|
ظل هاجس الخوف من انعكاس ثقافة الإسلام الأصيل على الواقع في ما تعطيه من زاد معنوي لأتباعه، وتوجده من تحولات روحية وفكرية في حياتهم، وتقدمه من رؤى ومفاهيم تصنع التصورات الواضحة والسليمة حيال ما يواجهونه من خطر، أو ينشدونه من أهداف مسيطراً على مختلف قوى الطاغوت والاستكبار حتى اليوم، لذلك عملت هذه القوى ومازالت على إيجاد ثقافة بديلة للإسلام، بحيث يصبح عاجزاً عن فعل شيءٍ من شأنه أن يحد من نفوذها المتحكم بالنفوس والحاكم لحركة الواقع، أو يقلص من سلطتها التي مكنتها من وضع يدها على منابع القوة ببعديها المادي والمعنوي، إيذاناً بالوصول للقضاء عليها بالكلية بعد ذلك، الأمر الذي جعلها تستشعر ضرورة السعي للحيلولة دون الوقوع في بؤرة الزوال الحتمي فيما لو بقي الإسلام صافياً من كل كدر، ونقياً من كل باطل أو زيف، فاتجهت لتقديم إسلام بلا روح، وذلك عبر شخصيات علمائية وطوائف وفرق مذهبية، اصطنعتها لنفسها، وتكونت على عينها، وترعرعت ونمت في أحضانها، ولما اشتد عودها واكتمل بناؤها أخرجتها إلى حيز الوجود، ملقية على عاتقها مجموعة كبيرة من المهام التي يأتي في مقدمتها:
1. ضرب الجانب التوحيدي لله سبحانه وتعالى في نفوس المسلمين، وذلك بتقديم تصور مخالف لما جاء عن الله في كتابه العزيز، في ما حكاه هو سبحانه عن نفسه، مبيناً فيه مظاهر عظمته، وسعة قدرته وعلمه، ودلالات ملكه وسيادة حاكميته على الوجود كله، وملامح قوته وعزته وجبروته التي يخضع لها كل مَن في السماوات والأرض وما بينهما وما دون ذلك، ومعاني رحمته ولطفه ورعايته لعباده، وكفالته لسائر شؤون خلقه، وذلك أن جعلته جسداً كسائر مخلوقاته، مدعيةً امتلاكه كل الجوارح التي جعلها للإنسان، كما يوضح ذلك الحديث الذي رواه البخاري مدعياً نسبته للنبي صلى الله عليه وآله، والذي يقول: «إن الله خلق آدم على صورته». ناهيك عن تضمين المجامع الحديثية كماً هائلاً من الخرافات والأباطيل التي لا يقبل بها ذو العقل السليم والفطرة السليمة إذا ما وُضِعَت بحق إنسان بغرض تكوين تصور معرفي عنه، فما بالك أن تتم نسبتها إلى الله! وكم وكم سيجد الباحث من شواهد ركز مختلقوها على ضرب القداسة والعظمة والتنزيه لله تعالى في النفوس، إلى المستوى الذي يريك أشياء لا يمكنك استساغتها حتى وإن جُعلت لشخصية خيالية في مسلسل كرتون للأطفال، لذلك أصبح ذكر الله من خلال التسبيح والثناء والحمد لا يترك أثراً في نفوس الذين أُشربوا كل هذه المفاهيم التي كونت عقيدتهم، وصاغت تصوراتهم عن الله والكون والإنسان.
2. التشويه لصورة الأنبياء والرسل عليهم السلام، ولاسيما صورة رسول الله الأكرم محمد صلوات الله عليه وآله، بغرض تحطيم جانب الكمال البشري والخلقي الذي تمثل فيه، لكيلا ينطلق المسلم معه، باعتباره القدوة الحسنة، التي يجب التأسي بها، واقتفاء أثرها، وأنت لو تتبعت ما أوردته كتب التاريخ والسير التي تناولت شخصيته بالدرس والتحليل لأدركت حجم ما اعترى ذلك كله من الدس والاختلاق والتحريف، إذ ستجد النبي الذي أرسله الله بأكمل رسالاته، وأعظم كتبه، وجعله للعالمين نذيراً بحاجة لخديجة أو ورقة لمعرفة ما إذا كان نبياً أم لا، كما سترى ذلك الخائف الوجل الذي هم بالانتحار أكثر من مرة، إلى جانب ما ستلقاه من روايات لم تترك مثلبة أو نقيصة إلا وزعمت صدورها عن رسول الله الصادق المصدوق.
3. التغييب للنماذج البشرية التي صنعها الإسلام بثقافته وأخلاقه، واستبدالها بشخصيات أخرى منحرفة وضالة، أو وهمية ولم يكن لها وجود من الأساس، كما هو الحال في ما يُعرف بالقعقاع الذي ضجت به الدنيا، أو الخرثع بن البرثع وغيرهما كثير، كل ذلك من أجل إماتة الإسلام في النفوس، وتجفيف منابع القوة لدى معتنقيه، فيظلون في سكرة الأوهام، يتنازعهم ليل الغفلة في أكثر صحارى الوجود تيهاً وجهالة وضعفاً.
* نقلا عن : لا ميديا
في السبت 27 يوليو-تموز 2024 01:22:56 ص