بسمة وطن
زينب عبدالوهاب الشهاري
زينب عبدالوهاب الشهاري

مضى وقت طويل حين رآه آخر مرة و ها هو اليوم يعود إليهم مودعا من جديد….
تصفحت عينيه النابضتين بالبراءة و الطفولة وجه أبيه في نشوة غامرة تضاهي لديه كل جميل، استمر يحملق في وجه أبيه ينحت ملامحه الناضحة رجولة و إباء في أوداج قلبه الصغير، سرد عليهم حكاياته مع رفقاء دربه و التضحيات الجسيمة التي استرخص المجاهدون فيها أرواحهم في سبيل الذود عن الدين و الحمى، أنصت إلى حديث أبيه متتبعا كل حرف ينطقه مخلدا إياه في ذاكرته النجباء التي لا تخونه حين يستدعيها فكيف بكلام أبيه الذي يعده دررا منثورة، من يعتد به حد الزهو، كيف لا و هو من بواسل ساحات الوغى و من أشاوس ميدان التضحية و الفداء….

سطع فجر يوم العيد باهيا متألقا، انكفأت الأم إلى طفلتيها تلبسهما ثوبيهما الجديدين و تسرح شعرهما و تزينه بالشرائط، أحست بمشاعر الفقد تكوي افئدة الصغار و تطلقها عيونهم في شجن ….
لبس الصغير ثوبه الجديد و توشح شالا بهيا و طوق خاصرته بجنبية أنيقة، قبل أمه على جبينها و يديها، طبعت هي الأخرى قبلتين دافئتين على خديه الزاهيين و ودعته بدعوة نابعة من قلب حنون شفيق.
انطلق قاصدا صلاة العيد و سماع خطبتها، و في الطريق خالجته مشاعر الحزن و الحنين فقد اعتاد أن يطوي هذه المسافة صوب المسجد ماسكا يد أبيه بكل فرح و سرور، لكن ها هو اليوم يخطوها منفردا يخيم عليه الأسى….
عادت به ذاكرته حيث هناك و رأى نفسه واقفا أمام باب الدار ينظر لعيني أبيه تصارحه نظراته بعميق الغم و الألم و قد أرخى الأخير يديه على كتفيه قائلا بلهجة حازمة يخالطها الكثير من الحنان : أنا في مهمة التقاعس عنها في أي ظرف يعد تهاونا و استهتارا، متوجها و ملبيا للنداء، سبقني الكثير و سيلحق بي أكثر، أترككم في حفظ الله و رعايته و أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه.
كان هذا ما ختم به قبيل مغادرته، فاستوعب الصغير رغم صغر سنه ما حمله هذا الكلام من معان عظيمة.
تأمل المارة حوله و قد إزدانوا بأجمل الحلل يتبادلون التهاني تغمرهم الفرحة في أجواء فاح في أرجائها عطر و رونق و ألق و بهاء العيد فأدرك حقيقة أن من جعل للعيد معناه و أحل البسمة كل ثغر و وزع الفرحة في كل روح و جعل تاج الطمأنينة تتربع كل مهجة هم رجال وهبوا أرواحهم فداء لكل حبة رمل، لكل روح سكنت خافقي اليمن الحبيب.
رجال كل أملهم و جل مناهم أن يروا أبناء الوطن يتقلبون في كف الراحة و الطمأنينة يهنأون بعيش لا يشوبه منغص و لا يكدر صفوه نكد.
تبدل شجنه بالنوى فرحا لا نضير له و امتلأ فخرا و إكبارا و إجلالا أن يكون ابنا لمن رسم للوطن بسمته و للعيد فرحته.

 
في الثلاثاء 16 أغسطس-آب 2016 11:26:23 م

تجد هذا المقال في الجبهة الثقافية لمواجهة العدوان وآثاره
http://cfca-ye.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://cfca-ye.com/articles.php?id=201