسين مكماهون، وبإمكان الجميع البحث عن الاتفاقية وفهم محتواها، وبات أبناؤه عبدالله وفيصل مجرد أدوات للوصاية استخدمتها في العراق والشام ضمن مشروع التهيئة لنشوء الكيان.
إعلان الكيان.. المهندس البريطاني يسلم للراعي الأمريكي
كانت التهيئة لنشوء الكيان امرا سهلا في منطقة عربية مفككة ومحتلة بالشكل الذي لخصناه سلفا، فقد صنعت بريطانيا دولة جديدة صهيونية الغرض في الجزيرة العربية تسيطر على الحرمين الشريفين وتضمن عدم استفادة الأمة من دورهما الديني التعبوي الجامع، ووضعت مصر تحت حكم ملكي موال لها، ووضعت العراق تحت حكم فيصل بن الحسين، وقسمت فرنسا سوريا إلى دولتين، ووضعت فلسطين تحت إشراف عبدالله بن الحسين الأكبر وقسمتها إلى الأردن وفلسطين.
وهذه هي الجذور التي انطلق السيد القائد منها في حديثه عن دور بريطانيا في نشوء الكياه، فهكذا هيأت بريطانيا المنطقة برمتها على مدى عقود قبل الحرب العالمية الأولى، وتركتها في حالة ضعف وحروب وصراعات وتشظ إلى أن اندلعت الحرب العالمية الثانية وظهور المخطط إلى العلن من خلال وعد بلفور، ثم بدأت إيفاد اليهود إلى فلسطين من كل أنحاء العالم بما فيه الدول العربية، وتجنيد اليهود في الجيش البريطاني خلال الوصاية وسمحت لليهود التملك للأراضي إلى أن احتلوا الكثير من القرى والمناطق، وكانت هذه بداية الاحتلال، وبدأ الاستيطان، والأعمال الإرهابية والتهجير للفلسطينيين، والتجهيز العسكري لليهود، واضعاف الشعب الفلسطيني، إلى أن اطمأن البريطاني ورحل بعد ان سلمها لليهود ليعلنوا كيانهم تحت اسم دولة إسرائيل ويمارسوا ابشع جرائم الإبادة والتهجير والاحراق والذبح في 1948م، وربما لا يعرف الكثيرون انه تم تقسيم فلسطين إلى الأردن وفلسطين، ثم تقسيم فلسطين بين الكيان الفلسطينيين عام 48 وإعطاء الأردن الأرض الشرقية من فلسطين للأسرة الهاشمية مقابل بيع الأرض الغربية، واما الفلسطينيين فبقيت أرضهم ميدانا لتوسع الاحتلال.
بعد النكبة ظهر دور الولايات المتحدة الأمريكية كراع جديد للكيان حيث اعترفت الولايات المتحدة بعد 11 دقيقة من الإعلان وسبقت بذلك اعتراف الأمم المتحدة، وفي المقابل يتجلى تفريط الأمة في جزء منها وهي دولة فلسطين، وهو ما شجع الكيان على احتلال بقية فلسطين وأجزاء من دول عربية أخرى، وبدأت الأمة تشعر بخطر الكيان الذي جرت زراعته في جسدها، سيما بعد أحداث الاستقلال في الدول العربية المحتلة واهمها مصر وسوريا اللتان دخلتا في حرب مع الكيان.
إن المشاركة الواضحة لأمريكا وبريطانيا إلى جوار الكيان هذه الأيام تذكرنا بالعدوان الثلاثي على مصر من حيث كونهما ينطلقان من ذات القلق الصهيوني الوجودي على الكيان ويتكئان على عقيدة صهيونية عدائية للامة، ولعل الفارق الذي يدركه الصهاينة هذه الأيام بين الحربين والحقبتين، ان المعركة اليوم تتكئ على وعي بجذور الصراع وفهم للعداء الصهيوني للامة، وتنطلق من ثوابت دينية وتقاتل بعقيدة جهادية.
هذا الوعي هو ما يشتغل عليه السيد القائد من خلال تعرية الصهيونية وحقيقتها العدائية وايديولوجيتها الرجعية والتذكير بتاريخها الإجرامي منذ إبادة الهنود الحمر إلى ناجازاكي وهيروشيما وفيتنام وغيرها، في سبيل لفت نظر الوعي الجمعي لهذه الحقائق ومن ثم صناعة رأي عام يتحول إلى مواقف يكبر ليصير حراكا يتنامى ليصنع بدوره متغيرات وتحولات كبرى، وهكذا تسري سنن الله في الإمبراطوريات عندما يحين موعد سقوطها.
والله الموفق والهادي.

 

*نقلا عن :الثورة نت


في الإثنين 20 مايو 2024 12:05:48 ص

تجد هذا المقال في الجبهة الثقافية لمواجهة العدوان وآثاره
http://cfca-ye.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://cfca-ye.com/articles.php?id=13757