|
سيحضر الملوك والمشايخ والأمراء العرب قمتي مجلس التعاون الخليجي والجامعة العربية خلال ساعات , لبحث الاعتداءات التي جرت مؤخرا على الإمارات والسعودية بناء على دعوة الملك سلمان بن عبد العزيز ,أما ملخص الاعتداءات فهي عدد من التفجيرات (الفاعل ما زال مجهولا ) في عدة سفن بميناء الفجيرة الإماراتي , ثم الهجوم ( اليمنى ) على محطتي بترول لشركة أرامكو في السعودية ،وأما هدف القمتين المعلن كما يقال هو بحث الاعتداءات والتشاور في تداعياتها.
يمكنك أن تتصور حجم الحشد الإعلامي للقمة ، ويمكنك أن تقرأ كلمات رؤساء الوفود قبل أن تنعقد ، ويمكنك أن تتوقع كل ما يرضى السعوديين والإماراتيين من وعود وعهود والتزامات ، ولكن لن تسمع أبدا أحد الحاضرين يطالب فى كلمته بوقف الحرب على اليمن ولو لاعتبار براجماتى , هو أنهم جربوا فشل العدوان العسكري لخمس سنوات مثلا . ولا تتوقع أن تسمع عن مبادرة من أحد الزعماء الحضور بشأن جمع اليمنيين تحت سقف جامعة الدول العربية أو مجلس التعاون الخليجي , للبحث عن مخرج تفاوضي خارج إطار المواجهات المسلحة أو التدخل العسكري .
ولا يجب أن تتصور أن قيادة التحالف ستفاجئ العالم بأنها قررت وقف القتال من جانب واحد وترك الأمر لليمنيين .. أو تتوهم أن أحدا من الحضور سيدين عمليات اغتيال المدنيين نياما في صنعاء وصعدة , فقط قد تسمع أن الحل في اليمن سياسي, ولكن أبدا لن تسمع عن خطة عربية أو إسلامية لإدراك هذا الحل السياسي.
تتصور السعودية والإمارات أن الرأي العام العالمي بات يصدق أن اليمنيين هم من يبحثون عن مخرج كما تسوق العربية واسكاي نيوز، ولكن الحقيقة المجردة كما تثبتها التطورات الأخيرة أن الذين في مأزق هم الرياض وأبو ظبي وواشنطن , وهنا في اليمن تستكمل الملهاة المأساوية فصولها .
تقصر المسافات وتطول وتضيق الآفاق وتتسع ولا يبقى أمام الستار أو خلفه إلا سبيل واحد , وهو اعتراف كل من السعودي والإماراتي بأنهما يحاربان اليمن وليس إيران , وأن الحل عند صنعاء وليس مع معتقلي فنادق الرياض وأبو ظبي . أما اليمنيون الفقراء المحاصرون فقد خرجوا وعادوا ثم خرجوا وعادوا وسيخرجون ويعودون , وليس لديهم ما يخسرونه ، وكل ما بقي لديهم هو ذلك الجيل من المقاتلين العقائديين الذين حتما سيستعيدون اليمن وينتقمون من مئات السنين من التهميش والازدراء والنظرة الدونية خاصة من قبل جيرانهم .
في تفسير ما يجرى ؟ وهل نصدقه
صدعنا الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بقصته مع إيران , مرة بسبب الاتفاق النووي ومرة لأنها تدعم الإرهاب , ومرات لأسباب لا يعلنها هو ولا تعلنها إيران . ودون الدخول فى تفاصيل فإن موقفه حتى الساعة هو موقف البلطجي الذي أصبحت ( عينه مكسورة ) لكنه ما زال ينتظر مكالمة تأتيه من طهران .. وصدعنا تحالف عرب الخليج وأتباعهم فى الإعلام العربي بقصة الحوثيين مع إيران , مرة بسبب المذهب ومرة بسبب السلاح ومرات لأسباب لا يعلنونها ولن يعلنها الحوثيون . ودون الدخول فى تفاصيل يظل هذا التحالف منتظرا براءة ذمة تأتيه من صنعاء.
يروق لساسة التحالف وشيوخهم ودعاتهم وإعلامهم الاستكبار على الحقائق , فهم يقاتلون شبح إيران في اليمن وكأن رحم العروبة بلا رجال وبلا تاريخ وبلا سلاح وبلا إرادة , وبنفس الدرجة يروق لهم الانحناء أمام الحقائق فهم حلفاء أمريكا وزبائن مصانع السلاح و أسواق المرتزقة, ولكن لا يروق لهم أبدا الاستجابة مثلا لمبادرة أطلقت من صنعاء قبل أكثر من عام بوقف إطلاق الصواريخ البالستية من جانب واحد , بنفس الدرجة التي لم يرق لمرتزقتهم مبادرة وفد التفاوض اليمنى في استوكهولم بإعلان منع التعامل مع إيران إن وجد, مقابل إعلان الشرعية القبول بوقف التدخل الخارجي في الأزمة اليمنية , والجلوس للتفاوض على قاعدة أن الأزمة يمنية والحل يمنى .
فى اليمن أنت أمام بعض الحقائق المخزية للإنسانية والأديان والمعتقدات الأخلاقية , فلا يمكن أن تتصور أبدا أن 24 مليون إنسان يمثلون نسبة 80 %من جملة سكان دولة معترف بها في الأمم المتحدة وإحدى مؤسسي جامعة الدول العربية وشريك في كل المنظمات الإنسانية والدولية والإسلامية يواجهون خطر الموت جوعا . ولا يمكن أن تتخيل حال 2,3 مليون إنسان ما بين طفل وشيخ وامرأة نازحون بسبب العدوان , وأن 25% من الأطفال أصبحوا بلا مدارس.
الأرقام كثيرة وكبيرة ومذهلة ومخزية , ولكن أبدا لن تستشعر حجم أهوالها وأثارها السلبية , فخلف كل طفل حكاية تمزق القلوب , ومع كل أمرآة قصة تشعرك بمدى دونيتك , ووراء كل شيخ رواية بمشاعر القهر والظلم . أما نحن فنتكلم عن أرقام ونكتب قصصا , ولكن بشاعة الظلم لا يكابدها إلا من تعرض له يعايشها وتعايشه , يعجز أمامها أو تقهره , ولكنه في النهاية يحياها وحده .
من صنعاء إلى طهران لست وحدك
في الطريق إلى تفسير ما يجرى , أمامك عدة سبل متفق عليها موثقة ومسجلة بالكلمة والصوت والصورة , نبدأها من نظرة واشنطن الدونية للسعودية على مدى العامين الماضيين تبعا لتصريحات دونالد ترامب وانعدام ردود الفعل السعودية عليها , مقارنة بنظرتها لإيران خلال الأسابيع الأخيرة وتحدي طهران له .
ثم أمامك نجاح صنعاء في لفت أنظار الأمم المتحدة والعالم بمبادرة الانسحاب من الحديدة من جانب واحد ,بينما ظهرت الأطراف اليمنية الأخرى المناوئة عاجزة عن اتخاذ قرار سواء برفضه وإيجاد بديل, أو الموافقة عليه والتعاطي معه سلبا أو إيجابا , وظهور أنصار الله أمام العالم كقوة منتجة للفهم السياسي والمبادرات الايجابية من منطلق المسؤولية وشريك قادر على الإيفاء بالتزاماته , وعلى النقيض من ذلك ظهر الطرف الآخر بشرعيته وتحالفه عاجزا مترددا .
وفى محاولة من جانبهم لنفى ارتباط عملياتهم العسكرية بأوامر تأتيهم من طهران اضطر أنصار الله إلى نشر تفاصيل قصف مطار أبو ظبي وقد يضطرون قريبا لنشر تفاصيل أخرى حول عمليات بحرية وجوية وبرية تمت في الرياض وجدة والطائف ونجران وجيزان , على مدى السنوات الثلاث الماضية قبل تفجيرات الفجيرة وقصف أرامكو ومطار نجران .
ومع ذلك لا يملك محايد أن ينفي علاقة من نوع ما تربط صنعاء بطهران سواء كعضو مهم في محور المقاومة أو كشريك تلقى الدعم من قوة إقليمية لها مشروعها ووزنها في الشرق الأوسط , ولكن ينبغي التنبيه إلى ضرورة التفريق بين الشراكة والتبعية , بمعنى أنه يصح أن تعتبر كل دول الخليج أتباعاً لأمريكا مثلا , ويمكن اعتبار حزب الله اللبناني نفسه والحشد الشعبي العراقي جزءا أصيلا من المشروع الإيراني , ولكن في اليمن وعند أنصار الله تتوارى هذه التبعية , حتى لو كانت الشراكة بينهما على أرضية الموت لأمريكا .
المحايد سيفترض على أقصى تقدير وجود تنسيق استراتيجى بين صنعاء وطهران في العمليات العسكرية الأخيرة من جانب أنصار الله , بعد تلغيم الخليج بالبارجات الأمريكية وقبول بعض دول الخليج كما ذكرت صحيفة الشرق الأوسط السعودية بالحماية الأمريكية , ثم تصاعد لهجة المواجهة العسكرية بين واشنطن وطهران .
ولو وجد هذا التنسيق فإنه بالتأكيد لصالح صنعاء التي تعبر عن نفسها الآن كقوة إقليمية لتتجاوز مرحلة الجماعة الإيديولوجية المحلية , للدرجة التي تجعل أكبر مستورد للسلاح في العالم يطلب عقد قمتين عربيتين إلى جانب قمة ثالثة للعالم الإسلامي في مكة المكرمة التي قيل بأنها مستهدفة بصواريخ الحوثي .
والأكثر دقة أن أنصار الله تطوروا سياسيا وعسكريا بحيث تمكنوا من الإمساك بلحظة استراتيجية وفرصة إقليمية جاءتهم على طبق من ذهب بحيث فرضوا أنفسهم وقضية اليمن على الصراع الأمريكى – الإيراني خارج مضيق هرمز , في عمليتي الفجيرة وأرامكو , وهنا يجب أن تنتبه إلى أن السعودية والإمارات لم تعودا قادرتين على إنكار العمليات العسكرية المهمة التي يعلن عنها اليمنيون الآن كما حدث سابقا عند قصف مطار الملك خالد العسكري ومطار أبو ظبي مثلا , بل إن إعلام التحالف أصبح يستبق صنعاء فى الإعلان عن مثل هكذا عمليات يمنية . وهذا تطور كبير ومهم فى الصراع الدائر الآن جنوب جزيرة العرب .
أنصار الله قوة إقليمية وهذا هو الدليل
يستطيع المتابع لتطورات المواجهة بين واشنطن وطهران أن يرصد التردد الأمريكي والإصرار الإيراني , وحتى لو كان هناك في الخفاء ما لا يمكن رصده , إلا أن المعلن هو أن ترامب ينتظر مفاوضات بديلة عن المواجهة العسكرية , بينما خامنئي لا ينتظر لا مفاوضات ولا مواجهة , وليمارس كل طرف إدارته للصراع بطريقة تناسبه , بينما دول وسائل إعلام الخليج تشعل نيران الحرب وتطفئها كل صباح , رغم إعلان مجلس الوزراء السعودي في آخر اجتماع له ( 22 مايو) انه يسعى للسلام فى المنطقة وأنهم سيبذلون ما في وسعهم لمنع نشوب أي حرب , وسط غياب تام لرأى عام عربي خليجي يبدو نائما ولن يستيقظ .
وبينما ترتع الشرعية في فنادق العواصم بعيداً عن اليمن , و يتجول المرتزقة حول العالم لتشويه أنصار الله , ويمارس الخونة دورهم التاريخي في تجنيد مغرر بهم في الداخل , استطاعت صنعاء بضربة واحدة أو ضربتين وباستغلال لحظة حاسمة , فرض وجودها على العالم بالتأثير في أسواق النفط والتهديد بالتأثير في التجارة العالمية ,و كذلك تدفقات الاستثمارات في كل دول الخليج دفعة واحدة , هذا عدا عن تصدير الإحباط لكل من يهدد صنعاء سواء في الداخل أو من الخارج . لدرجة أن هؤلاء الذين تستدعيهم السعودية لقمم ثلاثة , ليس أمامهم إلا إن يقدموا قدما ويؤخروا الأخرى,انتظارا لعفو يأتي من واشنطن إن أوقفوا هذا العدوان .
في السبت 25 مايو 2019 10:59:23 م