إرث غير صالح
أنس القاضي
أنس القاضي


علي صالح وإن رحل شَخصاً إلا أن ما صنعهُ في اليمن لم ينتهي بموته، فقد أسس نهجاً فاسداً ما زال مُستمرا، وإن كان صالح قد قال من قُبيل السُخرية عن مُرتزقة العدوان هؤلاء “خُبزي وعجيني”، فهوَ لم يتحدث عَن بقية الخُبز والعجين الفاسد الذي يمتد من الاقتصاد إلى السياسة والجيش فالوعي والأخلاق.

ليس من التحامل القول بأن علي صالح يُعد أبرز الشخصيات الإجرامية والافسادية في التاريخ اليمني المعاصر، لا ينافسه فيها إلا شقيقة في الإجرام علي محسن الأحمر، ولو لم يكن شخصية ملموسة معروفة لظن البَعض انه شخصية خلقتها الاقاويل الشَعبية اليمنية، فهو بفداحة سيل العرم الذي ضرب سد مأرب العظيم ودمر الحياة الزراعية اليمنية!

إن أخطر ما أورثه علي صالح في الحقول الاجتماعية والمؤسسية العديدة الذي نخرها في الفساد هوَ الإفساد القيمي، فمع علي صالح أصبح الفساد والتشوه والرديء والبذيء والقميء هوَ الأساسي والراسخ والطبيعي، فيما ما هو خير وأخلاقي وقيمي وجمالي هو الشاذ والمرفوض، هذا التخريب الممنهج الذي قام به علي صالح سيظل مُعيقاً وممانعاً لكل توجه وطني وقيمي بناء تقوده أي قوى وطنية وثورية يمنية وأي توافق سياسي وطني يمني.

تعزيز قيم الفساد والتشوه والطفيلية والأنانية الذي قادها علي صالح في اليمن، لم يكن من أجل ذات هذه القيم أي حباً للشر والتبشير به في عالم الوعي والروح، بل كان في إطار صياغة الحياة الاجتماعية اليمنية في العالم الملموس بما تلبي مصالح القوى الطفيلية الاستغلالية الاستبدادية العميلة الحاكمة مع صالح وبه، وهذه القوى والثقافة مازالت مُستمرة بعد رحيل علي صالح. والفساد يؤدي الى المزيد من التهميش والاقصاء الاجتماعي والاقتصادي لطبقات المجتمعات الفقيرة الأوسع. جراء تحويل الموارد العامة في غير صالح الشعب، وكان من الممكن ان تستفيد منها في برامج مثل برامج الانفاق على الشرائح والطبقات العريضة من الفقراء والمهمشين، وقطاعات التعليم والصحة والإسكان والغذاء وتمكين المرأة، والخدمات الاجتماعية الأخرى.

مثل المؤتمر الشَعبي العام الجهاز الأساسي الذي نشر علي صالح عبره هذه القيم والسلوكيات الفاسدة وواجبه به كل توجه قيمي وخير؛ المؤتمر أحد أبرز آليات الفساد في اليمن، ولعب دوراً سلبياً عن طريق استخدام المال العام في الاستقطاب السياسي، وتوسيع دائرة الموالين للسلطة الحاكمة، وتوزيع العطايا والمكافئات المالية، والاعتمادات سواء للأفراد او للشخصيات العامة، او الاحزاب الصغيرة الديكورية، لإبقائهم في الحظيرة السياسية الفاسدة.

اضافة الى الدور الذي لعبه الحزب في تشويه الحقائق عبر وسائل إعلامه العديدة في اضعاف واستنساخ الصحف الأهلية والحزبية المعارضة وشقها، وتدمير التنظيمات السياسية، وإضعاف المجتمع المدني، بما يفضي الى مسح التعددية السياسية والعملية الديمقراطية الناشئة. فضلاً عن تسييس الوظيفة العامة والتعيينات والامتيازات الوظيفية والترقيات وحصرها فقط على المنتمين الى الحزب الحاكم.

كما ان الجمعيات الخيرية للمؤتمر الشعبي العام حين كان هو الحزب الحاكم، هذه الجمعيات تشكلت مصادر دخلها من الاعتمادات الكبيرة التي تأتيا من خزينة الدولة، بصورة غير مقننة، من التبرعات القسرية التي تفرضها أقطاب السلطة على رجال الأعمال، والمستثمرين بين الحين والآخر وخلال المحطات الانتخابية المختلفة.

أساطيل السيارات الحديثة، التي كان يستوردها نظام صالح بالمال العام ويوزعها بسخاء لشراء الذمم في المواسم الانتخابية والأزمات السياسية، لكسب الولاء استرضاء النخب العسكرية والمشيخية وحتى السياسة الحزبية. وفرض الاتاوات غير القانونية على البيوت والمؤسسات ألتجارية والاستثمارية في المواسم الانتخابية في كل أزمة تواجهها السُلطة، أو في حالات المعاقبة والانتقام.

تفشي الفساد الذي تربى في قصور وحكومات صالح زاد معدلات الفقر وشجع على بروز النعرات الفئوية والعشائرية والمناطقية، وزاد من موجات الفوضى والإرهاب. حيث أن احساس المواطن بالاضطهاد والمظلومية كثيرا من يتم تفسيرة كمظلومية مناطقية أو طائفية أو قبلية أو حزبية فتصبح هذه الفكرة جانباً عقائدياً في تمترسة خلف هذه العصبويات أو الجماعات الارهابية.


في الثلاثاء 10 ديسمبر-كانون الأول 2019 12:08:57 ص

تجد هذا المقال في الجبهة الثقافية لمواجهة العدوان وآثاره
http://cfca-ye.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://cfca-ye.com/articles.php?id=2047