|
«الله ينصر الحق»، مقولة تحتل مكانة هامة في الوعي اليومي، من ضمن المقولات السلبية التي تؤثر على مبادرة الجماهير في الحياة الاجتماعية السياسية، بما تقوم به من تخريب في بُنية الوعي بدعوتها إلى السلبية والانكفاء والتنصل من المسؤوليات، وبالتالي تأبيد الواقع السلبي، وعدم المشاركة في مسار التغيير، الثورة، الكفاح من أجل التحرر الوطني والتقدم الاجتماعي.
إن ما نخطئه في مقولة «الله ينصر الحق»، ليس ظاهرها المتمثل في الطلب من الله أن ينصر الطرف المُحق العادل، فهذا يعد موقفا إيجابيا، لكن المرفوض في هذه المقولة هو بُعدها الباطني، الذي يتمثل في شعور قائلها بأنه غير معني بمعرفة الحق ونصرته.
تقوم هذه المقولة على ركيزتين رئيسيتين، الأولى معرفية والثانية ثقافية، فعلى الصعيد المعرفي، تفترض هذه المقولة عجز الإنسان عن الوصول عن معرفة الحقائق وإدراك الظواهر والتفريق بين ما هو عادل وفيه الخير والصلاح، وبين ما هو ظلم وفيه الشر والخراب.
يتطابق خطاب المقولة مع مذهب «اللاأدرية» في الفلسفة الحديثة، وهو مذهب يقول بعجز الإنسان عن معرفة الحقائق وعن وجود حقيقة موضوعية. ويتطابق خطاب هذه المقولة مع المذهب الوهابي في الفكر الإسلامي الذي يقول بعجز الإنسان عن معرفة الحقيقة بالعقل.
على الصعيد الثقافي، تقوم هذه المقولة على ثقافة سلبية تُبعد الإنسان عن المشاركة في الصراعات القائمة بجانب ما هو خير وما هو عادل وما يخدم المجتمع والوطن، فهذه المقولة تثقف الإنسان على التنصل من المسؤوليات والواجبات، والعيش على هامش الصراع وانتظار ما سوف تؤول إليه الأمور في صراع بين طرفين، وقبول الواقع الجديد والعيش في هامشه بنزعة أنانية يرى فيها كمال الحياة بأن تتأمن مصالحه كفرد أو مصالح أُسرته، وليذهب الجميع سُدى. وتتطابق مع الفهم السطحي لمفهوم «الفتنة» في الفكر الإسلامي هذا المفهوم الذي يَفترض حين يُفهم على نحوٍ سطحي الصراع بين المسلمين فتنة يجب الابتعاد عنها وعن أطرافها وملازمة البيت حتى نهاية الصراع.
إن مختلف الأسس والافتراضات التي تقوم عليها هذه المقولة باطلة منطقياً، فالحق لا ينصر نفسه ولا ينصره الله بدون السعي البشري كما قال بنو إسرائيل لنبي الله موسى، بل إن من الواجب معرفة الحق والوقوف بجانب القوى التي تمثله، فهو واجب إنساني وجودي وديني وأخلاقي وحزبي.
الإنسان قادر على معرفة الحقيقة والتفريق بين القوى والأطراف من خلال سلوكها وبالاستعانة بمناهج المعرفة المختلفة وبالمبادئ والتعميمات الأخلاقية والدينية. كما أن مفهوم «الفتنة» لا يستلزم الانعزال في البيت، فالخطاب القرآني واضح في قضية البغي والتعامل حيال الباغي والمبغي عليه.
والواقع يَشهد بأن التنصل من المسؤولية والأنانية، لا تعفي هؤلاء من تبعات الصراع، خصوصاً حين يكون الوطن هو المستهدف كما هو عليه الحال في واقعنا اليمني، فأدعياء الحياد والحيرة والترفع عن الصراع تأثروا من واقع العدوان والحصار وهو عليهم أقسى فلا دوافع
للصبر عندهم.
في الخميس 27 فبراير-شباط 2020 09:31:47 م