زوامل كالصواعق"2"
د.إبراهيم طلحة
د.إبراهيم طلحة
زوامل كالصواعق قراءة أولية في حماسيات الحرب...

الحلقة الثانية: الشاعر / ضيف الله سلمان


ميزة شعراء المسيرة أنهم أصحاب قضية وليسوا مجرد شعراء باحثين عن الشهرة كما هي حال غيرهم.. إن الواحد منهم يظن أنه الأقلّ بين زملائه، بعكس الشعراء الذين عرفنا كثيرًا منهم والذين يظن أحدهم أنه الأفضل بين الجميع. شعراء المسيرة أبعد ما يكونون عن الرياء والسمعة، وليسوا أصوات مواقع تواصل اجتماعي فحسب.. هم مؤمنون بقضايا الوطن والأمّة وكأنهم أصحاب رسالة يبلغونها، بعيدًا عن نقّاد المديح والوهم الذين تعج بهم الساحة، والذين يعملون على تلميع بعضهم بعضًا وتقديم "أهل القرية" كيفما كان مستواهم.

وهنالك اشتراك بين شعراء الوطن في تناول قضاياه المصيرية، وتداول مفردات خاصة بالظرف التاريخي الذي يمر به الوطن اليمني، ولن نفي هؤلاء الشعراء حقهم كما قلنا منذ الحلقة الأولى، ولكن بعض الشيء خير من لا شيء، ومن المتوقع أن يدخل بعض الإخوة ليعلق بالقول: حقكم أكبر، وهو بالفعل ما نريد قوله، ولكننا لن نكتفي بعبارة حقكم أكبر دون أن ندون عبارات دالة على مدى إعجابنا وامتنانا لمجاهدي الكلمة.

وعمومًا شاعرنا في هذه الحلقة هو أستاذ كبير، وشاعر محنك، يكتب قصائده الشعبية الحماسية بطريقة تتجاوز كثيرًا من القصائد الفصحى في معانيها، وأعتقد أنه لو كتب بالفصحى بالطريقة التي يكتب بها قصائده الشعبية لما لحق شعراء الفصحى المتفاصحون غبار قدميه. الشاعر الكبير الأستاذ ضيف الله سلمان، هو ضيف حلقتنا الثانية في سياق قراءتنا الأولية عن حماسيات الحرب.

هو شاعر متمكّن أسلوبًا وعبارة، وقد اشتهرت له الكثير من القصائد في زوامل الحرب، منها:

يا تحالف تمادى واجرما

واعتدى بالحروب الظالمة

بعد هذا التخبط والعمى

أبشر ابشر بسوء الخاتمة

كل فرعون با يبكي دما

مننا والنهاية صادمة

من في احضان الامريكي ارتمى

مستحيل ان تقم له قايمة

قل لمن عاث في سفك الدما

ضربة الله تأتي قاصمة

سوّد الله وجهه مثلما

صورته بالمجازر قاتمة

أبيات من نيران ملتهبة تتشكل كمنظومة صاروخية حديثة في حوزة الجيش واللجان الشعبية.. خطاب ينادي العدو بصفاته الإجرامية، وبطبيعته الطغيانية، ليقول له: نحن هنا مهما ارتكبت من جرائم صامدون صمود جبال اليمن الشماء، ولن تنجو من ضرباتنا القاصمة التي يسدد رميها الله رب العالمين وناصر المستضعفين على القوم الظالمين، وسيكون للعدو مصير سيئ ونهاية سوداء مقابل جرائمه النكراء وصورته الأشد سوادًا في ارتكاب المجازر.

وهذه القصيدة هي نفسها التي يقول فيها:

حسبنا الله منهج قيّما

ما خشينا فيَ الله لايمة

شعبنا بالولا والانتماء

واجه اقوى الحروب الغاشمة

زلزل اعتى القوى واتقدما

وافشل (العاصفة) و(الناعمة)

ما رمينا هو الله من رمى

بالصواريخ أو بالحايمة

فوظف قدرته الشعرية للبيان الثقافي المكتسب من نهجه القرآني، وهو أن لدى شعبنا اليمني قدرة على فضح أساليب العدو في حروبه المباشرة وغير المباشرة، سواء الحرب المسماة عاصفة الحزم والتي فشلت وللآن جارٍ فشلها الذريع، أو الحرب الناعمة عبر قنوات التضليل الإعلامي التي تروج لانتصارات وهمية كنوع من التعويض النفسي لما تواجهه من انتكاسات على المستوى العسكري.

وللشاعر عشرات القصائد الحماسية التي عرفناه من خلالها، لعل من أشهرها أيضًا قصيدته المغناة:

رجالي يا رجالي.. إلى الحد الشمالي

أجيبوا داعي الله.. رجالي يا رجالي

وفيها:

تحزمنا الأوالي.. وشدينا الرحالِ

أولي البأس الشديدِ.. رجالي يا رجالي

مع الله في سبيله.. بذلنا كل غالي

وحلف الشر ويله.. رجالي يا رجالي

بتوحيد القافية في صورة تعكس وحدة الموضوع ووحدة القضية، فينادي نداء استنصار واستنهاض للهمم اليمانية من مختلف مناطق اليمن إلى حدنا الشمالي، حيث تلتقي مجاميع الجهاد على خط النار لتطوّق جحافل الزحف العدواني من مخانقها.. ويستحضر الشاعر قوة الإيمان بالله، والبذل في سبيله ثم في سبيل هذا الوطن الغالي.

وبالإضافة إلى ما استشهدنا به من قصائد شاعر فهنالك كم لا بأس به من قصائده الأخرى التي لا يتسع المقام لذكرها جميعًا، ولكن لنا أن نتذكر زامل شعبي وثيق العرى، الذي هو من كلمات شاعرنا، والذي اشتمل على لغة سهلة ممتنعة شأن معظم لغات شعراء زوامل الحرب في اليمن، وكان لقصر تفاعيل أبيات القصيدة معنًى معادل لما أراد الشاعر إيصاله من أن الحياة قصيرة ولا تسوى أن نبيع ديننا لعرض من الدنيا قليل، وبالمقابل أيضًا كانت لغة أبياتها مما قلّ ودلّ، فعلى سبيل المثال قال في أحد مقاطعها:

احنا أسود الشرى

وانصار خير الورى

والله منا اشترى

نفوسنا الزاكيات

في إحالات تاريخية واجتماعية عن شعب اليمن شعب النصرة والمدد، والاستعداد المتواصل للتضحية في سبيل أشرف القضايا.



في الإثنين 11 مارس - آذار 2019 08:49:15 م

تجد هذا المقال في الجبهة الثقافية لمواجهة العدوان وآثاره
http://cfca-ye.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://cfca-ye.com/articles.php?id=1423