|
علينا أن ندرك أن المجتمعات الغربية في القرن الخامس عشر والسادس عشر والسابع عشر الميلادي كانت تعاني من أزمات وجودية ومن حروب وصراعات مدمرة وقاتلة تماما كالذي يحدث عندنا اليوم ومثل هذه المقارنة الذهنية تقول أن العرب والمسلمين يعيشون ازمنة تجاوزها المجتمع الإنساني منذ قرون ,واستطاع من خلال مفكريه الكبار أن يبدعوا واقعا جديدا لينعم بقدر من الهدوء والاستقرار من خلال التأكيد على الاحتياجات البيولوجية والسيكولوجية للإنسان وتحقيق القدر اللازم من الأمن النفسي والاجتماعي وهي حاجات لم يكن القرآن بغافل عنها والمنهج المحمدي من خلال تأكيدها على خاصية الأمن من الخوف والأمن من الجوع .
فما الذي يحدث في المجتمعات العربية ؟
الذي يحدث في المجتمعات العربية كما هو معلوم لكل ذي لب أو بصيرة هو الامتثال للنص وتعطيل خاصية التفكير والابتكار وبسبب ذلك شاعت الاشتراكية في المجتمعات كقيمة كلية نصية غير قابلة للتجزئة , وفي مقابلها شاعت الحركات الدينية كاجترار تاريخي نصي غير قابل للحوار مع المستويات الحضارية الجديدة , ونشأت فكرة القومية العربية رفضا لثنائية الهيمنة والخضوع على وفق ذلك دارت حركة المجتمع وتوازنه في حالة اغتراب زماني ومكاني وثقافي وحضاري , فهي لم تلب الاحتياجات للإنسان فالعدالة الاجتماعية عند قوى اليسار الاشتراكي كانت شعارا لم يتجاوز شكليته بهدف الوصول إلى السلطة وليس اكثر من ذلك , والقومية العربية لم تتجاوز مفرداتها , ومثل ذلك ينزاح إلى حركة “الاخوان المسلمون ” الذين دارت شعاراتهم في مربعات حاكمية الله في الارض , ولم يصلوا إليها , وصلاح الأمة في هذا الزمان لا يتحقق إلا وفق المقاسات الاولى للدعوة الاسلامية في زمنها القديم كما ورد في مرجعياتهم وتبعا لذلك كان الصراع هو ديدن المجتمع العربي الاسلامي لم يبتكر جديدا واستسلم للفوارق الحضارية في مستوياتها المتعددة , وهو يستجر النظريات اللغوية والثقافية والاجتماعية والعلمية بعد أن كان مصدرا لها ومبتكرا لكل تموجاتها ،وكل الدراسات الحديثة تؤكد أن ملهم الغرب في الوصول إلى المستويات الحضارية كان ابن رشد وغيره من العلماء الذين اخذو العلوم من اليونان والاغريق ثم اضافوا وابتكروا وساهموا في صناعة واقع جديد في حياة البشرية جمعاء.
وبالقفز على كل الازمنة والتطورات التي حدثت في المجتمعات وصولا إلى الحالة اليمنية لم تك بمنا عن ظلال ما سلف بيانه فالاشتراكية التي حكمت في الجنوب (23 ) عاما من (67-90م) عملت على تعطيل القدرات والامكانات وساهمت في ترميد حركة المجتمع وكانت تخوض صراعا مع الجماعات الدينية بشقيها السلفي و الاخواني, والصراع بين تلك القوى لم يتجاوز الشعارات , ولذلك رأينا كيف تلاشت الحركة الاشتراكية إلى درجة فقدان التأثير والفاعلية الذي كانت عليه في النصف الثاني من القرن العشرين , ومثلها الحركة القومية , ولم يعد لهما من وجود يذكر حين القياس على الواقع اليوم, وها هي حركة الإخوان تعلن عن غروبها بعد ان أصبح شعارها شعارا قاتلا لا يحمل الخيرية للبشرية وقد وصلت ذروة نكوصها باشتغالها على التفجيرات وممارسة الإرهاب الذي يهدد الانسانية جمعاء بالفناء والعدمية ,ولم تكن هذه النتيجة بدون مقدمات منطقية ساهمت الاجهزة الاستخبارية العالمية في صياغتها بطريقتها حتى تستمر مصالحها في المجتمعات التي كانت تخضع لسلطتها الاستعمارية في القرن العشرين وما قبلة .
وبالتأسيس على ما سبق بيانه, ووفقا لحركة التاريخ , نرى أن المجتمعات الحيه والفاعلة في حركة المجتمع التاريخية تفرز واقعا جديدا كما تقتضيه حركة التدافع بين الخير والشر والفساد والاصلاح وفق التعبير القرآني والاسلامي, وقد جاءت حركة انصار الله كنتيجة منطقية وطبيعية لمقدماتها التي بدأت عند مطلع الألفية وبالتحديد منذ الحرب الاولى على صعدة عام2004م وصولا إلى حالة تفجر الحدث في عام 2011م وحركة انصار الله كانت هي التعبير الامثل عن القوة الجديدة , والقوة المستضعفة التي جاءت وفق سنن الله في كونه من حيث المظلومية والاستضعاف ومن حيث تحقيق وعد الله بنصره وتأييده وبالتمكين لهم في الارض, وهذه الحركة ترى في القرآن الكريم منهجا ونظرية …. يمكن السير في طريقهما للخروج من المسالك المظلمة وهي محقة في ذلك, فالقرآن هو الهدى والخير وهو العدل والخلاص وبمجرد التأمل في سورة الاعراف نجد أنها تحمل مقاصد الله من خلال سرد متواليات الحدث وبيان انحرافه عن مقاصد الله ووجوب عقوبته ولذلك قالت سورة الاعراف بشكل مجمل بحاجات الإنسان ومقاصد الله وتحدثت عن العقوبات التي انزلها على الامم بسبب فقدان المعيارية الأخلاقية من الحق والعدل والوجود والحرية وبيان ذلك في سياق السورة ليس خافيا على كل ذي لب ومن خلال البعد النظري لمقاصد الله كما نستشف من الدلالة في مستوياتها المتعددة والتي نوجزها على شكل نقاط :-
• اتباع منهج الله وعدم الانحراف عنه آية رقم(2)
• ممارسة الظلم سبب جوهري في الهلاك آية رقم (3)
• المعيارية الحقيقية في ثقل الموازين وخسرانها هو ثنائية الظلم والعدل
• الجحود والتنكر سبب من أسباب الهلاك
• التكبر والتغطرس سبب من أسباب الإذلال والصغار
• إغراءات الحياة وملذاتها وبهرجة السلطة ……إمعان في الخروج من دائرة الرحمة إلى دائرة العذاب
• التأكيد على خاصية العدل وعدم المبالغة في ضرورات الحياة
• تجريم الإثم والبغي والفواحش والمشاعر السلبية ضد الآخرين الذين تختلف معهم
• الاحتراز من النسج على منوال الأولين وتحري الحق والعدل
• التحذير على اتخاذ الدين لهو ولعب والاستسلام لغرور الحياة وملذاتها والتحذير من الفساد في الارض.
تلك المبادئ التي تؤسس لحالة اجتماعية مستقرة سرد القرآن مؤيدات لها من التاريخ في سياق سورة الاعراف وفي سياق موجهات واضحة علينا مراجعة أنفسنا لمعرفة مدى التزامنا المنهجي والأخلاقي بها وأمامها وأمام غيرها .
في الإثنين 11 نوفمبر-تشرين الثاني 2019 08:48:02 م