|
لمْ يَعُدْ في هذا الواقع _ أَعْني المرحلة الزمنية بأحداثها _ ما يستحق التّأمل ،، كلُّ شيءٍ أصبح سطحياً مبتذلاً أيّ أنه بلا معنى ولايستحق أبسط تأويل أو تفسير ،، على الرغم من أنَّنا في فترةٍ زمنيةٍ تزاحمتْ فيها النظريات المُسَاعِدَةُ على التفٍكير بِعُمقٍ ، والمُعِينَة للإنسان على التّأمل في معاني ودلالات تفاصيل الأشياء وقراءة الفكرة الوحدة مِن أكثر مِن جانب ، لكنْ يبدو أنَّ كلَّ تلك النظريات صارتْ هي الأخرى رُكَاماً من المخلفات التي تُثقل كاهلَ الوعي _رغم بساطته_ دون جدوى أوفائدة منها ، فهي بذلك ستكون أكثر وضاعة وأقلّ قيمة من درجة الوعي .
قد لا يُصَدّقُ أحدُنا أنّ مستوى التفكير ومحتواه قد وصل إلى مرحلة الفَقْد ؛ إذ بلغ به الأمر _على سبيل المثال _ إلى أنْ تَحايلَ على اللغة ونظرياتها ليُعطي بعض الألفاظ البذيئة قيمة جمالية وأدبية ، وصارتِ الكتابة عند بعض الكُتّاب ترتكز على تلك المفردات التي صارت في وعي الإنسان مفردات تستدعي اشمئزاز الذائقة وتَقَزُّزَها لأنّها أصبحتْ في تصُّور الإنسان مُحَمّلةً بأفكار ودلالات سوداوية مُنَفِّرةٍ بذيئة .
من يقرأ رواية الحارس في حقل الشوفان ترجمة غالب هلسا يجد أن الكاتب (سالنجر) رَشَّح مصطلحاً أومصطلحين بذيئين للبطل ليكون ذلك اللفظ حاضراً بكثافة في حوارات البطل وكذلك كَثُر تداوله لدى الشخصيات الهامشية ، وربما أراد الكاتب أن يبعد ذلك اللفظ من حالة نفور القارئ ليصبح لفظاً اعتيادياً طبيعيَّ التداول ومُحَسَّن المعنى في ذهن القارئ الذي قد لايستعين بسيميائية المفردة ودلالاتها المخزونة في الذهن مُسبقاً .
ألمْ أقُلْ لكم أنَّ كلَّ ما هو مطروحٌ بين أيدينا أصبح سهلاً ولايحتاج إلى التَّأمل ؟! وللتوضيح أكثر ..مثلاً : ما يحدث اليوم في الوطن العربيّ من صراعات يعطيها الكثير عند قراءة مضامينها وتفسير حقائقها أكثر من حجم معادلاتها إذْ يمكنني أنْ أُلَخِّصَها في جملةٍ بسيطة لأنَّ ما يحدث لايحتاج تَأمُّلاً أو تأويلاً أوفلسفةً عريضة طويلة .. كل شيء سطحي وعارٍ عن الدلالات العميقة ، فما يحدث ليس أكثر من تركيب جملة فعلية (فاعل + فعل = مفعول به) وما يدعوني إلى السخرية هو أن العرب مفعولٌ به ومقتنعون بهذا الدور في تكوين الجملة الفعلية ، وما يضحكني أن العرب أنفسهم هم الفاعل بالإيعاز الذي يقوم بالفعل المستورد من الآخر ذلك الذي تظهر صورته في نتائج الفعل .
أشعر بسخطٍ كبير تجاه ما أرى على هذا الواقع المُمِلّ بسبب هشاشة وسطحية تفاصيل ما فيه ، حتى اللغة التي نحتاجها للكتابة عنه لا تُطيق أن تَحمل معانيها إيحاءات تقبل التأويلات ، فاللغة _هذا الكائن المتمرد _ لا تقبل أن تمنح طاقاتها الجمالية والدلالية لهذا الواقعٍ المُتَعَرّي الذي لايكتنز أسراراً خطيرة وعميقة تحتاج إلى اكتشاف.
في الخميس 14 يوليو-تموز 2016 08:49:57 م