|
الثورات الشعبية الحقيقية والصادقة هي تلك التي قامت بها الشعوب المقهورة المستضعفة للخروج من وضعها المزري إلى حالة أفضل، بعيدا عن العوامل والمؤثرات الخارجية، وبعيداً عن دور المنظمات الدولية ودوائر الاستخبارات وشغل السفارات والناشتين والناشتات، والواضح أن زمن الثورات الحقيقية قد انتهى عندما بدأت الدول الغربية بصناعة الثورات الملونة وتصديرها بنسخ متعددة تتناسب مع احتياجات كل دولة.
في القرن الحادي والعشرين انتقلت الثورات من مرحلة التحرك العفوي والتلقائي الى مرحلة التطوير والتصنيع والتصدير، وأصبح لها مراكز متخصصة لصناعتها، ومن أبرزها مركز «ألبرت أينشتاين» الذي أسسه المفكر الصهيوني «جين شارب»، ومؤسسة فريدوم هاوس ذات الصلة بجهاز المخابرات الأمريكية، وأصبح يطلق على هذه المؤامرات اسم الثورات الملونة التي انطلقت رحلتها في العام 2002 من فنزويلا الاشتراكية المناهضة للهيمنة الأمريكية من خلال الانقلاب على الرئيس «هوجو شافيز» وسجنه، وعلى الرغم من إفشال الشعب الفنزويلي للانقلاب وإخراج شافيز من السجن وإعادته إلى الرئاسة، غير أن واشنطن لم تتوقف عن استهداف ومحاولة ضرب فنزويلا، وقامت بمشاركة بعض الدول الأوروبية بتحريك الشارع في العاصمة كراكاس ضد الرئيس مادورو، وتنصيب الموالي لهم خوان غويدو رئيساً للبلاد بطريقة لا علاقة لها بالديمقراطية.
وفي جورجيا كان لثورات أمريكا الملونة دور واضح في العام 2004، بإسقاط النظام الموالي لروسيا والمناهض للسياسات الأمريكية، وعلى النمط نفسه والأسلوب ذاته تكرر الأمر في أوكرانيا بعد أن قامت واشنطن بإشعال الاضطرابات والمظاهرات عبر منظمات المجتمع المدني الممولة أمريكياً من أجل محاصرة روسيا وحرمانها من عمقها الاستراتيجي في جورجيا وأوكرانيا.
أما البرازيل الدولة القوية التي نهضت وتطورت في ظل استقلال وسيادة كاملة أزعجت الحركة الصهيونية، لاسيما بعد مساندتها للقضية الفلسطينية وقيامها بطرد السفير الإسرائيلي، لم تنجح الثورات الملونة والاحتجاجات السلمية، ما دفع واشنطن عبر أذرعها وأدواتها للانقلاب على رئيسة البلاد وإقالتها بطريقة غير دستورية، وتعيين الصديق الحميم لنتنياهو رئيسا للبرازيل.
في كل هذه الدول كانت المخابرات الأمريكية والحركة الصهيونية تقوم بتجريب إصدارات ثوراتها الملونة، وتُطور من آلياتها ووسائلها قبل تصديرها إلى منطقتنا من أجل تقسيم الدول العربية وتفتيتها وإغراقها في حالة الفوضى التي نشاهدها اليوم في أغلب دول الشرق الأوسط، بدأت النسخة الأولى في ما عرف حينها بالربيع العربي عام 2011، من تونس الى مصر واليمن، وتعثرت في سوريا برغم انتقالها إلى مرحلة العنف والعمل المسلح، كما نجحت في إغراق ليبيا بالفوضى واللادولة حتى يومنا هذا.
أما النسخة الثانية وفيها تحديثات متعددة وجرى تعديلها تقنياً وفنياً باستخدام كافة وسائل التكنولوجيا المتطورة، ونجحت في السودان، ولازالت مستمرة في الجزائر والعراق ولبنان، وكان هناك نشاط محدود في تونس ومصر والكويت، وربما أن ذلك كان تجريباً للنسخة المطورة، ومن المتوقع أن تمتد النسخة الجديدة إلى سوريا واليمن كمرحلة متقدمة، وليس مستبعداً أن يكون هناك استهداف لدول أخرى مثل المغرب والأردن وعدد من الدول الخليجية.
* نقلا عن لا ميديا
في السبت 07 ديسمبر-كانون الأول 2019 07:12:13 م