في هذا الزمن المفصلي، هناك أطروحات بائسة كثيرة، لكن أبأسها على الاطلاق تلك التي تصدر من سياسيين؛ خصوصاً عندما تصدر من سياسي مخضرم استقر في نهاية العمر في أحضان العمالة والارتزاق ينافح عن قوى الاستكبار والهيمنة ويعمل مع المشروع الصهيوأمريكي.
لقد قرأت عند أحدهم منشوراً على حسابه في منصة التواصل الاجتماعي يتحامل فيه على محور المقاومة ويشيطن إيران ويتهمها بأن لها مشروع توسعي إقليمي، وأنها جعلت من قضية فلسطين طاقية إخفاء له، والمثير للشفقة فيه أنه يتباكى على الدولة الوطنية المخترقة من قبل إيران، لأنها دعمت أحرار شعوب المنطقة، ويتغافل في ترهاته وهلوساته حقيقة أن المنطقة العربية تحت التبعية الأمريكية والغربية وفي نفس الوقت تنتشر قواعدها العسكرية فيها، ودول المنطقة التي يصفها بالوطنية ليست إلاٌ خادماً أميناً للسياسات الاستعمارية، في أن إيران استثناء من ذلك، ولأنها استثناء فإنها عرضة إلى كل أشكال الحرب منذ قيام ثورتها في 11 فبراير 1979م وإسقاط نظام الشاه العميل, وأثر هذا السقوط دفعت أمريكا وقوى الهيمنة الغربية أنظمتها التابعة في المنطقة إلى شن حرب على إيران وتمويلها بهدف إسقاط الجمهورية الإسلامية الإيرانية، إن الصراع الدائر الذي تخوضه إيران هو صراع مع المشروع الصهيوأمريكي الذي له رأس وذيول عديدة أنظمةً ونخباً وهو أحدها، ومثلما لقوى الهيمنة الاستعمارية أتباع، فإنه يحق لإيران أن يكون لها حلفاء في المنطقة تلتقي وتتقاطع مصالحها معهم، هذا من باب المصالح وأمنهم القومي، وإذا نظرنا للأمر من باب المشتركات الثقافية والدينية، فإيران دولة جارة تجمعنا بها الجغرافيا والتاريخ المشترك، ناهيك عن كونها دولة إسلامية تشترك مع شعوب المنطقة في نفس العقيدة، ويفترض أن يكون أمنها القومي هو أمنهم القومي المشترك .
ويُردف هذا السياسي السفيه في هلوساته قائلاً ” إسرائيل وإيران ترسمان خارطة المنطقة بما يتفق مع حاجة أمنهما، وتوظفان قضية فلسطين، ومعها التداعيات الناشئة عن التدخل الإيراني في البلاد العربية وما تتعرض له من حروب، ودمار، وضياع مستقبل بتحويلها إلى ساحات مواجهة بين البلدين “. ويغفل حقيقة أن الكيان الصهيوني غدة سرطانية استيطانية استعمارية غرسها الاستعمار قبل أن تظهر إيران الثورة بعقود وهي السبب الرئيسي للحروب في المنطقة، ولم تكن إيران الثورة إلا رافعة حقيقية لنضال شعوب المنطقة وشوكة في خاصرة التبعية والارتهان، ولولاها لكانت القضية الفلسطينية اليوم في خبر كان، .. بل ولتمدد الكيان الصهيوني على حساب أنظمة الخضوع والتبعية في المنطقة.
وما عداء عدد من أنظمة الحكم في المنطقة وبعض النخب لإيران إلاّ بالأوامر المباشرة من أمريكا والغرب، لأنها أنظمة تابعة ومرتهنة. وغريب أمرهم حين يبدون خشيتهم على الأمن القومي من إيران، في الوقت نفسه يستلذون بتبعيتهم لأمريكا القادمة من خلف المحيطات، ويفتحون أراضيهم على مصراعيها للقواعد العسكرية.
وفي حقيقة الأمر، لا أمن قومي في ظل تبعية، والأمن القومي في المحصلة أمن يتم تحصيله في كافة المجالات تكون ركيزته الأساسية الاستقلال الكامل والناجز وجوهره استنهاض إرادات الأمة بهدف بلوغها أعلى مراحل الاعتماد على الذات.
كما أنه ينبغي التأكيد أن الأمن القومي يتطلب دولة ذات سيادة، وأنظمة التبعية والارتهان في المنطقة لم ترتقِ بعد إلى هذا المستوى من الشرف.
وبالمختصر، أن كل دولة تسعى إلى الخروج من تحت نير التبعية وتنجز استقلالها التام، هي من يحق لها أن تشعر بمخاطر على أمنها القومي، وتعمل كل ما من شأنه؛ لكي تحميه، ولا أمن قومي في ظل تبعية وارتهان، فالنظام الذي يتبع قوى هيمنة لا يكون له أمن قومي، بل يغدو خادماً مطيعاً لأمن أسياده القومي.
إن ما تقوم به إيران هو الدفاع عن أمن الأمة القومي، لأن أمنها من الأمة.
أمريكا تتعامل مع وجود إيران كما تعاملت مع وجود الشيوعية والأنظمة التابعة للمعسكر الاشتراكي، بعبع تحلب به الدول الخليجية وتديم تبعيتها لها، لكن هذا لا يعني أن أمريكا وإيران في حالة وفاق أو اتفاق على بقاء الوضع على ماهو عليه، بل إن الصراع بينهما قائم وحقيقي، وكل طرف يسعى إلى الانتصار في نهاية المطاف، مثلما كان الصراع بين أمريكا والاتحاد السوفيتي، تستخدمه بعبعاً تحلب به الأنظمة الخليجية، وما من صراع يبقى دون نهاية، فكل الصراعات بين الدول تنتهي بسقوط أحد أطرافه في نهاية المطاف، إما سقوطاً سلساً أو حتى سقوطاً خشناً، عبر إنهاكه بالحرب المحسوبة.
وتعودت أمريكا أن تسقط خصومها بأموال أنظمة الخليج التي تدفع فاتورة السقوط، ألم تكن أغلب فاتورة الحرب على الاتحاد السوفيتي في أفغانستان مدفوعة خليجياً، وهذه الحرب كانت أحد أسباب ضعف الاتحاد السوفيتي وإنهاكه اقتصادياً وأدت إلى سقوطه.
وعليه، فإن العيب في الدول الخليجية التي فشلت في ترتيب أمنها الإقليمي وبناء أمن إقليمي مشترك مع إيران تحول به دون استغلالها أمريكياً.
|
*نقلا عن :الثورة نت
في الأحد 11 أغسطس-آب 2024 11:04:24 م