|
بسقوط أكثر من 140 ألف مواطن عربي فلسطيني بين شهيد وجريح ومفقود، فيما أكثر من مليونين مشردون بلا مأوى وبلا غذاء ومع ذلك تحرص أمريكا ومعها بريطانيا على حياة المدنيين في قطاع غزة..!
يشكلون لجاناً ويبثون جلسات استماع توحي للمتلقي وكأن هاتين الدولتين تستوطن قادتهما الكثير من المشاعر الإنسانية والحرص على تطبيق القانون الدولي الإنساني..!
لكن في كل مواقفهم يقومون بمسرحيات تمثيلية ساخرة، يضحكون بها على عقول العالم وكأن هذا العالم يقطنه قطعان من الأغبياء..!
القادة والمسؤولون في البلدين، يكذبون كما يتنفسون، ومع ذلك نجد المحللين وحتى الإعلامين ومراسلي وسائل الإعلام الأمريكية -البريطانية يسيرون على طريق قادتهم ويتبنون منطقهم ومنهجهم السفسطائي المثير للسخرية..!
جلسات استماع المسؤولين الأمريكيين ليست أكثر من (فضائح) تكشف بشاعة السقوط الأخلاقي لهذه المنظومة الاستعمارية الوقحة، ومحاولة لتظليل شعوبهم وشعوب العالم..!
(بايدن) في أمريكا يعلن عن تعليق شحنات السلاح للصهاينة، (بلينكن) يرفع تقريراً (حلمنتيشياً) ساخراً جاء كمن يفسر الماء بالماء.. الخلاصة تبرئية الصهاينة من تهمة انتهاك القانون الدولي الإنساني!
بريطانيا تعبر عن مشاعرها الإنسانية وتؤكد أن السلاح سينساب للكيان وإن علقته أمريكا ستعوض عنه بريطانيا، فلا مشكلة..!
بعض الأطراف الدولية تشجعت وأدانت جرائم الصهاينة ومنهم طبعا الحكام والأنظمة العربية والإسلامية ولكن على طريقة المثل الشعبي اليمني الذي يقول (إضرب الوطاف يفهم الحمار)..!
هؤلاء الذين لا يملكون الشجاعة لمواجهة أمريكا وبريطانيا، وليست لديهم القدرة على مواجهة الكيان الصهيوني، فاختاروا أسهل الطرق وهي إدانة الكيان الصهيوني بكثير من الخجل ومساواة المقاومة به..!
تكشف تداعيات الأحداث وبصورة يومية منذ أن تفجرت معركة الطوفان أن أمريكا هي الحاضرة في العدوان ليس كداعم ومشجع للكيان الصهيوني وحسب، بل انها من تتبنى جرائم العدوان، وتشجعه عليها وعلى مواصلة ارتكابها حتى القضاء على المقاومة التي تتعاظم رغبة أمريكا في القضاء عليها وعلى رموزها وعلى دورها ورسالتها، بل والقضاء عليها ليس ككيان منظم، بل كفكرة ليس على مستوى فلسطين، بل على مستوى الوطن العربي، الذي تطلب أمريكا من شعوبه التخلي عن نزعات فكرية وثقافية وعقائد وأيديولوجيات، وتبني ثقافة بديلة تعبر عن مرحلة التحضر وفق النمط الأمريكي، ثقافة استلابية تتحرر من قيم وأخلاقيات دينية ووطنية وقومية، وتعتنق بدلا عنها قيماً ومفاهيم استهلاكية تؤمن بالحرية المشاعية، الحرية التي تنسيك قضايا وجودية مثل قضية فلسطين والقومية والوحدة والعدالة الاجتماعية، وتتخلى عن معتقدات دينية، وتقبل بالانفتاح والتحرر من العادات والتقاليد والترابط الاجتماعي وتؤمن بالحرية الليبرالية، بما تتفرع عنها من سلوكيات انحلالية تبدأ بالتمرد على المعتقدات والتقاليد وصولا للإيمان بحرية (المثلية) والتفسخ المجتمعي بزعم التحضر والتقدم والتطور مواكبة للعصر..!
إن ضرب المقاومة والتخلص منها هدف وغاية أمريكية قبل أن تكون صهيونية، ومخطط استراتيجي بالنسبة لواشنطن والمنظومة الاستعمارية الغربية التي بدأت الاعداد له منذ رحيل الزعيم الخالد جمال عبدالناصر، التي تعد مرحلته أسوأ مرحلة بالنسبة للمحاور الاستعمارية وأمريكا والكيان الصهيوني ولقوى الرجعية العربية المتحالفة معها..!
وكانت البداية من تطويع (مصر) النظام والنخب والمجتمع، إلا ما رحم ربي من بعض المكونات النخبوية والاجتماعية التي قاومت ولاتزال تقاوم هذا المخطط وإن بأصوات يزداد خفوتها مع ازدياد المعاناة الاقتصادية والحياة المعيشية للمواطن..!
برحيل الزعيم عبدالناصر سارعت واشنطن وحلفاؤها إلى تهيئة المسرح المصري وعزله عن امتداده العربي، من خلال خطاب ثقافي يشيطن قيم مرحلة عبدالناصر وأهدافه الوطنية والقومية، وإحلال آخر بديلا عنه يكرس القيم والمفاهيم (القُطرية)، فغدت مصر (فرعونية) أكثر من كونها عربية -إسلامية، وكأن (السلام) مع الصهاينة وعزل مصر عن أمنها أعظم إنجاز لقوى الاستعمار وأعداء الأمة العربية، ثم ذهبت أمريكا تشكل بنفسها الترويكا النخبوية الحاكمة لمصر وهي من تخلصت من الرئيس السادات في لحظة شعور منها أن كاريزمية السادات ورغم ذهابه للقدس وإبرامه اتفاق (كامب ديفيد) وتطبيع علاقة مصر مع الكيان الصهيوني لايزال يتمتع بـ(كاريزمية) تجره نحو الماضي القريب بعنفوانه وأن في ذاكرته شيئا من كرامة يصعب تطويعها ودفعه للقبول بفكرة الارتهان المطلق، فكان لا بد من التخلص منه ليحل محله آخر أكثر طواعية، وهكذا استطاعت واشنطن والصهاينة السيطرة على النخب السياسة في مصر وخاصة تلك التي تمسك مفاصل السلطة ولم يكن النظام الحالي في مصر رغم البروبجندا السائدة إلا امتداداً لنظام (مبارك)، ولم يكن النظام المصري الحالي إلا الحاجز الذي عمل على صد الإرادة الشعبية بالتغيير، وقطع الطريق أمام ثورة حقيقية كانت تعتمل في الشارع المصري، غير أن هذه الثورة تم احتواؤها، ثم إفراغها من أهدافها، وكما حدث في مصر، حدث في أكثر من قطر عربي ومن قدر له نجاح الإرادة الشعبية فيه، ذهب إلى حالة الاحتراب والتمزق الاجتماعي ليصبح يعيش في كنف اللا دولة واللا نظام واللا قانون..!
المقاومة في فلسطين بنظر أمريكا والصهاينة بؤرة من شأنها أن تصيب بالعدوى الأخر العربي، وتظل تقرع أجراس الوعي الجمعي العربي، وهذا يشكل خطرا على المخططات الاستعمارية ولذا نرى في فلسطين مذابح وحرب إبادة غايتها إرهاب وإرعاب الوعي الجمعي العربي ودفعه بعيدا عن فكر وثقافة المقاومة..!
* الوطاف : البردعة التي توضع على ظهر الحمار.
*نقلا عن :الثورة نت
في الخميس 23 مايو 2024 07:52:23 م