عفاف محمد 

نحن اليوم أمام شاعر سمح بالشعر، مقتدر على القوافي، هو بحق شاعر ثائر، تفتقت موهبته الشعرية ولمعت في سماء الشعر، رسم في قصائده خارطة تتجاوز حدود الزمان والمكان، ليصبح إحدى الظواهر الفنية والإبداعية. 

أمين الجوفي شاعر أحاط بتاريخ وأساليب العرب، حكى أمجاد بلاده في كل محفل، أكسبته قصائده المجلجلة مكاناً ذائعاً في المجتمع اليمني بمختلف أذواقه واتجاهاته الفنية والأدبية.

في غربته خارج الوطن أدرك هذا الشاعر أنه عندما يغدو المكان الذي يحويه غير الوطن فثمة فضاء فسيح هو ملاذ لتحليق الروح قبل الجسد، عندها تصير الهواجس في عشق الوطن عاطفة صادقة تتفتق بهاء لتضيء عتمة الذاكرة وتغسلها من وعثاء الغربة.

عاد الجوفي لوطنه تاركاً خلفه همَّ الغربة وثمرتها.. عاد من جديد وزج بنفسه الهائمة في عشق الوطن، والوفاء والولاء يحدوانه.

هو شاعر تنطق ملامحه مع كل حرف يزمجر ويرعد به وكأنه يخلف إعصاراً جارفاً حين يلقي قصيدته.

اليوم نحن أمام رائعة له بعنوان "رأس خنجر"، عكست مشهد عملية "نصر من الله" بأسلوب رشيق وإحساس مصبوغ بدم الانتماء إلى كل تفاصيل وخبايا الشجن التي تدخرها الأمكنة والأزمنة. 

وكعادته اتسمت قصيدته بجمال السبك والتلاحم، وعكست دلالات قوية، كونه عالي الإحساس الفكري بالواقع، عُرف عنه شاعر سليم الذوق فصيح، بليغ، ومعانيه قريبة ومعروفة. 

هو كذلك صاحب خبرة وافرة بعادات وأحوال العرب. ومما دل على فحولته الشعرية طواعية الشعر الذي يخرج تاماً مستوياً في قصيدته "رأس خنجر" كان العنوان ينطق عن ضخامة قصيدة تجلت فيها كل خصائص القوة والجزالة وصدق التعبير والتصوير، ولم تخلُ هذه القصيدة أيضاً من اعتداده بتاريخ آبائه وأجداده، منتشياً مفاخراً بشيمهم من شجاعة وإقدام. ونال العدو والمرتزقة نصيبهم من قصيدة هذا الشاعر الحر، حيث راح يهجوهم ساخراً من الفارين والمتقهقرين والمستسلمين والخائبين، في عملية "نصر من الله". وكما هو معروف عن الشاعر أمين الجوفي قصائده تحوم حول الحدث تحويماً شعرياً مجنحاً بارعاً.

وقد أحاط هذا الشاعر قصائده بإطار رمزي، وهذا ملمح من ملامح أسلوب الشاعر اللبيب، حيث جاءت إيحاءاته طريفة وفيها شيء من الجدة. 

ويتميز شاعرنا بإلقائه الفذ لشعره وأحاديثه عن الجهاد وأهميته. كما تميز شعره بعدم التكلف، وانسابت لغته الشعرية معبرة عن إحساسه الجياش تجاه مبادئ وقيم الدين الإسلامي والولاء والانتماء للوطن، حيث جسد انتماءه لها وتمسكه بها خلال أعماله الشعرية.

لم يتوقف سيل إبداعه على مدى خمس سنوات من العدوان، مجاهراً بتذمره ضد العدو وقاذعاً إياه بشدة. 

ابتدأ قصيدته بابتهال ودعوة صادقة خص بها الشعب الأبي الحر، وحمد الله وشكره على النصر المؤزر الذي وهبه الله جنوده الصادقين. وقد وصف الشاعر مشاهد المعركة التي حدثت فيها المعجزات حتى تحقق ما سماه "النصر الأعصر" وصفاً دقيقاً، حتى يخال المتلقي أنه يسمع أصوات قعقعة السلاح ويلفه غبار المعركة. وجعل الشاعر يذكر مناقب السيد القائد -سلام الله عليه- من حكمة وتكتيك عسكري وثقة بالله، حصر بذلك العدو وجعله كمن بات في رأس زاوية حادة سماها "رأس خنجر". وهذا التصوير البليغ جعل منه عنواناً لقصيدته، حيث وخطة القائد النافذة حاصرتهم وكأنما بقوا على رأس خنجر حاد لا خلاص منه. وفي سخرية شديدة قال عن من لم يحاصر أو يستطع القتال إنه فر ومن شدة هرولته وخوفه تصاعد الغبار خلفه!

وراح الشاعر يصف المشهد الملتهب بالحماس والمتنامي بالنصر من قبل أسود الله، وفي ذروة انسجام المتلقي مع المشهد راح الشاعر يخاطبه بأسلوب فيه الكثير من الدهشة ليربطه أكثر بالمشهد قائلاً له: "تصور فوق ما تستطيع تصوره" مجاهد وألف أسير بجواره، وكأنه مشهد خيالي، ولولا تصويره بعدسة الإعلام الحربي لقال بعضهم إن هذا مجرد قول شاعر! 

برع الشاعر في تصوير المشهد، والشموخ والكبرياء يملآنه لهذه العظمة وهذا النصر الذي طال انتظاره. 

وانتقل بنا الشاعر من مشهد حال المرتزقة المزري إلى وصف حال العدو المنهزم الذي قال إنه وقع في ويل مستعر، مشبه إياه بوادٍ في جهنم ناره حامية. 

وبعد أن صارت المعركة حامية الوطيس والعدو وأذنابه في ورطة كبرى، انتقل الشاعر لمشهد آخر محدثاً فيه سماحة السيد عبدالملك الحوثي، ومؤكداً أنه خير من تولى القيادة وأحسن الريادة، فهذا النصر العظيم هو ناتج عن حكمته ونبوغه في تنشئة جيل شديد البأس واثق بالله، وأكد ولاءه له. وتسارع المشهد مذكراً العدو بتحذير السيد القائد من عاقبة تجاهلهم إياه. 

 ولم تفته فرصة التذكير بعملية العشر المسيرات التي كلفت العدو خسارة فادحة في اقتصاده عبر استهداف مصفاة بقيق.

 وبأسلوبه الرشيق تابع الشاعر سخريته من العدو ملقباً إياه بشخصيات فكاهية مثل "طحنون" و"شوتر" و"زنبقة" و"الأضرعي" و"مسعدة"، ولم ينس كذلك دماء الأطفال المهدورة. 

وفي سياق القصيدة تطرق الشاعر بأسلوب ساخر لكلٍّ من العرادة وعيال الأحمر والزنداني واليدومي وصعتر وغيرهم، محتقراً أساليبهم المبطنة ودقونهم المزيفة، مذكراً باستغفالهم الناس واستخدام قضية فلسطين لقضاء مآربهم الدنيئة. 

وتتسارع وتيرة الأبيات شارحة الحال حتى يصل للاعتزاز بنفسه وقومه بقوله: "وأنا من قوم دقت كل منحر"، ذكر ذلك بشموخ وإباء. 

وختم أبياته البديعة محذراً من حزب الإصلاح والذي سماه حزب "الدبارة"، وألحق ذلك بالمثل الشعبي الذي أوجزه بقوله: "ولا يربط مع المدبر حماره". وفي بيته الأخير ذكر العبارة المتداولة لإنهاء الحديث بقوله: "هذا علمي لا جاكم شر". 

ومن هذه القصيدة نستجلي جهارة الصوت الذي ينبثق كبركان تهتز له الجبال، وكذلك قدرة الشاعر على تزعم الموقف، فهو ذاك المجاهد الذي ينعم بظلال المسيرة مستشعراً مسؤوليته نحو تغيير ما يرى.

راس خنجــــــر

الشـاعــر/ أمــين الجـوفـي

ألا يـــــا الله يـــسِّــر مــــا تــعـسَّـرْ

وفـرّجـهـا عـلـى شـعـب الـحـضارة

وعـــسِّـر مـــا تـيـسَّــر لـلـمــخـنــزر

يـهــودي خـيـبـر الخـايـن لـجـــاره

وتــوّجْ جـيـشـنـا الـنـصــر الـمــؤزر

وتــوّج جيــش الاقشر بـالخـسـارة

جـزيـل الـحـمد لـك فـي كـل مـعبر

قـــرح، بــالـذات فــي وادي جـبـارة

وسـبـحانك عــدد الاســرى مُـعَـشّر

وفـاعـــــداد الـغـنـايـــم وانكســـاره

وما ارتــال الـهـمـر هـي والـمجنزر

يــقــوديــن الـتـحـالـف لادمـــاره

وما الـشاصات من سوقات الاصفر

تــقـادع نـار مــن مـجــرى عــيـاره

ســرى الـسيد عـليهم لـيل واصـدر

قــراره بـعـدمــا صـلـى اسـتـخارة

وخــلاهـم تــمـادوا تــحـت مـجـهر

عـيـون الـجـيش ولـجـان الـصدارة

إلاما اتـوغـلوا فــي راس خـنجر

ونــفّـذ خـطـتـه واطــبـق حصاره

عـليهم فـك جـيش الـنصر الاعصر

ودخـلـهـم بلـيـل ابــطــى نهاره

مــــن الــجـو اشـتـغـلهم بـالـمـسير

وفــ الـــبــر اشـتـغـلـهـم بـالـنـمـارة

جـمـعها فـوقـهم مــن كــل مـحـور

وحاصـر جـيـشـهم داخـــل مـغـارة

وذي مـا قد تـحاصرشـي ولا اقـدر

يــقـاتـل مــــا تــشــوف الا غباره

تـصــوّر فـــوق ما انــتـه بـاتـصـور

مـجـاهـد والــف واحــد لاجواره

بــجــار الله ما الاعـــداد تــُحـصـر

وهـــذا الـنـصر ذي طــال انتظاره

وقـع حـلف الـردى فـي ويـل يسعر

بـــوادي مـــن جـهـنـم حــوم نــاره

وذي يضرب في اطـراف الـمعسكر

فـــي الساعة مـيـة غــارة وغــارة

ولـكـن دون جــدوى، الـحلف بـنشر

وســلــم كــــل حــاجــة باختياره

والا يــا ســيـدي يــا خـيـر واجــــدر

مـــن اتــولــى الـــقــيــادة والإدارة

تــولــيــنـاك والـــقـــرآن مـــصـــدر

عـلى نـهـج الـنـبي وانـت الــبشـارة

وحــلـف الـشـر لاهــو كــان مـغـتر

فــــي انــصـاره فــهـو دوّر دماره

أبــــو جــبـريـل -يـــا مـغـتـرّ- حـــذّر

ولــــكــــنـــك مـــمــكــنــهــا دوارة

ضـــروع الــــدَّر يـا ادور بـاتـفـجـر

ولا بــايـنـفـعـك عـــالــم بـِــجــارة

تـمـاديـتوا وســـرب الـعـشـر شـمّـر

وفــي مـصفى "بـقيق" اعـلن خـياره

و"طـحـنـون" الــذنـب لاهـــو تـأخـر

عــلـيـه الــــرد بــانـحـرق مــطــاره

إلى الرحلة "كــروز" الـبـارح اشّــر

جـــوازه لاجـل يـفـعـل لــه زيــارة

يـولـعـهـا مــــن الــبـرج الـمـعـصور

شــــرارة مـــن إمــــارة لا إمــــارة

لــدمّ اطـفـالـنـا الـمــسفـوك يــثـأر

ومــا قـد شـــي يـمـاني فــك ثــاره

والامة ما انـكـرت لــلآن مـنـكـر

ولا تــنــديـد حــتــى لـــو عــبــارة

وصــاحـت مــن شــعـار "الله أكــبـر"

وذلــحـيـن الــسـفـارة فــ الـعـمـارة

مـسـلـسل ظــاهـره "عـبـلـة وعـنـتر"

وفـــي خـافـيـه مـشـروع انتشاره

كــتـب سـيـناريوه "الـجيمس بـيـكر"

و"بــنـيـامـيـن" ذي نـــفـــذ قـــــراره

وزوّج "زنــبــقـة" بــالـجـعـر "شــوتــر"

وســلـم "الاضــرعـي" كـرسـي وزارة

والا يا "مسعدة" لاقـلـبـش اخــضـر

وعــــادش هــاويــة فـــن الإثـــارة

خذي لش من "قطر" شنطة ومحضر

ومـــن مـــول "انـقـرة" زنّــة شــرارة

ومــن "جــدّة" يـوصـوا لــش بـهنقـر

ومـــن "صـافـر" يـمـدوا لــش إنــارة

وغني وارقـصي فـي عرس "جعفر"

و"طــفـاح" الــعـزب يـمـسك خـفـارة

وقـــولــي لـ"العـرادة" و"ال الاحــمــر"

ولــ"الــزنـدانـي" الــطـب استشارة

وقــولـي لـ"الـيـدومي" هــو و"صـعـتر"

كـسـيـنا الـعـاصمة ثــوب الـطـهارة

ركــبــتـوا شـــــاص والا لـنـدروفـر

فـــي الـصـنـدوق والا فــ الـغـمـارة

الاقصى والــحـرم هـــي بـاتـحرر

بــفـضـل الله واطــفـال الـحـجـارة

وبـاعـلام الـهدى واحـفاد "الاشتر"

وعــمـر الــحـق مــا ضـيـع مـسـاره

كــفــاكـم بـكـبكة فـــي كــل مـنـبر

ومــد الـشـال مــن حــارة لحـارة

جـحـافـل فـاعـلـين الـديـن مـظـهر

والادقـــان اسـتـعـاروها اسـتـعـارة

وانــا مــن قــوم دقــت كـل مـنحر

غــزا لارض الـحـضارة والـعسارة

مــن احــرار الـيـمن كـمَّـن غـضـنفر

لــنــا فــــي قــمــة الـعـلـيا مــنـارة

لــنـا تــاريـخ قــبـل الأرض تُـعــمـر

تـمـلـكـنـاه رخـــصــة واســتــمـارة

مــسـيـرة طـبـعـنا بـالـحـق نـجـهـر

ولا نـسـكت عـلى الـبـاطـل وعـاره

نــمـشـط جــوهــا والـبـحر والــبــر 

ونــصـطـاد الــعـدو داخـــل ديـــاره

تـولـيـنـا الــعَـلَـم واشــبـال "حــيـدر"

مــع ال الـبـيت يـا نـعـم الـتــجـارة

ونــنـصـح كـل مـسلـم مـا تــعــثــر 

وعـــاده مــا عـرف حــزب الـدبـارة

فـــــلا يــغــتـر بــالــدقـن الــمــزور

ولا يــبــنـي جـــــداره لاجـــــداره

ولا يـمـشـي مـــع الـبـاطل ويـنـجر

ولا يــربــط مـــع الـمـدبـر حــمـاره

وهــــذا عـلـمـنـا لاجــاكــم الــشــر

وقــلــب الــحــر تـكـفـيه الإشـــارة

* نقلا عن  لا ميديا