هل كشفت مصر ورطة الكيان الصهيوني؟
الجبهة الثقافية
الجبهة الثقافية

 

اجتهدت الأبواق الإعلامية التابعة لإمبراطورية الشر الأميركية، ومن ورائها التابعون العرب، طوال عقود طويلة ماضية، في إمداد المتلقي العربي بالكثير والكثير جدًا من الأكاذيب، طوال الوقت، وحول كلّ شيء يمكن التوقف عنده، بداية من وهم “التفوق الصهيوني”، خصوصًا جيشه المرعب محطّم الأمم، إلى فرقة و”تلوين” الشعب العربي في كلّ قطر، ثمّ علاقة هذه الأقطار العربية بغيرها، نهاية بتعريف النجاح والفشل، ثمّ خلط مفاهيم الخطأ والخيانة، في النهاية وبفعل التكرار والإصرار وسيادة هذا الخطاب الزاعق، صار كأنّ الوهم حقيقة واقعة.

هدم خطاب تاريخي كاذب، جملة وتفصيلًا، لم يأتِ في الواقع على يد فكرة أو عبقرية سطعت فجأة، إنما جاء عبر إنجاز “الردع” لدى حزب الله تحديدًا، الطرف الذي يملك الدم والسيف، والذي أعاد إلى الذاكرة العربية المثقلة بآلامها ومراراتها الحالية، كلمات قيلت قبل 24 عامًا وشهرًا واحدًا ويومان، حينها قال الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله، في مهرجان الانتصار في “بنت جبيل” عقب انتصار الألفين المجيد، كلمة خالدة حفرت في الوعي العربي: “إسرائيل هذه أوهن من بيت العنكبوت، وهي كيان مترنح آيل للسقوط”، هذه العبارة التي سمعناها قبل 8799 يومًا صارت هي الحقيقة الأولى بعد عملية “طوفان الأقصى” وانقلابه الاستراتيجي الهائل.

فما الذي تحمله الحرب الواسعة للكيان، هل هي إمكان نصر سريع وحاسم فعلًا أم نار الله الموقدة؟

الإجابة القاطعة جاءت من مصر، أول دولة عربية شذّت عن قاعدة الرفض العربي للكيان، وارتضت التطبيع مقابل الرخاء، هذه هو الخطاب الرسمي في مصر منذ العام 1973، وإلى اليوم: “لماذا نتحمّل الحروب والدمار، ولما نعادي الولايات المتحدة الأميركية لمصالح الآخرين، ثمّ إنّ التحرر من أعباء الدور الإقليمي الأكبر من الحدود الجغرافية سيضيف إلى مصر إمكانات نمو ذاتية، عوضًا عن “هدرها” في معارك قومية أو حتّى وطنية”.

افترضت مصر – أو أنظمتها على الأقل – أنّ الطريق إلى التنمية مرهون بالرضا الأميركي أو مفتاح بابه مع الصديق الجديد الصهيوني، وأن انقلابها على أمتها العربية سيتيح لها في نهاية الطريق المكافأة الموعودة. اليوم تعلو الصرخات شاملة كلّ شيء، وربما أي شيء، من الأسعار المنفلتة إلى انهيار العملة المحلية، إلى صفقات مشبوهة لبيع أصول وأراضٍ وموانئ مصرية، وأخيرًا أزمة كهرباء غير مسبوقة في حدّتها وانتشارها و”غباء” القائمين على المرفق الحيوي، وتصريحاتهم التي تتعمد زيادة الضغط على إحساس الناس بالهوان والمذلة الجماعية.

أزمة الكهرباء في مصر لا تشبه شقيقاتها في لبنان أو سورية أو العراق، حيث إن البلد قد دخل في دائرة كارثية من الديون –تبلغ حتّى اللحظة 340 مليار دولار إجمالاً – وتعاقدت مع شركة “سيمنز” الألمانية سيئة السمعة لبناء عدة محطات طاقة عملاقة تعمل بالغاز الطبيعي، وفي سبيل زيادة العمولات والسمسرة من الصفقات، فقد زادت الطاقة الانتاجية لمصر من الكهرباء إلى إلى 58.7 ألف ميجاوات في 2023، ما يزيد كثيرًا عن الحاجة الفعلية في ذروة الاستهلاك خلال فصل الصيف، تبلغ حاليًّا نحو 36 ألف ميجاوات فقط.

إذًا خلق نظام الحكم، مع معرفته التامة بحقائق الانتاج في حقل “ظهر” الصغير، والذي تتراجع موارده سنويًا بفعل الاستنزاف المتزايد، لتنخفض من 2.7 مليار قدم مكعب في العام 2021 إلى أقل من ملياري قدم مكعب حاليًا، بالتالي لم يعد من سبيل إلا إلى الغاز الفلسطيني المسروق، لضمان إبقاء أكبر دولة عربية سوق جائعة وضخمة للصهاينة، ثمّ لموازنة صادرات مصر إلى الكيان، والتي تعد الأكبر زراعيًا وغذائيًا بين الدول العربية، خصوصًا بعد “طوفان الأقصى”.

جاء الخلل مع التطورات التي تكبح الاقتصاد الصهيوني، وتشلّ قطار حركته، فاستخراج الغاز الطبيعي مع الحقول في البحر المتوسط تأثر سلبًا كما كلّ نشاط في كيان العدو، سوءًا بفعل سحب المجنديّن على حساب قوة العمل المتوفرة أم بأمان وسلامة ظروف التشغيل في هذه المنشآت الخاصة بالطاقة. وهي كلها تتهدّدها الضربات في أي لحظة، حين تذهب المقادير إلى صراع واسع، تدحرجت خطواتها إليه فعلًا.

هذا ليس تفسيرًا أو تأويلًا، رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، وهو يفترض أن يكون ثاني أعلى مسؤول تنفيذي في القاهرة، في تصريح منشور عبر وسائل إعلام رسمية، قال فيه نصًا: “أحد حقول الغاز في دولة من دول الجوار توقف بالأمس لمدة 12 ساعة، وحجم استهلاك الكهرباء غير مسبوق، وكان سببًا في أزمة الأمس ولذلك اضطررنا إلى زيادة أوقات انقطاع الكهرباء”. والدولة الجارة الشقيقة بالنسبة إلى نظام الحكم العسكري بالطبع هي كيان العدو، بالعموم في المتوسط بلغت ذروة الانقطاعات ما يزيد عن 3 أو 4 ساعات طبقًا لتصريحات الحكومة، و8 ساعات في القاهرة، هذا فضلًا عن الأقاليم البعيدة؛ حيث لا صوت ولا رقيب.

الأكثر من تصريحات سكرتير الجنرال، هو ما جرى بالنسبة إلى القطاع الصناعي المصري، والذي يكاد يتوقف كلية، شركات الأسمدة وهي من الصناعات كثيفة الاستهلاك للطاقة قد توقفت كلية عن العمل، رسميًا أعلنت شركات “سيدي كرير”، ومصر لإنتاج الأسمدة “موبكو”، وحلوان للأسمدة وكيما أسوان توقف مصانعها عن العمل بسبب نقص الغاز. هذا الأمر، فضلًا عن خسائره الاقتصادية، يسبّب خسائر “فورية” تتمثل برفع أسعار الأسمدة، ثمّ تأثر القطاع الزراعي، وهو شديد التخلف أصلًا، ثمّ ارتفاعات متتالية في أسعار الغذاء، نهاية بتأثيره الأعمق المتمثل في توجيه تحذير باللون الأحمر لأي مستثمر أجنبي يفكر في إقامة مشروع في مصر.

الخسائر الاقتصادية هي الأخرى يمكن إجمالها في أن مصر تنتج حصة 3.8% من سماد اليوريا عالميًا، وبشكل عام قطاع الأسمدة مثلًا، في العام 2023، نحو 5.8% من كلّ صادرات مصر، ووصل إلى 2.45 مليار دولار. وضربة بهذا الحجم لهذا القطاع تثبت بشكل قاطع نهاية من يعتمد في اقتصاده أو يرتكن في سياساته للعدو الصهيوني، الخراب آتٍ لا محالة، وهو نهاية الطريق، مهما بدا غير ذلك.
..
ما حدث في مصر نتيجة انقطاع الغاز الطبيعي “العربي المسروق” من كيان العدوّ لعدة ساعات فقط، ينبئ عن مشهد أكثر سوداوية ممّا يتوقعه أكثر المتشائمين بشأن حرب واسعة يفكر العدوّ في فتحها على جبهة لبنان. في هذه الحال؛ فإنّ الدول العربية المرتبطة اقتصاديًا بالعدو – مصر والأردن – بالدرجة الأولى سيعانيان خرابًا لن يقلّ عن دمار العدو. والأهداف التي نشرها “هدهدنا” المقدس يتبين ساعة بعد ساعة أهميتها الاستراتيجية، وقدرتها على إذاقة الكيان ومن معه كأس المنون، نحن نتكلم هنا عن هدف كبير واحد ضمن مروحة واسعة من الخيارات، في حرب كما وصفها أميننا العام سماحة السيد “بلا سقوف ولا خطوط حمراء”.

العهد الاخباري: أحمد فؤاد


في الثلاثاء 02 يوليو-تموز 2024 09:28:51 م

تجد هذا المقال في الجبهة الثقافية لمواجهة العدوان وآثاره
http://cfca-ye.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://cfca-ye.com/articles.php?id=14283