|
إن المنهاج الذي صنع رجالاً أذلوا الشيطان الأكبر في البحار، واستطاعوا الوصول إلى عمق وقلب كيان قطعان الاحتلال الصهيوني، وباتت اليمن في زمنهم سماءً يتطلع إليها كل عربي ومسلم حر أملاً بالخلاص من زمن التبعية والعبودية والقهر والذلة والهوان والعدمية؛ قادرٌ على النهوض بواقعنا في كل ميدان، وتحقيق البناء والتقدم الحضاري في مختلف المجالات. وذلك لأنه يحث على التالي:
ضرورة التعامل في إنتاج الأفكار والمعارف وتأطير العلوم مع مصادر المعرفة في تكاملها وليس في تقابلها، مع الاحتراز من الوقوع في النزعات؛ نصية كانت أم عقلية أم واقعية. فذلك أخطر ما يهدد هذه الأصول نفسها ويجعلها غير فاعلة ومؤثرة، أو فاعلة في اتجاه دون آخر. نعم إن الوحي يسدد ويص وب ويهدي ويرشد دائما للتي هي أقوم، ويضفي الغايات والمقاصد ويعطي المعاني والدلالات العامة. ثم إن العقل يبدع ويجدد ويجتهد ويبتكر من العلوم والمعارف والنظم المدنية والعمرانية ما يشيد به الصرح الحضاري والعلمي للأمة. ثم إن الواقع مجال حركة واستخلاف الإنسان، وكيان سنني مطرد الحركية والتغير والحوادث والنوازل في مختلف المجالات والميادين مما ينبغي مراعاته في الحركة البنائية.
إن المشروع القرآني يحوي بين طياته أصولا ومصادر متكاملة متعاضدة من شأنها إذا روعيت جميعها أن تنتج معرفة وعلوما، وفكرا وسلوكا تنتفي معه معظم -إن لم يكن كل- الصور السلبية، من جمود وتقليد وصورية وتجريد وعدمية ولاغائية.. تلك التي تطفو على سطح كثير من الأفكار والسلوكات الآن.
إن قاعدة عين على القرآن، وعين على الأحداث كفيلة وحدها فيما لو تم استيعابها بتحقيق كل ما نروم تحقيقه في ساحات البناء والتغيير، لأنها تدعو إلى الدمج والتكامل بين عالمي الغيب والشهادة أو جدلية الغيب والإنسان والطبيعة، حيث ينبغي أن يتساوى ويتوازى النظر إلى الآيات كلها؛ آيات النص وآيات الآفاق وآيات الأنفس. فكلها مداخل للعلم والمعرفة والإيمان. وذلك بتجاوز أشكال التصنيف الثنائي للعلوم والتفاضل بينها قديما وحديثا.
وعادةً ما تجد في الثقافة القرآنية التي قدمها الشهيد القائد الحث على اعتماد النظر التكاملي المنفتح في مشاريع الإصلاح والنهوض تجنبا للمقاربات الجزئية.. وتقوية للمشترك الإصلاحي والنهضوي منهجا وتصورا وموضوعات. فلا يمكن للنسق الفكري الأحادي أن يستفرد بزمام القيادة. لا بد من عملية تركيب نسقي اجتهادي تسمح بتدشين حقبة جديدة من الإصلاح تنطلق من الذات في اتجاه الأفق الإنساني والكوني، علما أن الذات تختزل كل المقومات والهموم والمشكلات التاريخية والراهنة في عمقها الاجتماعي والسياسي والثقافي.. وأن العالمية تختزل كل إمكانات التلاقح والاندماج الإيجابي المؤثث للمشهد الكوني.
فالأول يجعل شرط العالمية والانفتاح ذاتيا، والثاني يجعل شرط الذاتية عالميا وكونيا. أي تلك الموازنة المهمة والضرورية في الهوية بين الخصوصي والعالمي أو المحلي والكوني.
إن ثقافة القرآن تؤمن بأن حركة النهوض والتطور والإصلاح والتحديث.. جهد ذاتي أولا في بناء النموذج الخاص المستجيب للمشكلات والتطلعات الذاتية، ويستعان في ذلك ”بالماضي” و ”الآخر” على حد سواء. ولكن قطعا لا يستعار ناجزا مكتملا لا من الماضي ولا من الآخر.
كما تشدد على ضرورة القطع مع كل أشكال الاغتراب، في الماضي، وإن كان ماضي الذات، وفي الزمن الحاضر؛ حاضر الآخر. فجزء كبير من عناصر الاختلال في حركات الإصلاح الديني يكمن في كونها ارتحلت إلى التاريخ فأقامت فيه بدل عودتها إلى حاضرها. كما أن جزءا كبيرا من عناصر الاختلال في حركات النهضة والتحديث أنها ارتحلت كذلك إلى واقع آخر تستعير منه حلولا لمشكلاتها وإن لم تكن مطابقة أو ناجعة كحل.
فالطريقتان في الاستعارة أو النقل، والتقليد أو التبعية.. من منظور معرفي طريقة واحدة، قائمة على الهروب من الواقع والراهن والحاضر هموما ومشكلات وتحديات، مستريحة أو مستقيلة في بحثها عن الحلول والأفكار المطلوبة.
من هنا يتضح لماذا تقدم رجال الرجال، وتعثرت الحكومة حكومة التصريف، المزرية.
- نقلا عن : لا ميديا
في الثلاثاء 23 يوليو-تموز 2024 11:55:04 م