اليمن يصنع المتغيرات
توفيق هزمل
توفيق هزمل


من المعروف أن لكل من الحزبين الديمقراطي والجمهوري بأمريكا أدوات بالشرق الأوسط تخدم في تحركاتها المصالح الأمريكية بشكل عام ومصالح الحزب الراعي لأطرافها.
فالحزب الديمقراطي العلماني أو الليبرالي يمسك بزمام سياسات الدول والحركات اليمينية التوجه، أو ما يعرف بـ"الإسلام السياسي"، وأبرزها تركيا وقطر وجماعة الخونج المتأسلمون، وبالوقت نفسه فهو يدعم التيار الليبرالي في الكيان الصهيوني، بحكم أن "إسرائيل" تعتبر ولاية أمريكية.
أما الحزب الجمهوري اليميني أو المحافظ فيمسك بزمام سياسات الدول والحركات العلمانية أو الصهيونية، ومن أهمها السعودية والإمارات والحركات والدول الخادمة لها ولراعيها الأمريكي، وبالمثل يدعم التيار اليميني المتشدد في الكيان الغاصب.
ويسعى كلا الحزبين لتوظيف أدواته بالمنطقة لتعزيز شعبيته في الولايات المتحدة وإنجاح توجهاته وسياساته.
وقد لاحظ الكثيرون كيف كانت قطر هي المتسيدة للمشهد العربي إبان فترة الرئيس أوباما الديمقراطي، وهي التي قادت مع تركيا أحداث "الربيع العربي"، بينما تسيدت الإمارات وتابعتها السعودية المشهد العربي إبان ولاية ترامب الجمهوري، لدرجة فرض الحصار على قطر.
مع صعود بايدن الديمقراطي إلى سدة الحكم عادت قطر وتركيا لتسيد المشهد، وتمردت السعودية على سيدها الإماراتي، وطبعت العلاقات مع قطر وتركيا، وسعت للتملص من توظيف الديمقراطيين الأمريكان لصراعاتها في المنطقة لخدمة سياساتهم، فقامت بإعادة علاقاتها مع إيران وسعت للهدنة مع اليمن وطرحت سقف شروط مرتفعاً للتطبيع مع الكيان الغاصب.
جاءت أحداث غزة في ذروة سيطرة اليمين المتطرف في "إسرائيل" بزعامة "نتن ياهو"، وهنا أصبحت المفاصل الأساسية للتحكم في أحداث الشرق الأوسط بيد الجمهوريين وزعيمهم ترامب، فتم توجيه "نتن ياهو" وابن سلمان وابن زايد بعرقلة أي هدنة بين مقاومة غزة وبين الكيان المجرم، والتي كان الحزب الديمقراطي ورئيسه بايدن يسعون لها للتخفيف من حدة الانتقادات ضد الحزب داخل المجتمع الأمريكي، وبالوقت نفسه لخدمة الأهداف الانتخابية لبايدن.
لذا استمر "نتن ياهو" بالمراوغة، واستمرت السعودية في المماطلة بتنفيذ صفقة التطبيع، واستمرت الإمارات بتوجيه مصر لعرقلة مشروع تهجير الفلسطينيين إلى سيناء كما كان مرتباً له، وتم إفشال الدور القطري التركي الساعي لخدمة حزب بايدن الديمقراطي من خلال هدنة مؤقتة لحين انتهاء الانتخابات الأمريكية.
كل ذلك لتعزيز فرص فوز ترامب في الانتخابات الأمريكية وإظهار ضعف وفشل الرئيس بايدن؛ ولكن دخل على خط الأحداث لاعب جديد يكاد يخلط الأوراق ويفسد خطة استمرار مذابح غزة لحين فوز ترامب بالانتخابات لكي يقطف ثمار الجرائم من خلال تهجير أهالي غزة إلى سيناء وعقد صفقة القرن وخلق تحالف عريض مع الكيان الغاصب، لتشارك الدول العربية في القضاء على المقاومة الإسلامية في لبنان ثم تفكيك محور المقاومة.
هذا اللاعب هو اللاعب اليمني، الذي استطاع فرض معادلة ضاغطة ليس فقط على الكيان الغاصب، بل وعلى المصالح التجارية والاقتصادية لأمريكا وحفائها، وأصبحت خطة تصفية القضية الفلسطينية والقضاء على المقاومة اللبنانية غير ذات معنى في ظل قدرة اليمنيين على إيذاء الكيان الغاصب وضرب استقراره الأمني والعسكري، والتي أسست لها عملية فجر الجمعة التي استهدفت قلب الكيان، وهو الأمر الذي يخلط أوراق سياسات ترامب والجمهوريين بالمنطقة قبل أن يصلوا لسدة الحكم في أمريكا.
فلا يمكن تصفية ملف غزة ولا تصفية مقاومة لبنان ولا عقد صفقة القرن ولا خلق منظومة اقتصادية في المنطقة بزعامة الكيان الغاصب، بل وتحول الأمر إلى كابوس أمريكي يعقد خطط الأمريكان في تحويل الهند إلى مصنع للعالم بدلا من الصين، وضمان خط تجاري آمن عبر المنطقة الصهيونية الجديدة المسماة الجزيرة العربية للتجارة الهندية، وبالتالي حصار الصين تجاريا وصولا إلى إسقاط اقتصادها المهيمن على التجارة العالمية.
لقد أصبح اليمن رقما صعبا، إقليميا وعالميا، وأصبح قادرا على صنع المتغيرات وخلط أوراق الشيطان الأكبر وأذنابه.

* نقلا عن : لا ميديا


في الأحد 21 يوليو-تموز 2024 11:59:35 م

تجد هذا المقال في الجبهة الثقافية لمواجهة العدوان وآثاره
http://cfca-ye.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://cfca-ye.com/articles.php?id=14504