ملاحظات حول من يكتب الهُوية الوطنية ومناهج التعليب!
عبدالعزيز البغدادي
عبدالعزيز البغدادي

تحت عنوان الدفاع عن: (الهُوية الثقافية اليمنية) بتنا نقرأ كتابات أشبه بالصراخ والعويل الذي يدعو إلى إنقاذ ما يطلقون عليه من مصطلحات مضطربة، متشابكة آخرها ما وصفه الأخ / د. عوض يعيش في منشور له على صفحته على الفيس بوك باسم مستعار ( إسلام شامخ ) بتأريخ 9 /ديسمبر2019 الجاري تحت عنوان (لا تعبثوا بالهُوية الثقافية اليمنية ) مما جاء فيه : ( اعتداءات السلطة الفجة على هُوية الإنسان اليمني وحقه في فكره وتفكيره وفي اقتناعه وقناعته تجري على قدم وساق من خلال القيام بمحاربة هُويته التعليمية والثقافية الوطنية حيث تجري أعمال عدوانية تستهدف اجتثاث الهُوية التعليمية والثقافية والفكرية اليمنية في المدارس والمعاهد والجامعات وفي كافة المؤسسات والمصالح والدوائر الحكومية وعبر مُختلف البُنى والمكونات الجماهيرية والشعبية ) ، وسرد عدة آليات لذلك ؛

وأياً كان مستوى منهجية وما يتطلبه مثل هذا الموضوع من حرص على الموضوعية التي ربما كان ما يدعيه من مظلُمة وراء ما احتواه المنشور من توتر *(قد ساهم في أرباك مصطلحاته) ولتبيين ذلك يكفي الإشارة بإيجاز إلى الملاحظات التالية:

أولاً : من حيث المبدأ أعتقد أن كل القوى اليمنية أو بالأصح السلطات التي وصلت إلى الحكم قد اندفعت خلال حكمها لمحاولة فرض قناعاتها حول ما ترى أنه يشكل الهُوية الوطنية بما يُشبه التعريف المانع الجامع لمعنى الهُوية وبقوة السلطة التي انحرف التعامل معها من مفهوم الأمانة إلى المُلك الذي كان معاوية من أبرز مؤسسيه بالاستناد لظاهر الآية الكريمة (تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاءُ وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاءُ ) مع أن السلطة من الناحية النظرية على الأقل أمانة ومسؤولية منذ فجر الإسلام وهُوية أي مجتمع إنما هي ( خلاصة التراكم المعرفي والثقافي والحضاري لما يعدُ جديراً بالمحافظة عليه من بنية دينية وأخلاقية وحضارية وثقافية تصلح لأن تكون أساساً يسير عليه ذلك المجتمع في حياته الحاضرة ويبني عليه مستقبله ) وهذه محاولة متواضعة أضعها في إطار البحث عن معنى الهُوية.

ثانياً :- لا يستغرب أن يغيب عن الإنسان في حالة الانفعال أو الاندفاع حقيقة أن المنهج الدراسي لمدارس الجمهورية اليمنية جرى التلاعب به خلال الأربعة العقود الماضية بصورة فجة ، ومخيفة حقاً كي يُصبَغ بالصبغة الوهابية عن طريق شريك السلطة على مدى تلك العقود الإخوان قبل الوحدة وحزب الإصلاح بعد الوحدة بحُجة فرض منهج التوحيد ونبذ منهج الشرك حسبما زعموا حينها لمحو هُوية المجتمع وتراثه الذي تكونت بعض عناصرها على مدى أكثر من ألف ومائتي عام ومعروف أن ذلك تم بتمويل سعودي موجه أمريكياً وصهيونياً لخلق أجيال قابلة للتجنيد في أنشطة الإرهاب والفساد التي تعاني منها الأمة اليوم ، وخلال ذلك تم استبدال كلّما قد يوجد في المنهج من بقايا فكر مستنير ينتمي إلى المذهب الزيدي والشافعي بالوهابية المنغلقة المتوحشة ، ولم نر هذه الحدة في الدفاع عن الهُوية اليمنية التي تعايش في صنعها المذهبان ، الزيدي المعروف بأنه سنة الشيعة وشيعة السنة مع الشافعي الذي لا يحمل ضغينة واضحة ضد الزيدية وتعايشا من حيث المنظور العام أي بغض النظر عن أي ممارسات ناتجة عن ضيق أفق أو انغلاق لدى البعض من الجانبين وهذا هو مصدر التنوع الذي مثله من أورد دكتور عوض أسماءهم للتدليل على أنهم من رموز الثقافة اليمنية عبر مراحل تاريخية متعددة .

ثالثاً :- الهُوية الثقافية في الإسلام كما أعتقد ليست صنماً يُعبد ولا قالباً جامداً ، ولا رؤية مُناهضة لإعمال العقل والاجتهاد فيما يجوز فيه الاجتهاد ، ولكنها هُويِة حية يُثريها العقل ويغنيها التفاعل مع الآخر والأخذ بأحدث العلوم والمعارف (وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا) ، ولذلك فإن المنهج الدراسي ينبغي أن تتم مراجعته وطنياً كلما تطلب الأمرُ ذلك من قبل لجنة وطنية على مستوى عالٍ من العلم والمعرفة والحرص على الوحدة الوطنية تنطلق في بحثها عن الهُوية من متطلبات المصلحة المشروعة لليمن الموحد ونبذ كلما يؤدي إلى الشقاق والنفاق والخمول ، وعدم القبول بأي نوع من التبعية والانغلاق معاً.

رابعاً: – للحد من أي نزاعات مستقبلية بهذا الشأن ينبغي أن ينص في الدستور على منع أي نظام سياسي يصل إلى السلطة من محاولة إصباغ الهوية الثقافية والوطنية بالصبغة المذهبية أو الحزبية أو الفكرية للنظام الحاكم لأن الهُوية الوطنية لابد أن تكون جامعة لا مفرقة وغير قابلة لأية إملاءات خارجية وسيكون تنفيذ ذلك قراراً تاريخياً يحسب لأي نظام يعمل على تثبيته في دستور اليمن المأمول وطنياً وليس المصنوع خارجياً.

خامساً: – يجب التركيز على ضرورة تمسك كل القوى السياسية اليمنية التي تدعي الدفاع عن الهُوية بالسيادة الوطنية وعدم استقوائها بالأجنبي ضد شريكها في المواطنة وأن يتم صياغة الهُوية انطلاقاً من المتطلبات الوطنية مع الاستفادة من العلوم الحديثة بناءً على البحث العلمي، فالإسلام يرفض الجمود والتكفير والإقصاء بأي صورة من الصور.

منهج الحق يأتي به الصدق
يتلاقح بالعنفوان وبالصبر والجد
يأتي إليك الطريق.

(*): فيما يدعيه الأخ د. عوض يعيش من مظلمة متعلقة بولده وأخيه أناشد الأخ قائد الثورة السيد / عبد الملك الحوثي التوجيه بسرعة الإفراج عنهما أو إحالتهما للمحاكمة إن كان لها مقتضى فبقاؤهما قيد الحجز والإخفاء غير جائز شرعاً وقانوناً وكلي ثقة بأنه لا يقبل بهذا .


في الثلاثاء 17 ديسمبر-كانون الأول 2019 06:18:50 م

تجد هذا المقال في الجبهة الثقافية لمواجهة العدوان وآثاره
http://cfca-ye.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://cfca-ye.com/articles.php?id=2072