أمي الشهيدة ..
ناجي علي داؤود
ناجي علي داؤود
على أبواب ذكرى الأربعينية للشهيدة والدتي يتجدّد الموقف الصعب, وأراني مثقلاً بهمّ الوقوف أمام فاجعة استهداف منزل أخي من قبل طيران التحالف السعودي الأمريكي الغاشم في صبيحة الحادي عشر من رمضان بحي الرقاص, فأجمع أوراقي المشتاقة لأكتب لها في هذه الذكرى.  

سلام لروحك الطاهرة يا أماه وبعد:

أستعيد معك آخر الأيام قبل أن يبحر مركبك إلى الله في رحلة اللا عودة رحلة الشهادة والاستشهاد ..

حين دخلتُ عليك مساءً في العناية المركزة بالمستشفى وأخبرتك بأنَّ طاغوت تحالف الشر سوف يسقط قريباً .

لا أعرف حينها ما الذي دفعني لأزفّ لك تلك البشارة, وأنا أدرك أنّك تستعدّين للسفر نحو عالم لا مكان فيه للطواغيت والطغاة , ربما فعلت هذا لأني أعرف تماماً أنك عشت أيامك ناقمة على كلّ تجّار الدّين من المرتزقة والمنافقين , وأنّ رحيل الطاغوت سيكون نسمة باردة ترافق فراش روحك الطاهر .

وأعرف أنّ طغاة الحروب من آل سعود كانوا سبباً لحزن استوطن قلبك حتى تبضّع هذا القلب, ومنبعاً لينبوع من الدمع ما جفّ حتى الإغماضة الأخيرة ..

كنت أسمع ترددات الغضب, وكلمات السخط على لسانك, وكنت مؤمناً بكفرك بكلّ قوى التحالف والشيطان التي تحاصر بلدنا , وتحتلّ حتى زوايا أحلامنا, وتقتل الفرح في جبّ المخيّلة .

مذ كنت صغيراً ما زلت وفيّاً لعقيدتك بأن البراءة من اليهود المتكالبين على المصالح والمرتهنين لها دِينا وعقيدة, ولا عجب أنّ تلك حقيقة يردّدها كثيرون في صمتهم, ويجهرون بها في غرف عقولهم المغلّقة بقرار سلطانيّ .

في ذكرى الأربعين يا أمي .. أستعيد حزنك, ودمعك, ووجعك, وصبرك, وأصبّ لعناتي المحمومة على الذين ألبسونا السواد , وجعلوا أعيادنا حزينة على طرقات المقابر, و جعلوك بين اللحود المسكونة بالصمت القاتل .

يا أمي أُعلنكِ شهيدة .. والشهادة رتبة تليق بك .. يا زوجة الجريح , ويا أم القلم المجاهد عبد الله صبري الجريح الصابر  ويا جدة الشهيدين لؤي عبد الله صبري وحسن عبد الله صبري سلام الله عليهما.

نعم يا أميّ الشهيدة .. سامحيني أيتها الحبيبة.. فأنا لا أقصد نكأ الجراح, ولا أريد لمارد حزنك أن يستفيق, ولكننيّ في يوم ذكراك أستعيدك كلّك, ومساحة الأوجاع في تفاصيل عمرك طويلة, فتستوقفني الأيام وتستفزّني المواقف, وأعود صبيّاً لأسمع صراخك يصّعد للسماء في وداع الأحبة, وبكلا الكفيّن أراك تمسحين الوجه بسواد ليس أقلّ اسوداداً من ماضينا وحاضرنا وربما مستقبلنا.

أيتها الحبيبة الشهيدة ..

ليس لعدّاد الأيام والسنين, أو لحسابات الموت والحياة, أن تمحو قضيتنا العادلة, قضية الإنسان اليمني الذي كان ذنبه أنّه يعيش في عالم تحكمه وحوش وتقوده غرائز, والقيمة البشريّة فيه رقميّة بخسة, قضية الأمّ التي أثخنت روحها وقلبها جراح يتفطّر لها كبد الجماد, فعاشت أيامها بين ألم وهمّ, ثم غادرت الدنيا راضية وشهيدة .

أيتها الحبيبة الشهيدة ..

أنّى للغضب أن يسكن إلا بين يديّ المنتقم الجبار غداً, وأنّى لوجودك أن يفارق وجودي, فورود ذكراك لن يعتريها الذبول, ونجمك الأشعّ لن يعرف الأفول ..

 

لعلها المناسبة الأكثر إيلاما للنفس والقلب والوجدان .. هو اليوم الذي تقف فيه البشرية جمعاء وقفة وفاء وعرفان للأم واقف فيه أنا مستذكراً ذلك اليوم الذي رحلت فيه شهيدة إلى الملكوت الأعلى.

فأمي لا تشبه الأمهات ... أمي شهيدة اختارها واصطفاها الله في أقدس المعارك .. هي شهيدة قضت وهي تحمي أولادها وعائلتها بلحمها الحي أمام همجية عدوان التحالف وإجرامهم الوحشي .

أمي نيزك ساطع من نيازك شهر رمضان المبارك وكوكب دري ما زال يلقي بأنواره في كل أرجاء حياتي أنا وإخوتي ..

 

أمي الحنان الذي تجسد في امرأة وأمي العطاء وقد تجسد في كفين عاريتين وأمي الحب كل الحب والتضحية متى صارت دماً نازفاً وقلباً مقطعاً وأشلاء جسد تشظى في المكان فصار الحب عنوانا والعطاء قدرا محتوما والنصر يلوح في الأفق بإذن الله ..

في أربعينيتك أيتها الطاهرة الغالية أحببت أن أتوجه بالتهنئة أمام كل الناس لأقول إني أحبك، وإني افتخر بك وإني أنا وإخوتي مشتاقون كثيراً لك .. نرقب الأيام بحزن ننتظر يوم لقائك والالتحاق بك شهداء أعزاء بفارغ الصبر.

فأنت الغالية، وأنت الشهيدة، أيتها الحية إلى جوار ربها.

 

نبذة عن الشهيدة ,والدتي التي ارتقت شهيدة في 29 مايو 2019 الموافق 24 رمضان 1440هـ متأثرة بجروها البليغة  نتيجة استهداف منزل الأستاذ عبد الله صبري رئيس اتحاد الإعلاميين اليمنيين في صبيحة الحادي عشر من رمضان الموافق 16مايو 2019م

- الحاجة معجبة محمد علي داوود

- ابنة الزاهد العابد محمد علي داوود

- مواليد عام 1962

لها ستة أولاد وخمس بنات.. أنجبت 9 منهم في يوم جمعة و 2 يوم اثنين.

- أم حنونة للغاية متفانية في حب أولادها والسهر على راحتهم وتأمين طلباتهم واحتياجاتهم.

- مؤمنة وملتزمة دينياً بشكل كبير فكانت تؤدي صلواتها في مواعيدها ولا تهمل واجباتها الدينية قائمة صائمة والتي اصطفاها الله وارتقت شهيدة وهي صائمة ساجدة تؤدي نافلة صلاة الضحى وفي العشر الأواخر من شهر رمضان المبارك 

- تميزت الشهيدة بالعديد من الصفات الأخلاقية الرفيعة وكانت تعمل كمصلحة اجتماعية في الأسرة بكاملها.

لذلك فقد أصبحنا أسارى في ذكراها مسجونين بشهادتها مكفنين بأغلال رسم صورتها، حياتنا ما زالت رهن لها وبأمرها، ما زلت على صفحات وجوهنا طائرة على أجسادنا، فهنيئا لها صبرك وهنيئا لها الشهادة فهي أم الخير وأم العطاء قبل أن تكون أمي .. هنيئا لك الشهادة يا أماه فقد نلتها ويا ليتنا كنا معك.

الله أكبر

الموت لأمريكا

الموت لإسرائيل

اللعنة على اليهود

النصر للإسلام

في السبت 06 يوليو-تموز 2019 08:40:51 م

تجد هذا المقال في الجبهة الثقافية لمواجهة العدوان وآثاره
http://cfca-ye.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://cfca-ye.com/articles.php?id=1661