|
لقد قدم السيد عبد الملك الحوثي في كلمته الأخيرة في الثامن من الشهر الحالي ، بمناسبة الذكرى السنوية للشهيد، مقاربة متميزة لما آلت إليه معطيات الصراع في المنطقة ، وحيث أن “السيد ” وكعادته في اغلب كلماته او خطاباته ، يقدم نظرة شاملة حول أغلب المواضيع والملفات العسكرية والسياسية والاجتماعية ، المتعلقة مباشرة بمعركة الدفاع عن اليمن بمواجهة تحالف العدوان ، أو المرتبطة بها بشكل أو بآخر ، فقد تميزت كلمته الأخيرة هذه بكونها حملت إطارا عاما للصراع الواسع في المنطقة ، تركز بمجمله حول المواجهة المفتوحة حاليا بين محور المقاومة من جهة وبين الأمريكيين والكيان الصهيوني من جهة أخرى .
هذه الإضاءة على جوانب الصراع ضد الأمريكيين بشكل عام، والتي قدمها السيد عبد الملك الحوثي ، تمحورت حول نقطة أساسية كانت منطلقا للتوسع في عرضه لمقاربته ، وهي عملية الغدر الأمريكية التي أدت إلى استشهاد اللواء قاسم سليماني قائد فيلق القدس وأبو مهدي المهندس نائب رئيس الحشد الشعبي العراقي ورفاقهما ، وهذه المقاربة المهمة والشاملة عن أسس هذا الصراع والمواجهة مع الأمريكيين والإسرائيليين ، يمكن القول عنها ( المقاربة ) أنها صالحة لتكون أشبه بأمر عمليات نموذجي أو خارطة طريق لا بد منها في هذه المواجهة .
لقد كان السيد واضحا بوضعه الأمريكي ومعه الإسرائيلي في خانة ” العدو” ، عدو الأمة كاملة ، وحيث أشار : ” من يحمل راية الاستكبار، من يتجه بكل ثقله، بكل مؤامراته، بكل استكباره، بمخططاته الشيطانية لاستهداف أمتنا، من يقود هذه المؤامرات من أعداء الأمة من الكافرين هو العدو الأمريكي والإسرائيلي، هؤلاء هم في مقدمة أعداء الأمة ” . ومن هنا ، في اعتباره العدو عدواً للأمة كاملة ، وليس عدو اليمن لوحده أو عدو الجمهورية الإسلامية الإيرانية لوحدها مثلا ، بدأ السيد بطرح وحدة الأمة كاملة ، الأمر الذي يفترض بنظر السيد ، أن تكون المواجهة شاملة ، يشترك فيها كل أطراف محور المقاومة أو بمعنى آخر كل مكونات ودول ومجموعات الأمة ، فاكتملت فقرة “الصديق ” في أمر عمليات السيد ، حيث في رأيه أن التكاتف ضد العدو ومواجهته هو واجب ديني ووطني وقومي ، قبل أن يكون واجبا وضرورة عسكرية وميدانية وإستراتيجية .
تابع السيد في كلمته الإشارة ، وبلمحة تاريخية وجغرافية عن مجازر ومظالم هذا العدو ، من خلال عرض لمحة سريعة عن مآثر الأمريكيين قائلا : ” حدث في اليابان، إلقاؤها بالقنابل النووية على الشعب الياباني في مدنه وقتلها للآلاف المؤلفة من الناس حتى من الأطفال والنساء في كثير من أقطار الأرض… هل يمكن أن ننسى ما فعلته أمريكا في العراق بعد غزوه واحتلاله حيث ارتكبت أبشع الجرائم بكل أنواعها … هل يمكن أن ننسى ما فعلته ولا زالت تفعله أمريكا في أفغانستان البلد المسلم الذي يلقى شعبه الأمرّين من الظلم والجبروت والاضطهاد الأمريكي، هل يمكن أن ننسى فلسطين وما أدراك ما فلسطين، ومقدسات الأمة والشعب الفلسطيني ؟ ” .
لاحقا ، تطرق السيد إلى مسؤولية الأنظمة الخاضعة والتي تلعب دور الأداة بيد أمريكا ، كأنه يحمّلها مسؤولية اكبر أو توازي مسؤولية العدوان ، حيث يمكن الاستنتاج من كلامه أن مسؤولية الأنظمة والحكومات المرتهنة من الأمة هي مسؤولية مضاعفة ، لأنه من دون دورها ، تعجز أمريكا عن التدخل بفعالية في منطقتنا ، حيث هناك قيود كثيرة ، دولية وإستراتيجية ، تحد من إمكانية تأثيرها وفعاليتها لولا هذا الخضوع من قبل تلك الأنظمة العربية والإسلامية .
كما وتطرق السيد في معرض كلامه عن الأنظمة المرتهنة ، حيث انه في الوقت الذي يتحدث فيه الأمريكيون وغيرهم عن غباء ترامب ، نجد مجموعات في أمتنا يمدحونه من جهة ، ومن جهته يقابلهم بتسمية حقيرة ومذلة ” البقرة الحلوب ” وهم يضحكون ومسرورون ولا يعني لهم الموضوع شيئا وهذا بأساس التبعية وفقدان الكرامة …
بطريقة أخرى ، يمكن الاستنتاج أيضا من كلام السيد ، انه من عناصر المواجهة أيضا ليس المواجهة الايجابية فقط والتي تعني تشكيل جبهة موحدة والقتال والمواجهة ضد العدوان الأمريكي- الصهيوني، إنما يجب أن تكون هناك مواجهة سلبية أيضا ، والتي تعني عدم الخضوع وعدم التجاوب مع الخارج ، والابتعاد عن لعب دور الأداة له ، وهذا الأسلوب أو النوع من المواجهة ( المواجهة السلبية ) ربما يكون بمستوى فعالية المواجهة المباشرة وربما هو أكثر فعالية منها ، حيث أن الفارق في القدرات العسكرية والمالية هو لمصلحة العدوان .
وليعود السيد ويربط بين الإسلام كدِينٍ عظيم ينشد ويسعى إلى الحرية والاستقلال والكرامة والعزة ، وبين التبعية التي يعيشها البعض والذين يكونون قد تخلوا بذلك عن أساسيات ومبادئ الدين الإسلامي .
هذا في البعد الديني والوطني والقومي ، ولكن تطرق السيد أيضا وبشكل واضح إلى مفهوم القانون الطبيعي الذي يعطي حق الدفاع عن السيادة والمقدسات والأوطان ، فنحن ، يقول السيد : ندافع عن أنفسنا ولم نهجم على أمريكا بل هي التي استهدفتنا وهجمت علينا وعلى ثرواتنا وعلى أراضينا وبحارنا ومياهنا الإقليمية ، من هنا ، نملك حق الدفاع المشروع عن النفس الذي ترعاه وتفرضه القوانين الدولية والطبيعية والتاريخية والأعراف والتقاليد .
ويشدد السيد في كلمته على قسمين من الأمة يقوم كلٌ منهما بدور سلبي جدا في دعم العدوان ومحاولة إضعاف جبهة المقاومة ، فالجهة الأولى تلعب دور الساعي دوما إلى تبرير وتأييد ما يقوم به العدوان الأمريكي ، من باب المصلحة الضيقة أو من باب الحقد والتشدد المؤذي للجميع ، والجهة الثانية تلعب دور معرقل المواجهة للعدوان من ناحية اعتمادها “مسار التثبيط واللوم والانتقاد للطرف المقاوم ، ومحاولة تكبيل الأمة بأن لا تتجه لدفع هذا الشر الموجود أصلا، وبأن لا تتصدى لهذا الخطر القائم ، بما معناه حرمان الأمة حتى من الدفاع عن نفسها ” .
ليركز السيد في مقطع من أهم مقاطع الكلمة على ” العملية الإجرامية الأخيرة التي استهدفت قائدا من أبناء هذه الأمة الإسلامية، قائدا مسلما مجاهدا حرا عظيما، اسمهُ الحاج قاسم سليماني، أحد أبناء هذه الأمة، قبل أي انتماء آخر هو مسلم ينتمي للإسلام وينتمي لهذه الأمة، واستشهد فيها أيضا قائدٌ مجاهدٌ بطل عزيز هو الحاج أبو مهدي المهندس ورفاقهما رحمة الله تغشاهم جميعا، وكيف كانت هذه الجريمة اعتداء سافرا ومباشرا تجاوزت فيه أمريكا كل الاعتبارات واستباحت كل اعتبارات القانون دولي والأعراف والأديان ” .
وأخيرا أمام هذه الاستباحة الأمريكية الصهيونية لحقوق امتنا ولسيادتها ولدماء خيرة قادتها ، لا بد -حسب السيد- من التحرك لمواجهة هذا العدوان في جميع ميادين وساحات أطراف محور المقاومة ، في اليمن وفلسطين والعراق ، وفي إيران الدولة الرائدة في هذه المواجهة منذ انتصار الثورة الإسلامية وإلى اليوم ، حيث من الضروري التوحد في هذه المعركة صفا واحدا كالبنيان المرصوص ، وحيث دخلنا اليوم ودائما -بحسب السيد- مرحلة جديدة عنوانها التوحد في التصدي لهذا الخطر .
في الأربعاء 15 يناير-كانون الثاني 2020 08:12:45 م