النضال اليمني في مواجهة سياسة التفرقة البريطانية
أنس القاضي
أنس القاضي

لم يقتصر التاريخ النضالي اليمني على الكفاح المسلح فقط، لقد قاوم اليمنيون الهجمة الاستعمارية على الصعيدين الاجتماعي والنفسي برفضهم مشاريع التقسيم على أساس الهويات، وبمشاعر التضامن الأخوية التي غمرت كل اليمنيين في الشدائد بتعدد مذاهبهم وتنوع ثقافاتهم.

مثلت سياسة “فرِّق تسد” أهم المرتكزات التي قام عليها الاستعمار البريطاني، فلم تقتصر سياسة التفرقة البريطانية على أبناء المحافظات الجنوبية، فقد امتدت سياسة التفرقة البريطانية الى الشمال اليمني على أساس تقسيمه طائفياً بين أبناء المذهبين الشافي والزيدي، الذين هم في حالة تآخي تاريخي مهما عكر الصراع السياسي هذه الحقبة التاريخية أو تلك من صفو الأخوة المذهبية في اليمن.

في عشرينيات القرن الماضي سعت الدولة اليمنية إلى تحرير الجنوب اليمني المحتل من الاستعمار البريطاني، ووقف بجانبها كل أبناء الشعب اليمني بتنوعهم المذهبي، فكانت سياسة “فرِّق تسد” هي ما لجأت إليه لندن لمحاولة تفرقة الشعب اليمني.

تجلت سياسة التفرقة البريطانية في شكل طائفي وقح عبر المنشورات التي كانت تلقيها، خاصة في عدوانها على الشمال اليمني عام 1928م ونورد في هذه الحلقة أحد تلك المنشورات الطائفية البريطانية.. هذا المنشور كان موثقاً في ارشيف دولة اليمن الديمقراطية سابقاً، وتم إعادة نشره في كتاب “نشوء وتطور الحركة النقابية في اليمن” الذي صدر عن وزارة الاعلام في جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية.

يقول المنشور الطائفي البريطاني الصادر بإمضاء والي عدن الجنرال كيت استيورات:

الفقرة الأولى: “إلى أهالي المذهب الشافعي في اليمن، أو في المحمية البريطانية بعد السلام: تعدي الإمام والزيود علينا أجبرنا على إلقاء القنابل على حامية الزيود”.

وفي الفقرة الثانية يواصل المنشور الفتنوي البريطاني قائلا: “لمَّا كانت هذه الحاميات قد أقامت نفسها بينكم فلعلكم قاسيتم من تأثير هذه القذائف، وذلك ذنب الزيود لا ذنبنا، حسب ما قد علمتم دون شك”.

ويضيف المنشور الطائفي البريطاني في الفقرة الثالثة: “كل مجلس ليس فيه حامية زيدية لن يصير عليه رمي القنابل من طائراتنا”.

ويواصل المنشور البريطاني في الفقرة الرابعة: “لكي تعيشوا في أمان نعلمكم أن طائراتنا لن ترمي القذائف في أيام العيد وذلك بتاريخ 29 إلى 30 رمضان وتاريخ 1 إلى 2 شوال، إلا إن حصل من الزيود شيء يلزم الضرب، فإذا حصل رمي القذائف في تلك الايام ستعرفون أن الزيود هم المسؤولون عن ذلك”.

ويختتم المنشور الطائفي البريطاني في الفقرة الخامسة قائلاً: “وبما أن طائراتنا ستطير في تلك الأيام ولكن ما لم يحل شيء من الزيود كما ذكرنا اعلاه فإن طيراننا سيكون للكشف لا لرمي القذائف والسلام”.

غير أن سياسة “فرَّق تسد” في فصل وحدة اليمن شمال اليمن وتقسيمه وتحريك أبناء المذهب الشافعي ضد إخوتهم من أبناء المذهب الزيدي، فشلت فشلاً ذريعاً، وعلى عكس ما تمنته بريطانيا فإن القصف الجوي الذي استهدف كل اليمنيين لم يحرك الشوافع لطرد القوات اليمنية التي أسماها الاستعمار بالحاميات الزيدية، بل زاد من تلاحم اليمنيين، وشعر الجميع بأنهم يواجهون عدواً واحداً هو الاستعمار البريطاني الغاشم.

وقد أحبط اليمنيون من معتنقي المذهب الشافعي مشاريع التمزيق البريطانية بموقفهم الوطني الصلب، باستثناء حالة شاذة واحدة هي قبيلة الزرانيق التي استجابت للتحريض البريطاني آنذاك.

وقبيلة الزرانيق الوطنية تقاوم اليوم العدوان السعودي الأمريكي الإماراتي مع أبناء تهامة وكل الشعب اليمني.

في ذلك العام 1928م شنت قوى الاستعمار البريطاني هجوما برياً وبحرياً واسعاً على اليمن، لضم المناطق التي يقطنها معتنقو المذهب الشافعي إلى المحميات الجنوبية، وفي الوقت الذي كانت فيه طائراتها تقصف القرى والمدن اليمنية دون تفريق بين الاهداف العسكرية والمدنية تقدمت قواتها الغازية في اتجاه الشمال، بينما تقدمت بواخرها في البحر الأحمر بقصد احتلال الحديدة.

في هذه الحملة الاستعمارية البربرية جندت بريطانيا عن طريق سلطان لحج مرتزقة من الهند وكينيا والعراق والخليج العربي.

وخلال عمليات الهجوم الجوي المتوحش قصف الطيران البريطاني مناطق القطيبي والضالع وقعطبة وتعز ويريم وذمار وإب والنادرة وماوية والعدين وحيس والمخا وركز هجومه بشكل خاص على المركزين الرئيسيين للجيش اليمني في قعطبة والضالع، وفي قعطبة وحدها قتل أكثر من 140 امرأة وطفلاً.

كما حلَّقت طائرات بريطانية استكشافية فوق صنعاء وعم السخط والجزع أوساط المواطنين، ولجأ اليمنيون الذين اصبحوا تحت التهديد المباشر إلى الكهوف والجبال.

تحت ضغط الهجوم الجوي البريطاني المتوحش اضطرت الحاميات العسكرية اليمنية إلى الانسحاب من السلطنات والمشيخات التي كانت قد حررتها من قبضة الاستعمار البريطاني مثل الضالع والقعيطي وشعيب والعواذل، كما أخلت القوات اليمنية كل المواقع التي كانت تسيطر عليها في الجنوب مثل السليك والسنوة والردوع والمجباة والمركولة والدمنة.

ورغم تراجع القوات اليمنية وانسحابها العسكري من بعض المناطق التي كانت قد حررتها من الاستعمار البرياطني، إلا أن هذه الحرب ثبَّتت وحدة الأراضي الجنوبية وخرجت بموقف يمني واحد وأخوة بين أبناء المذهبين الشافعي والزيدي، على عكس ما كانت ترجوه بريطانيا من تقسيم طائفي في اليمن.

وفي هذه المرحلة الراهنة من تاريخ شعبنا اليمني تسقط – مجدداً – مشاريع التقسيم الطائفية، ويقاوم اليمنيون هذا العدوان بمختلف مناطقهم ومذاهبهم وتياراتهم الفكرية.

المراجع
– كتاب طريق الثورة والوحدة اليمنية للدكتور محمد علي الشهاري.
– كتاب نشوء وتطور الحركة النقابية في اليمن للمؤلف عبدالله علي مرشد.


في الخميس 05 ديسمبر-كانون الأول 2019 06:44:48 م

تجد هذا المقال في الجبهة الثقافية لمواجهة العدوان وآثاره
http://cfca-ye.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://cfca-ye.com/articles.php?id=2032