التصدي اليمني للتوسع السعودي في عام 1934م "2"
أنس القاضي
أنس القاضي


تحت ضغط الثورة التحررية اليمنية انسحب الأتراك من اليمن، وقد لعب القائدان التحرريان الامام يحيى حميد الدين، والسيد محمد علي الادريسي، دوراً تاريخياً هاماً في توحيد قوى الشعب اليمنية ، وتنظيم انتفاضاته وتمرداته على الاحتلال العثماني في ثورة تحررية جبارة اثبتت اصالة الشعب اليمني وموروثه الحضاري وتوقه إلى الانعتاق والاستقلال من الهيمنة الاجنبية، حتى سُميت اليمن بـ”مقبرة الغزاة”.

قاد الإمام يحيى حميد الدين الحرب التحررية على امتداد الهضبة الوسطى والمنطقة الشرقية من اليمن، وقاد السيد محمد علي الادريسي الثورة التحرية في مناطق عسير السراة، وعسير تهامة، وجزء من تهامة إلى الحديدة.. فنشأت دولتان، دولة وطنية هي اليمن المتوكلية، وإمارة الإدريسي، وبدأ صراع لاهب بين الدولة اليمنية وإمارة الإدريسي التي اتجهت لتصبح إمارة انفصالية على غرار إمارات وسلطنات الجنوب اليمني، وقد مهد هذا الصراع لعودة الاطماع السعودية الوهابية القديمة.

حاول الشريف حسين أمير مكة مد نفوذه إلى عسير السراة من خلال اميرها الحسن بن علي بن عائض الذي تمرد على الادريسي، وقد وجد الادريسي نفسه بين نار الإمام يحيى والشريف حسين، فتوجه إلى الاستعانة بابن سعود، وفي المقابل تنازل الادريسي عن عسير السراة لابن سعود بمقتضى ما أُسمي (معاهدة الصداقة) التي ابرمت بينهما في 31 ـ 8 ـ 1920م.

إلا أن قبائل عسير السراة لم تعترف بسلطة ابن سعود، ولم يتمكن ابن سعود من اخضاعها لسلطته الا بعد حملات عسكرية متتالية استمرت إلى عام 1923م، كان على رأسها الأمير فيصل الذي اصبح ملكاً فيما بعد.

حاول الملك عبد العزيز الاتفاق مع الدولة اليمنية حول وضعية عسير السراة، غير أن الإمام يحيى ترك المسألة معلقة، وقامت اليمن بحملة عسكرية لانتزاع هذه المناطق من نفوذ الإدريسي، وما إن تمكن الجيش اليمني من انتزاع الحديدة وتهامة الجنوبية خلال عامي عام 24 ـ 1925م، حتى بادر الحسن بن علي الادريسي عام 1926م إلى عقد (معاهدة حماية) مع ابن سعود، طمعاً في الحفاظ على ما تبقى من إمارته، فكان أن ابتلعها ابنُ سعود فيما بعد!

من أجل تخفيف وطأة المعاهدة السعودية الادريسية عن الدولة اليمنية اعلن الملك السعودي أن المقصود من المعاهدة مع الادريسي ليس استعداء اليمن ولكن (ابقاء عسير مستقلة كدولة وسط بين السعودية وبين اليمن، لتجنب نشوب الحرب) وادعى ابن سعود انه لا يريد أكثر من أن تكون هناك في عسير حكومة يمنية محايدة بين حكومة اليمن وحكومة ابن سعود.

ومنذ ذلك الحين دخل حاكم صنعاء وسلطان نجد في مفاوضات طويلة ومعقدة استمرت طيلة العشرينات، ولم تصل إلى حل.

وبضم السلطان الوهابي عام 1930م عسير تهامة إلى منطقة نفوذه، غدت -بقيام (المملكة العربية السعودية) في 1932 – جزءاً من مملكة ابن سعود.
بعد ابتلاع ابن سعود الأراضي اليمنية التي كانت إمارة إدريسية حاول أنصار الادريسي القيام بانتفاضة ضد الادارة السعودية، إلا أن اليمن المتوكلية لم تنتهز الفرصة السانحة للاندفاع العسكري بجانب مقاومة الأدارسة، فكان غلطاً تاريخياً فادحاً.

وفي عام 1933 انتهت مقاومة الأدراسة، وكان على الإدريسي أن يتوجه إلى صنعاء، لتحريض اليمن على استعادة عسير تهامة.
توجه الجيش اليمني إلى نجران لانتزاعها، حيث أن نجران كانت في ذلك الوقت غير خاضعة تماماً لابن سعود وكانت السُلطات السعودية تواجه بمقاومة يمنية شرسة خلال العشرينات، ومن أجل قطع الطريق على محاولات ابن سعود مد نفوذه الى نجران، زحفت قوات حكومية يمنية وشعبية اخرى نحو جبال عسير تهامة مدعومة بقوى المقاومة اليمنية من انصار الأدارسة، فأدى تطور هذه الأحداث إلى تفجر الحرب بين المملكة المتوكلية اليمنية والمملكة العربية السعودية.

وهكذا اندلعت الحرب في 22 / 3 / 1934م، والتي انتهت بعقد (معاهدة الطائف) في 19 /5 / 1934م.

ولم يكن هدف ابن سعود من هذه الحرب انتزاع نجران وعسير وجيزان، بل ابتلاع اليمن بكلها وضمها إلى مملكته الوهابية.
علَّق ابن سعود آماله على على اختراق هضبة صعدة واخضاعها، إلا أن الجيش اليمني والمقاومة الشعبية تصدوا لهذه المحاولات بقيادة الأمير احمد حميد الدين، وتمكنت القوات اليمنية من كسر الزحف السعودي الوهابي بشكل تام.

في اليوم الثاني من دخول الامير فيصل إلى الحديدة نشبت معارك بين الجيش اليمني والجيش السعودي في قاع باقم وفي النقعة ويباد والشطبة وعلس من لواء صعدة، وقد اشتركت في معارك المقاومة فصائل من الجيش الذي انسحب من تهامة، وأسهمت بفعالية قوى محاربة من قبائل سحار، وبني جُماعة وغيرها من قبائل صعدة، وقد شن جيش التحرير اليمني هجوماً عاماً وعاصفاً على القوات السعودية التي كانت مرابطة هناك.

حسم اليمنيون المعركة في صعدة بكفاح شديد الضراوة خلال يومين -من 7 إلى 8 مايو 1934م- وقد كبَّدت قوى التحرير الشعبية اليمنية جيش العدو السعودي خسائر فادحة، فقد بلغت الخسائر السعودية حوالي ألفي قتيل وجريح، و 400 أسير و360 جملاً و32 مدفعاً و9 سيارات سليمة و27 سيارة محطمة وعدد كبير من الخيام.

وفي حالة من الاضطراب والذعر ولى سعود وفلوله المندحرة في اتجاه نجران وكفوا عن طموحاتهم في ابتلاع اليمن، وضمها إلى المملكة الوهابية.

المراجع:
كتاب “سياسة العدوان السعودي على اليمن” للدكتور محمد علي الشهاري.
كتاب “الأطماع التوسعية السعودية في اليمن” للدكتور محمد علي الشهاري.
كتاب “تاريخ العربية السعودية” للمؤلف السوفياتي أليكسى فاسيلييف.


في الأربعاء 05 فبراير-شباط 2020 07:57:56 م

تجد هذا المقال في الجبهة الثقافية لمواجهة العدوان وآثاره
http://cfca-ye.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://cfca-ye.com/articles.php?id=2194