|
عفاف محمد / لا ميديا -
إن أردنا تحليل عناصر الثقافة العربية في هذا العصر سنجد أنها تعود إلى ثلاثة جداول هامة: جدول جاهلي، وجدول إسلامي وجدول أجنبي.
وحديثنا هنا عن الجدول الجاهلي وهو ما يبدو في الشعر والأيام ومعرفة أنساب القبائل وتقاليد الجاهلية، وقد أقبل العرب يعبون من هذا الجدول عبا، وكأنما صُفوا عليه صفوفا، وسرعان ما ظهر من بينهم علماء كثيرون يتخصصون بمعرفة الشعر وروايته، والأنساب وتشعباتها، وأخبار الجاهلية وأيامها.
وقد تعود العرب مُنذ العصر الجاهلي أن ينوهوا في أشعارهم بأشرافهم وذوي النباهة منهم، ويتحدثوا عن خصالهم النبيلة من الكرم والشجاعة والحلم والوفاء وحماية الجار. وكان لا يعد السيد فيهم كاملاً إلا إذا تغنى بنباهته ومناقبه غير شاعر. ومضوا على هذه السنة في الإسلام، وإلى جانب ذلك من المدح هناك الشعر السياسي والذي يتحدث عن المعارك وضراوتها، حيث كان إذا حمي وطيس المعركة أشرعت ألسنة الشعراء على نحو ما تشرع سيوف الشجعان.
وهذا حال شعراء عصرنا، حيث برزت أشعارهم، وهدرت بقوة أمام الأحداث الجسام التي تعرض لها اليمن الحر من العدوان الجائر، والذي تحالف فيه السفهاء من العرب، مع الطامعين الاستعماريين، وخلفوا معاً المجازر البشعة في حق أهل اليمن ودمروا كل جميل فيها.
وقد استعر شعراؤنا حمية وغيرة ولم يخالفوا نهج شعراء العصور السالفة في أشعار الفروسية والفخر والتغني بالأمجاد من طارفها وتليدها.
نتصفح وإياكم سيرة شاعر معاصر من أرباب السيف والقلم، يجاهدون بأقلامهم وبنادقهم.. إنه الشاعر القدير والمقتدر رياض الصايدي.
بدأ كتابة الشعر منذ سن الـ17، وكانت بدايته تترجم العفوية الصعدية التي فُطر عليها أهالي صعدة الزاهدون المحبون للفنون التي يفوح منها روح الشموخ والأصالة، وكان حينها قد أتقن وبرع في شعر المحاورة المسماة في عرفهم بـ"الرّزفة" أو "البديوية".
كان شديد التأثر ببيئته البدوية الشاعرية وبشعراء قريته وقبيلته، وعلى رأسهم شيخ الشعراء الشاعر الشهيد عبدالمحسن النمري.
رياض الصايدي شاعر ممن رصدوا الأحداث رصداً دقيقاً في قصائدهم، تشعر حين تطالع قصائده بدبيب حروفه على صخر الجبال التي ترعرع فيها، ولا تباغتك كلماته قدر ما تدهشك لأن صوت الإنسان فيها يكاد يكون معروفاً، بل إن صخب الجمال في نصوصه كفيل وحده بفلق صخر الشعور ليتدفق الإحساس بكلماته.
إطلالة الشاعر رياض الصايدي تنبجس عبر ثقوب صنعتها الحروب، له مفردات صنع منها بطولات وملاحم قتالية هي في الأصل معبرة عن واقعه الذي وجد نفسه منغمساً فيه، حيث افتعل الطغاة حروبهم ضد الإنسانية وضد مفاهيم قرآنية جديدة برزت لتكذب الباطل وتدحره وتعيد للقرآن روحه المشرق.
وظف الصايدي شعره توظيفاً جيداً في الجهاد وشواغله والملاحم البطولية التي تدور رحاها في جبهات الشرف والكرامة.. حيث الأنفس السامية التي تطلب رضا اللَّه.
وتبين أنه من شعراء اليوم الذين يقولون ما يفعلون ويفعلون ما يقولون، يسعى من خلال نصوصه إلى حريته وحرية قومه ووطنه، ويعرف حقوقه وواجباته تجاه الله وتجاه المسيرة القرآنية الشريفة التي حفظت للعباد كرامتهم وأبت أن يهاب الإنسان غير الله. يؤمن بمفاهيم اجتماعية معينة ومعتقدات دينية أصيلة، وحاول تصحيح الفهم الخاطئ لتعاليم الدين، ودعا في أعماله إلى الوقوف إلى جانب مبادئ الدين صارخاً في وجه كل من يحول دون ذلك.
أنشدت له اول قصيدة شعرية بعنوان "هو الله"، والتي ذاع صيتها لضخامة وقوة كلمتها ودقة التعبير الذي يحكي المشهد ويعبر عن ثقة المجاهدين المؤمنين بتأييد الله؛ حيث وهي جملتهم المعتادة التي يلحقونها بأي نصر أحرزوه، وهذا هو سر انتصاراتهم: إيمانهم بتأييد الله ولا ينفكون عن قول "هو الله".
وقد اعتبر الصايدي أن نجاح هذا الزامل إنما هو توفيق إلهي وبجهد قليل عكس اهتماماً جماهيرياً كبيراً حيث وقد اتفقت براعة الكلمات مع صوت المنشد المجاهد عيسى الليث. تقول كلمات القصيدة:
هو الله ذي سدد هو الله ذي رمى
هو الله جل الله ما اقواه واكرمه
هو الله ذي دافع هو الله ذي حمى
هو الله ويكفينا له الحمد ما اعظمه
وله قصائد شعرية عديدة مواكبة للأحداث. ومما أنشد له أيضاً:
الله أكبر يكبر كل معبر ومجرى
الله أكبر وبالله عصمتي وارتباطي
الله أكبر وقل للي علينا تجرّا
مرحبا به على بارود زين القشاطي
ونلحظ أن معظم قصائده ذات طابع إيماني جعل من ارتباطه عميقاً بالله وعلاقته بجلالته وثيقة، كذلك هو يرحب بالعدو على ريح البارود، متحدياً إياه بشموخ وكبرياء وثقة مفرطة في أن العدو منهزم.
وفي قصيدة أخرى له بدأت كذلك بالتكبير ومطلعها يقول:
الله أكبر عليهم حوّمي يا حوايم
والقفي الخصم في برّه وبحره وجوّه
دام فرعون موغل فـ ارتكاب الجرايم
استعنا بربّي حرب في كل زوّة
وفي قصيدة أخرى يقول:
والله إني قبيلي من قبائل عريقة
موقعي وابن عمّي دايما فـ الصدارة
وابن عمّي شقيقي يا ملوك الشقيقة
ثار موج القبائل والنّكف شب ناره
ومن أهم أعماله أيضاً شيلة "علمتني الملازم"، تشارك كلماتها مع الشاعر الشهيد عبدالمحسن النّمري وهي من ألحانه وأدائه.
وكذلك شيلة "سيف العار" وهي من كلماته وتشارك في أدائها مع المنشد زايد الوايلي.
وله قصائد عديدة مما لم يُنشد وهو يعتبرها لم تكتب لتنشد بل كتبت لتلقى. يقول الصايدي: هناك القليل مما كتب لينشد ويعد بالأصابع، مواضيع قصائدي متنوعة وعديدة.
مواضيع جهادية شاملة تحكي عن المناقب والمآثر والقيم والقدرات التصنيعية والقتالية تغمر الساحة بجاذبيتها من حين لآخر.
له مشاركات مهرجانية ومسابقاتية.
المهرجانية منها ما هو ممتد من 2011 وحتى اليوم، وفي كل الفعاليات والمناسبات المعروفة التي يحتفل الشعب اليمني بقدومها مثل: فعاليات المولد النبوي الشريف، فعاليات عيد الغدير، فعاليات ذكرى استشهاد الإمام علي، فعاليات عاشوراء، فعاليات يوم القدس، فعاليات ذكرى استشهاد الإمام زيد، فعاليات أسبوع الشهيد، فعاليات أسبوع الصرخة.
كذلك شارك في مسيرات ثورة الـ11 من فبراير في كل من صعدة وصنعاء وفي مسيرات ثورة الـ21 من سبتمبر/ أيلول، وفي ذكرى كل منهما.
أما المسابقاتية فقد حظي بالمشاركة في مسابقة "شاعر الصمود".
ويرى الشاعر أن اول تكريم له هو التوفيق الإلهي بأن يكون الشاعر المجاهد.
حصل على شهادات تقدير من المجلس السياسي، ومحافظة صعدة، ووزارة الثقافة، بالإضافة إلى درع شاعر الإنسانية، إثر مشاركته بمسابقة "شاعر الصمود".
في الإثنين 21 أكتوبر-تشرين الأول 2019 05:55:48 م