|
هؤلاء الذين يطنبونا برفع شعار "المشروع الإيراني" نسوا أو تناسوا ما ظل يرفعه الإخوان وأيضاً فيما عُرفت بالحرب العراقية – الإيرانية، وكانوا فيه يربطون الإمام الخميني (رحمه الله) بأمريكا.
معروف أن فرنسا استضافت الإمام الخميني وتبنت ثورته ضد الشاه، وهذا الارتباط بفرنسا يتم استعماله سياسياً بأمريكا.
عندما تقوم الاستخبارات الأمريكية البريطانية باغتيال رئيس الحكومة الإيرانية المنتخب، محمد مصدق، فالأولوية الأمريكية هي خلق وإيجاد صراع شيعي – سني، ويرتبط بها خلق عداء وعدو بديل للكيان الصهيوني، وهو "إيران"، وذلك ما مورس تحت عنوان "تصدير الثورة إيرانياً"، والحرب العراقية ـ الإيرانية تم إشعالها أمريكياً وغربياً وخليجياً لتقديم العدو البديل للعرب ولتأجيج صراع سني ـ شيعي.
الخميني قائد وزعيم ثورة يحمل فكراً، وعندما يتلقى عرضاً لاستضافته وتبني فكره وثورته بدون أي شروط أو إملاءات فذلك لا يُربط بأمريكا ولا يوصم بعمالة، وبالتالي فما تأتي به الأحداث والتطورات يقدم حقائق كل طرف فوق استعمالات الشك أو التشكيك.
المسألة ببساطة هي أن أمريكا لم تكن تعارض استضافة الخميني في باريس ولا تعارض دعم ثورته ذات الأرضية الشعبية الكبيرة في إيران، والخميني قبل الاستضافة، لكنه لم يقبل شروطاً فيها شبهة أو اشتباه، وأمريكا تحتاجه استراتيجياً إلى عدو بديل في المنطقة يلغي العداء لـ"إسرائيل" ومن خلال صراع شيعي ـ سني.
ولهذا يلاحظ وقرابة العقد من عمر الثورة الإيرانية أن علاقاتها مع أوروبا كانت موجودة وليست كما علاقة العداء مع أمريكا والكيان الصهيوني ومن أول أيام الثورة.
لقد ظل ذلك يُستعمل لربط الخميني والثورة بأمريكا من جانب الأطراف الإخوانية تحديداً، وحين انتهاء هذا الربط أو التوصيف بدأ يرفع شعار "المشروع الإيراني"، وبرفع هذا الشعار يؤجج الصراع الشيعي ـ السني، ويتم تدريجياً إحلال "العدو البديل"، ووصل الحال بأمريكا إلى مسعى تشكيل "ناتو عربي ـ عبري" لمواجهة هذا "العدو البديل"، وعنوانه "المشروع الإيراني".
أساس الصراع هو فلسطيني. وبريطانيا ثم أمريكا تبنتا المشروع الصهيوني، والأنظمة العربية انهزمت في حرب الانتصار المزعوم 1973 أكثر منها في حرب 1967، وبالتالي فاتفاقات "كامب ديفيد" وما توالد منها، بما في ذلك "وادي عربة" و"أوسلو" حتى ما تُسمى "الإبراهيمية"، هي تجسيد لواقع انهزام لعبت فيه الأنظمة المتواطئة مع الكيان منذ تأسيسه الدور الأكبر والمؤثر.
كل ما عملته الثورة الإيرانية هو إنزال علم الكيان ورفع العلم الفلسطيني، وهي بالتالي اصطفت مع المشروع الفلسطيني للتحرر والتحرير.
أمريكا هي التي دفعت العرب/ الأنظمة إلى ما سمي "مواجهة تصدير الثورة الإيرانية". ومع التطورات اختارت للعرب عنواناً جديداً أو تجديداً اسمه "المشروع الإيراني".
حقيقة لا يوجد غير مشروع صهيوني يقابله مشروع فلسطيني. وإيران الثورة اختارت السير في المشروع الفلسطيني، فيما قوى أو أنظمة الأمركة والصهينة بالظاهر أو الخفاء لا يمكن أن تسير مع المشروع الفلسطيني، وهذا طبيعي، وتعتمد على الحل الذي هيأته أمريكا والصهيونية باستعمال شعار "المشروع الإيراني ـ العدو البديل".
فالقتال في أفغانستان وما تلاه هو مشروع أمريكي كما أكدت كل المعطيات اللاحقة؛ ولكنه استعمل شعار الأسلمة والجهاد وضلل الكثير من الشباب المسلم للقتال نصرة لمشروع أمريكي مليون في المائة، وذلك ما لم يعد ينكر على أي مستوى.
أمريكا هي صاحبة الاختراع، ثم الإدارة والتفعيل لاقتتال تحت تسمية "المشروع الإيراني".
وخلال عقد تفعيل العدوان على اليمن قرابة العقد كان يطلق على الطرف الوطني الذي يواجه العدوان تسمية "المجوس"، وبعد نجاح الصين في الوصول لاتفاق بين السعودية وإيران لم يعد هؤلاء يجدون غير رفع الشعار الذي روجت له أمريكا والصهيونية: "المشروع الإيراني"، فكيف استدعت المجوسية وكيف خفتت؟!
إذا اختارت إيران بعد ثورتها مسلك المشروع الفلسطيني، فاليمن استبقت ثورتها في هذا الخيار كخيار وطني شعبي بغض النظر عن الوضع والإمكانات.
في هذا الوضع والموضوع فإما فلسطين ومشروعها وإما الصهيونية ومشروعها. الخيار الثالث هو صهينة تناصر المشروع الصهيوني وتحتاج لإخفاء أو تخفي بمفردات وعبارات ومزاعم وادعاءات هي من الصهينة المتماهية مع المشروع الصهيوني.
ها أنا تعاطيت في موضوع يخاف البعض من مجرد حساسيته، وهو ما يتصل بثورة الإمام الخميني وإقامته في باريس.
كل من يرفع شعار "المشروع الإيراني" فهو يستعمل الحل الأمريكي الصهيوني لإخفاء تآمره الدنس على فلسطين القضية والشعب، وهم في البغاء ببغاوات يرددون ما يُملى عليهم منذ شعار "تصدير الثورة الإيرانية" حتى شعار "المشروع الإيراني".
وللعلم، فاليمن كواقع لا يأخذ بالمذهب الشيعي "الإثنا عشري" الإيراني؛ ولكن أمريكا تأمر وهؤلاء لا يردون لها أمراً، حتى في مسائل يعرفونها في واقع وحياة شعوبهم عامة الناس في اليمن، يقولون عن من رفع شعار "المشروع الإيراني" بأنه صهيوني، ويعني هؤلاء أن يعوا أن الصهيونية ترفضهم وتلفظهم وما يمارسونه مجرد صهينة لمناصرة المشروع الصهيوني كمتصهين.
أي أن من يرفعون شعار "المشروع الإيراني" يطلبون من أمريكا والصهيونية تجديد الشعار أو الإثبات بشعار جديد، لأن هذا الشعار استهلك ولم يعد له أي تأثير إلا إثارة الضحك والسخرية، وإذا كان لديهم ذاكرة والحد الأدنى من الوعي فليعودوا إلى شعار "تصدير الثورة الإيرانية" وشعارات الجهاد في أفغانستان والشيشان، فهل مازالوا يعون أم لم يعد من مهمة غير دور الأوعية؟!
* نقلا عن : لا ميديا
في الخميس 30 مايو 2024 12:19:27 ص